يواصل الاحتلال الإسرائيلي تضييق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، مستخدمًا أساليب متعددة للعدوان، من أبرزها الاستيلاء على الأموال وممتلكات المواطنين، لا سيما من خلال مداهمات مكاتب الصرافة ومحال الذهب، التي باتت هدفًا متكرراً في الاقتحامات اليومية لمدن وبلدات الضفة.
وكانت آخر هذه الحملات قبل أيام، حيث اقتحمت قوات الاحتلال جميع مقار شركة الخليج للصرافة، بالإضافة إلى عدد من محال المجوهرات، وصادرت مبالغ مالية ضخمة تُقدّر بالملايين، كما اعتقلت عدداً من الموظفين. وبررت سلطات الاحتلال هذه العمليات بأنها جزء من "ملاحقة تمويل المقاومة".
ووفقًا لمعطيات إسرائيلية، فإن الاحتلال صادر منذ بدء الحرب على غزة نحو 45 مليون شيكل من مكاتب الصرافة في الضفة الغربية، كان آخرها حملة واسعة تم خلالها الاستيلاء على 7 ملايين شيكل.
لم يقتصر الأمر على مصادرة الأموال فقط، بل أقدم جيش الاحتلال على إغلاق مكاتب الصرافة، واعتقال العاملين فيها، ومصادرة مبالغ مالية بعملات مختلفة، إضافة إلى سبائك ذهب وأجهزة إلكترونية، وحتى الأثاث المكتبي.
وفي أعقاب ذلك، علّقت القوات منشورات تحذر من التعامل مع هذه المكاتب بعد إغلاقها.
من جهتها، تؤكد سلطة النقد الفلسطينية أنها تطبق أحدث النظم الرقابية وقواعد الامتثال على القطاعين المصرفي والصيرفي، للحفاظ على سلامة هذا القطاع وتطويره. وتخضع مكاتب الصرافة لمعايير امتثال صارمة، ما يُفند الذرائع التي يسوقها الاحتلال لتبرير استهدافه للقطاع المالي الفلسطيني.
ذرائع واهية..
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي، عادل شديد، أن الاحتلال يسعى من خلال هذه الإجراءات إلى زعزعة ثقة المواطن والمستثمر بالمنظومة المصرفية الفلسطينية، مستغلًا ذرائع واهية لشرعنة عمليات النهب والقرصنة.
وأوضح شديد، في حديثه لــ "وكالة "سند للأنباء"، أن هذه الممارسات تأتي في إطار سياسة إسرائيلية معلنة منذ بدء الحرب على غزة، تستهدف رأس المال الوطني وتسعى إلى تجفيف مصادر تمويل المقاومة. كما اعتبر أن هذا العدوان على الاقتصاد الفلسطيني يمثّل عمليًا سحبًا لصلاحيات السلطة الوطنية الفلسطينية في المناطق المصنفة "أ"، دون تقديم أي مبررات قانونية أو سياسية لذلك.
وأشار إلى أن سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تهدف إلى خنق الاقتصاد الفلسطيني عبر خطوات متواصلة تستهدف الوضع المالي للسلطة الوطنية.
خلق بيئة طاردة من الضفة..
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي أيهم أبو غوش أن الإجراءات الإسرائيلية المتسارعة منذ 7 أكتوبر، تهدف إلى خلق بيئة اقتصادية طاردة في الضفة الغربية، من خلال التضييق على مكاتب الصرافة وتحويل الأموال، بذريعة منع تمويل الفصائل الفلسطينية.
ويبيّن أبو غوش، في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، أن مكاتب الصرافة تعمل ضمن منظومة رقابية تحت إشراف سلطة النقد الفلسطينية، وبما يتماشى مع الاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ويضيف "ضيف سند" أن الذرائع الإسرائيلية ليست جديدة، إذ استخدمها الاحتلال سابقًا للاستيلاء على أموال ومحال الذهب، ويواصل استخدامها حاليًا لنهب الأموال من الأفراد والمؤسسات.
ويطالب أبو غوش الجهات الرسمية الفلسطينية بتحريك دعاوى قانونية أمام المحاكم الدولية، لاستعادة الأموال التي يتم الاستيلاء عليها من المواطنين والشركات وحتى من الخزينة العامة. كما دعا إلى توثيق الأضرار لتقديمها كأدلة قانونية.
تفاقم الأزمة المالية للسلطة..
ويتوقّع الخبير الاقتصادي، أن يؤدي استمرار هذه الإجراءات إلى تفاقم الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية، مع ما يرافق ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد الوطني، من زيادة في نسب الفقر، إلى تراجع السيولة النقدية، مما يشكل ضغطًا على الدورة الاقتصادية برمّتها.
ويحذّر ضيفنا من أن استمرار السياسات الإسرائيلية ضد قطاع الصرافة ومحال الذهب، سيدفع إلى التعاملات المالية خارج الإطار الرسمي، وهو ما قد يخلق بيئة مالية غير صحية ويعزز من الاقتصاد غير المنظم.
ومن أبرز الهجمات التي شنها الاحتلال على مكاتب الصرافة، ما حدث في ديسمبر/كانون الأول 2023، حيث داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي محال صرافة في مختلف مدن الضفة الغربية، وصادرت مبالغ مالية كبيرة، واعتقلت عددًا من أصحاب المحال والعاملين فيها.
وادّعى جيش الاحتلال حينها أن هذه المحال متورطة في تحويل أموال لفصائل فلسطينية في غزة، وهو ما نفاه أصحاب المحال، مؤكدين التزامهم بالأنظمة والقوانين المرعية، وخضوعهم الكامل لرقابة سلطة النقد الفلسطينية.
وفي بيان سابق، اعتبرت سلطة النقد الفلسطينية أن الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع المالي تمثل "انتهاكًا صارخًا للأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، وتستهدف زعزعة الثقة بالقطاع المصرفي والصيرفي الفلسطيني".