أكدت صحيفة الغارديان البريطانية، على وجودب إيقاف بنيامين نتنياهو، مشددة على أن "شغف" رئيس الوزراء الإسرائيلي بالحرب كحلٍّ لمشاكله المتعددة يُمثل تهديدًا للعالم، وهو تهديد يتجاوز بكثير جيران دولة الاحتلال
وقالت الصحيفة إن "نتنياهو لا يعرف غير ذلك. الحرب هي عقيدته والحرب هي رد فعله، وهو يعتقد أن قوة الحرب ستوحد المجتمع الإسرائيلي وستُخمد أي انتقاد أمريكي له، وهو أمر ضروري لأن الآلية التي يحتاجها لشن حروبه تأتي في الغالب من واشنطن".
وأشارت إلى أن نتنياهو بعدوانه على إيران، يسعى إلى جر الولايات المتحدة إلى مستنقع عسكري لا نهاية له في المنطقة وإشعال فتيل الحرب في العالم.
وشنّت دولة الاحتلال فجر الجمعة، هجومًا عسكريًا واسع النطاق على إيران، استهدف منشآت نووية وعسكرية، وخلّف عشرات القتلى والجرحى، وسط تصعيد غير مسبوق قد يجرّ المنطقة والعالم إلى حرب شاملة.
وبينما يبرر نتنياهو الضربة باعتبارها "استباقية"، يتضح أن هذا العدوان هو امتداد لعقيدة نتنياهو القائمة على الحرب كوسيلة للبقاء السياسي، ولا شيء غير ذلك.
وتابعت الغارديان "نتنياهو لا يعرف سوى الحرب. هي وسيلته للتغطية على أزماته، وتوحيد مجتمعه المنقسم، وإسكات منتقديه في الداخل والخارج، خاصة في الولايات المتحدة".
وأضافت "بهذا المنطق، جاءت الضربات الأخيرة على إيران كتصعيد مدروس يهدف إلى خلط الأوراق، وجرّ واشنطن إلى حرب جديدة لا نهاية لها في الشرق الأوسط، بكل ما قد يترتب على ذلك من تداعيات كارثية عالمية".
عدوان لا مبرر له
الهجوم الإسرائيلي، الذي استهدف منشآت نووية ومدنية إيرانية، وصفه مسؤولون إسرائيليون بـ"الضربة الوقائية". لكن هذا المصطلح لا يصمد أمام المعايير القانونية أو الأخلاقية، إذ لا توجد مؤشرات جدية على أن إيران كانت على وشك مهاجمة إسرائيل، سواءً بسلاح نووي أو غيره.
ما حدث هو عمل عدواني واضح ضد دولة ذات سيادة، ويشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، خصوصًا ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة إلا في حالات الدفاع المشروع.
الأرقام تتحدث عن نفسها: ما لا يقل عن 70 قتيلًا و320 جريحًا في إيران، في واحدة من أعنف الهجمات التي تتعرض لها البلاد منذ الحرب مع العراق في الثمانينيات.
مبانٍ سكنية في طهران طالها القصف، والبنية التحتية المدنية تضررت بشكل واسع، بينما تتواصل المجازر الإسرائيلية في غزة بعيدًا عن عدسات الإعلام، بفعل انقطاع الإنترنت والحصار الكامل.
ذرائع واهية جديدة مزدوجة
أشارت الغارديان إلى أن إيران لطالما أكدت أن برنامجها النووي مدني الطابع. وحتى لو افترضنا نية طهران تطوير قدرات ردعية، فإن السلوك الإسرائيلي هو الدافع الرئيسي لذلك.
فمن المعروف أن دولة الاحتلال تملك ترسانة نووية ضخمة تُقدَّر بنحو 90 رأسًا نوويًا، وترفض الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، في تجاهل فاضح للمجتمع الدولي.
مقاربة "من يُسمح له بامتلاك النووي ومن لا يُسمح" تنطوي على عنصرية متجذّرة. تشير تقارير، من بينها ورقة إحاطة صادرة عن "الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية"، إلى أن دولًا غير غربية يُنظر إليها باعتبارها "عاطفية" و"غير عقلانية"، ولا تستحق ما يُمنح للدول الغربية من امتيازات سيادية.
ولا بد من التذكير بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي في الحرب – مرتين – ضد اليابان، في سياق مغلف بالكراهية العرقية.
سياسة الهروب إلى الأمام
هجوم نتنياهو على إيران لا يمكن فصله عن السياق السياسي الداخلي في إسرائيل. فقد نجا ائتلافه الحاكم قبل الهجوم بيوم واحد من تصويت على حل الكنيست، في ظل انقسام حاد بشأن إعفاء المتشددين الأرثوذكس من الخدمة العسكرية.
وقد بات واضحًا أن نتنياهو يحتاج إلى عدو خارجي دائم للحفاظ على تماسك جبهته الداخلية.
إنه ذات نتنياهو الذي انتهك أكثر من هدنة في غزة، وهو لا يبني سياسة خارجية، بل يؤسس لبقائه السياسي من خلال استمرار الحرب.
شبح ترامب وغياب أوروبا
الخطير أن الولايات المتحدة قد تكون منخرطة – بوعي أو بدونه – في هذه الحرب. نتنياهو صرّح أن واشنطن كانت على علم مسبق بالهجوم، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول مدى تورط إدارة ترامب، أو على الأقل تواطؤها.
وإذا كان ترامب يسعى للعودة إلى البيت الأبيض عبر شعار "أمريكا أولًا"، فإن دخوله في حرب مفتوحة بدفع إسرائيلي قد يكون بوابة جديدة للفوضى الإقليمية والعالمية.
على الجانب الأوروبي، لا يزال الصمت يخيّم. أين إيمانويل ماكرون؟ أين كير ستارمر؟ أين فريدريش ميرز؟ هل سيكتفون بإصدار بيانات باهتة تدعو إلى "ضبط النفس"؟ أم سيملكون الجرأة لرفض منطق الحرب والتدمير؟ الغرب يفاخر دائمًا بقيم "السلام، العدالة، القانون الدولي"، ولكن اللحظة تتطلب ما هو أكثر من الشعارات. تتطلب وقوفًا حقيقيًا بوجه جنون القوة والهيمنة الذي يجسده نتنياهو.
حرب بلا نهاية… والمطلوب موقف عالمي
أكدت الغارديان أن ما يجري اليوم ليس خلافًا حدوديًا تقليديًا، بل محاولة لإشعال حرب شاملة تقوّض كل فرص الاستقرار في الشرق الأوسط. سياسات نتنياهو العدوانية لا تهدد إيران فقط، بل تضع المنطقة بأكملها على حافة الانفجار، من الخليج إلى المتوسط، ومن غزة إلى طهران.
وشددت على أن العالم لا يحتاج إلى مزيد من الحروب. لا الشرق الأوسط ولا أوروبا ولا الولايات المتحدة نفسها. المطلوب هو موقف عالمي جاد، يوقف نتنياهو، ويفرض مساءلة حقيقية على من يستخدم القوة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية على حساب شعوب بأكملها.
وختمت صحفة الغارديان "حان الوقت ليقول المجتمع الدولي كلمته الواضحة: كفى حروبًا. كفى صمتًا. كفى نتنياهو".