وسط تصاعد الدمار، وانكشاف عمق المأزق الاستراتيجي، حذّرت صحيفة الغارديان البريطانية من أن الحرب التي شنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إيران، بعد حرب الإبادة في غزة، تبدو كأنها صراع بلا أفق، ولا مخرج واضح.
وأكدت الصحيفة أن حرب نتنياهو ليست فقط مغامرة عسكرية متهورة، بل استمرار لنهج يقوم على تسييس الحروب وتوظيفها لخدمة البقاء السياسي.
صراع بلا نهاية... وبدون خطة لليوم التالي
وفقاً لصحيفة الغارديان، فإن نتنياهو يتعامل مع الحرب لا كأداة دبلوماسية تُفضي إلى تسوية، بل كغاية سياسية بحد ذاتها، تُطيل من عمره السياسي المحاصر بتهم الفساد والفشل الداخلي.
وتضيف الصحيفة: "بالنسبة له، فإن إشعال صراع خارجي يبدو أسهل من معالجة أزماته الداخلية".
فور بدء الهجوم على إيران، بررت دولة الاحتلال العملية بأنها تهدف إلى منع طهران من امتلاك قنبلة نووية وشيكة، وهو ادعاء يتناقض مع تقديرات الاستخبارات الأمريكية.
ومع تصاعد القصف، بات الخطاب الإسرائيلي يتجه نحو هدف أكثر تطرفًا: إسقاط النظام الإيراني نفسه.
صرح وزير الجيش الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بوضوح: "لم يعد من الممكن السماح لخامنئي بالبقاء"، في تصريح يُظهر تحول الهجوم إلى محاولة لتغيير النظام.
غير أن هذا الهدف الخطير يذكّر، وفق الصحيفة، بمغامرات غربية سابقة كالغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حين رُوّج لـ"نزهة" عسكرية انتهت بفوضى إقليمية عارمة ما زالت آثارها مستمرة حتى اليوم.
ترامب ونتنياهو: مزيج من الشعبوية والحسابات الذاتية
ترى الغارديان أن ما يجمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونتنياهو هو استغلال الحروب لتحقيق مكاسب سياسية شخصية، على حساب المصالح الحقيقية لشعبيهما.
فكلاهما لا يُبدي أي اكتراث لمصير 90 مليون إيراني معرضين الآن لخطر الموت والتشريد، أو للدمار الذي قد يطال البنية التحتية لدول بأكملها.
تشير الصحيفة إلى أن ترامب، الذي طالما حذّر من التورط في الحروب، بات أكثر ميلًا للمشاركة في الحرب الإسرائيلية مع إيران، مدفوعًا بفشل محاولاته السابقة لصنع اتفاقات سلام كبرى تمنحه إنجازًا بحجم جائزة نوبل.
ومع تزايد الدعوات في دولة الاحتلال لتوجيه قنابل خارقة للتحصينات الأمريكية إلى منشأة "فوردو" النووية الإيرانية المدفونة تحت الأرض، لا يملك ترامب إلا التردد، خصوصًا في ظل غياب أي خطة "لليوم التالي"، في حال اندلعت حرب شاملة.
مجازر جديدة في الأفق
يُحذر تقرير الغارديان من أن التصعيد الإسرائيلي، الذي حصد مئات الأرواح المدنية في إيران حتى الآن، قد يتسع ليبلغ مستويات أكثر دموية مما جرى في غزة، التي كانت شاهدة على حرب إبادة مدعومة بغضّ الطرف الغربي.
تقول الصحيفة: "ما يجري يُنذر بتكرار فادح لتجارب الماضي: إسقاط حاكم مكروه يُفضي إلى كوارث إنسانية، كما حدث في الثورة الإيرانية عام 1979، وكما تكرّس بعد غزو العراق".
وفي المقابل، فإن الإسرائيليين يعيشون حالة هلع حقيقي، مع تهديدات انتقامية إيرانية متصاعدة.
الصمت الأوروبي.. والتواطؤ الأخلاقي
تنتقد الغارديان الصمت الأوروبي المطبق منذ بدء القصف الإسرائيلي على إيران، رغم أنه الهجوم الثاني الكبير الذي تشنه إسرائيل خلال أقل من عام.
وتشير إلى موقف المستشار الألماني فريدريش ميرز، الذي اعتبر الهجوم "عملاً قذرًا تقوم به دولة الاحتلال نيابةً عنّا جميعًا" – وهي عبارة صادمة كشفت كثيرًا من النفاق الأخلاقي الأوروبي.
لكن التقرير يلفت إلى أن هذا الموقف قد لا يصمد طويلًا، مع احتمال ارتفاع أسعار الطاقة، أو انهيار الدولة الإيرانية، وما قد يسببه من موجات لجوء ضخمة نحو أوروبا. وهو ما قد يجبر ميرز وغيره على إعادة النظر في دعمهم الأعمى للحرب.
بريطانيا تُحذّر... والمخارج لا تزال ممكنة
على الصعيد القانوني، أفادت تقارير بأن المدعي العام البريطاني، ريتشارد هيرمر، حذر الحكومة من أن أي مشاركة بريطانية في الحرب – تتجاوز الدعم الدفاعي – ستكون "غير قانونية".
وفي السياق ذاته، دعا زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، إلى خفض التصعيد واستئناف المفاوضات النووية.
أما في واشنطن، فرغم التصريحات المتشددة، تشير تقارير إلى أن إيران لا تزال تتجنب استهداف القوات الأمريكية، وأن وزير خارجيتها، عباس عراقجي، أجرى اتصالات مع المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، في محاولة لفتح قنوات تفاوضية – وإن كانت محدودة.
ورغم بُعد المسافة عن "الاستسلام غير المشروط" الذي يطالب به ترامب، فإن الغارديان ترى أن هذه المحادثات تُظهر أن الأفق السياسي للحل لم يُغلق بالكامل.
خاتمة: لا تُسلموا مفاتيح المنطقة لنتنياهو
تختم الصحيفة البريطانية تقريرها بالقول إن نتنياهو، الذي أفلت من المحاسبة على حربه الدموية في غزة، يجد في الصمت الدولي تفويضًا غير مباشر للتمادي في مغامرته الجديدة.
لكن هذه الحرب، بخلاف ما يتصوره، لا تملك مخرجًا واضحًا، وقد تكون بوابة إلى فوضى غير مسبوقة في الشرق الأوسط.
وتضيف: "إن لم يُواجه نتنياهو بضغوط دولية حقيقية الآن، فستكون العواقب أفدح مما حدث في أي وقت سابق. ومهما بلغت بشاعة النظام الإيراني، فإن تدمير بلد بأكمله ليس طريقًا إلى الحرية، بل إلى كارثة إقليمية محققة".