كشف تحقيق مشترك لصحيفة الغارديان البريطانية وشبكة أريج الإعلامية، عن تورّط دول أوروبية في تصدير كلاب هجومية مدرّبة خصيصًا لقوات الاحتلال الإسرائيلي، لاستخدامها في اعتداءات عنيفة وهجمات إرهابية على المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وذكر التحقيق أنه في صباح أحد أيام فبراير 2023، اقتحم جنود الاحتلال منزل عائلة حشاش في مخيم بلاطة بالضفة الغربية، فاختبأت أمٌّ فلسطينيتان وأطفالها في غرفة نومها.
وعند لحظة دخول الكلب العسكري، انقضّ على الطفل إبراهيم (3 سنوات) بينما كان نائمًا في حضن والدته، وغرز أنيابه في ظهره وعذّبه بوحشية حتى فقد وعيه. نقلته طواقم الاحتلال إلى المستشفى، حيث اضطر الأطباء لزراعة 42 غرزة، وتلقي 21 حقنة علاجية لعدوى اللدغات. نزف الطفل طويلًا، وبقي يعاني من كوابيس ما زالت تطارده بعد أكثر من عام.
وحدة “عوكيّتس” والميليشيات المدججة بالأسلحة البيولوجية
تستخدم دولة الاحتلال هذه الكلاب ضمن “وحدة عوكيّتس” المتخصصة في العمليات الخاصة، مدعية أنها تُشغّلها في مهام مكافحة الإرهاب فقط.
لكن مراقبين حقوقيين رصدوا تصاعدًا في استخدام هذه الحيوانات لاعتداءات على منازلٍ آمنة ونساء ومسنين وذوي احتياجات خاصة.
ففي يوليو 2024، أغار كلب هجومي على الشاب محمد بهار، المصاب بالتوحد ومتلازمة داون، في بيته في الشجاعية، تاركًا إياه ينزف حتى الموت. وفي يونيو 2024، تعرضت السيدة دولت الطناني (68 عامًا) لهجومٍ مروع داخل منزلها في جباليا، قبل أن تُجبر عائلتها على تركها مصابةً وحدها.
التوريدات الأوروبية: شبكة خفية تنتهك القوانين
يؤكد الباحث الأمريكي جون سبنسر، المرافق لقوات الاحتلال، أن 99% من كلاب “عوكيّتس” تأتي من أوروبا، خصوصًا من هولندا وألمانيا وبلجيكا وجمهورية التشيك.
ومع ذلك، لا تُصنّف هذه الحيوانات ضمن “الأسلحة” أو “المواد ذات الاستخدام المزدوج” في تشريعات التصدير الأوروبية، ما يعني أنها تصل إلى دولة الاحتلال دون رقابة أو تراخيص مشددة.
وبحسب التحقيق فإنه بين 2022 و2024، صدرت بريطانيا وحدها 294 كلبًا مدربًا إلى دولة الاحتلال، بينما منحت هولندا أكثر من 110 شهادات تصدير لشركات متخصصة.
إدانات متزايدة ومطالب بوقف الدعم
قال ريتشارد فالك، المقرر الأممي السابق المعني بالأراضي الفلسطينية، إن الشركات التي تصدر الكلاب لإسرائيل "متواطئة قانونيًا وأخلاقيًا في انتهاكات حقوق الإنسان"، لأنها على دراية بالاستخدامات الوحشية لهذه الحيوانات.
كذلك تقول الأمم المتحدة إن ما يحدث في سجون الاحتلال من إطلاق كلاب على المعتقلين الفلسطينيين – بما يشمل العض، التبول، الضرب، وإجبار المعتقلين على خلع ملابسهم – يشكل خرقًا صريحًا لمعاهدة مناهضة التعذيب.
ويُظهر التحقيق أن الثغرات القانونية في الاتحاد الأوروبي تسهّل هذه الصادرات دون مساءلة. فالكلاب ليست ضمن قوائم الرقابة، ما يجعلها خارج نظام التراخيص الملزم. ولا تتوفر أي آلية فعالة لمراقبة استخدام الكلاب بعد وصولها إلى إسرائيل، ما يجعل الشركات الأوروبية بمنأى عن المسؤولية المباشرة، رغم وضوح الانتهاكات المترتبة.
وفي ظل تصاعد الأدلة على استخدام دولة الاحتلال للكلاب كسلاح قمع وترويع ضد الفلسطينيين، فإن الموقف الأوروبي – ما بين الإنكار والتغاضي – يمثل فضيحة أخلاقية وقانونية.
كما أن استمرار تصدير هذه "الأدوات الحيوانية" لجيش الاحتلال ليس مجرد تزويد بمعدات، بل هو تزويد بأدوات تعذيب وتجريد من الكرامة الإنسانية.
وفضلاً عن إلحاق الأذى بالإنسان، تُخضع هذه الكلاب لتدريب قاسٍ على مهاجمة البشر، ما يثير استنكار خبراء سلوك الحيوان. يصفها المنظمون بأنها “ضحايا تُستخدم في صراعات لا تفهمها”، ويؤكدون أن تحويل كائن اجتماعي مثل الكلب إلى أداة قمعٍ مسلح هو انتهاك أخلاقي بحد ذاته.
وختمت الغارديان بأن هذه التحقيقات لا تدين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحدها، بل تدين شركاءها الدوليين، وتكشف عن إحدى الزوايا الخفية للآلة القمعية الإسرائيلية التي تجد دعمًا صامتًا، ومربحًا، من عواصم أوروبية تدّعي احترام القانون وحقوق الإنسان.
وشددت الصحيفة على أن وقف تصدير هذه الكلاب هو أقل ما يمكن فعله لتقليص مشاركتهم في هذه الجرائم، بعد أن أصبحت "كلاب الهجوم" عنوانًا لوحشية لا تستثني أحدًا – لا طفلًا، ولا امرأة، ولا حتى كائنًا لم يختر أن يُقاتل.