في غمرة سيل صفارات الانذارات الإسرائيلية، قبيل سقوط صواريخ إيرانية والبحث عن الملاجيء المحصنة، غابت عن "تل أبيب" والمدن الكبرى، مشاهد عشرات الآلاف من الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بعقد صفقة تبادل مع غزة، تفضي لوقف الحرب وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين .
ليست الحرب مع إيران، السبب الوحيد الذي يقف خلف غياب المظاهرات الشعبية بحثًا عن حلول سريعة لقضية الاسرى لدى المقاومة، حيث يكشف مختصون في الشأن الاسرائيلي عن أسباب أخرى كامنة خلف هذا الغياب.
وتعتقد جهات رسمية اسرائيلية حكومية وأمريكية متطابقة بوجود 58 أسيرًا إسرائيليًّا بينهم نحو 20 أحياء والباقون صنفوا في عداد الموتى، تمسك بملفهم الشائك المقاومة الفلسطينية بغزة، مطالبة بوقف الحرب وإعادة الإعمار ورفع الحصار وتبييض سجون الاحتلال.
أولوية ملف إيران
ويرى المحلل السياسي سليمان بشارات، وجود مجموعة أسباب متداخلة همّشت القضية، أولها نيران الحرب المشتعلة بين "إسرائيل" وايران، ممثلة حالة إجماع في الشارعين الحزبي والشعبي وتحظى بالقبول العام، عكس الحالة الحربية القائمة مع قطاع غزة، حيث الأولوية لملف ايران وبرنامجها كجزء حيوي من الأيديولوجيا والأهداف الأمنية العامة.
ويقول بشارات لـ وكالة سند للأنباء إن الكل الاسرائيلي يتخلى عن الأهداف المرحلية، وتمثله حاليا غزة وملفها، مقابل الاستراتيجي وتمثله إيران، يضاف إليه التغذية الاسرائيلية الشاملة لجبهتها الداخلية، بأن الحالة حرب وجودية بأبعاد أمنية ووجودية للمشروع الصهيوني المهدد .
ويغوص بشارات في أعماق الرؤية الإسرائيلية، قائلًا إن هناك أولوية أخرى عنوانها إقناع الجبهة الداخلية الإسرائيلية بأن القضاء على إيران والانتصار على مشروعها وحكمها يسبق ويمهد للقضاء على المقاومة بغزة ويغلق ملف الأسرى مرة وإلى الأبد.
ويشدد بشارات على أن عوامل الأمن الفردي للمواطن الاسرائيلي والأمن الجمعي ومخاوف التجمهر والتظاهر، تشكل هاجساً مهمًّا يدفع لفرملة الحراك الشعبي والحزبي، ويحول دون النزول للشارع، ما يستدعي القائمين عليها الذهاب لتأجيل الحراك حتى الانتهاء من الخطر الوجودي .
ويذهب بشارات لزبدة الموقف، مرتبطًا بتحديد نتنياهو سقفا زمنيا لإغلاق الملف الإيراني، وفي حال إطالة أمده وتضاعف الخسائر، سيغير الشارع موقفه ورؤيته، ويتقدم لدائرة التصعيد ضد الحكومة.
تهميش مقصود
ويعتقد الباحث في الشأن الاسرائيلي خلدون البرغوثي أن الوضع الميداني الحالي خدم نتنياهو، وتمكّن من حرف الأنظار عن عديد الملفات الشائكة والعامة التي تحاصره .
ووفق البرغوثي في حديثه لـ وكالة سند للأنباء، فإن الدوائر الإعلامية ومن يقف خلفها أشغلوا عائلات الأسرى والشارع بمقتضيات الحالة الحربية مع إيران وتأجيلها، وما إعلان نتنياهو قبل أسبوع عن حدوث اختراق في ملف الأسرى سوى محاولة لتحقيق إنجازات في إيران، وبالتالي تهميش مقصود لوضع الحرب في غزة .
ويقول إن ذهاب نتنياهو لوقف حرب غزة، وإطلاق سراح الأسرى، يعني أنه أدرك خواتيمه بإنهاء مستقبله السياسي، وسيذهب للمماطلة والتأجيل كما حاله من بدايات حرب غزة، وفي حال هدأت الجبهة الإيرانية فالخيار الانتخابي وفق محللين اسرائيليين سيكون متقدما على خيار الجنود الأسرى المؤجل قطعا .
تهرب من استحقاق 7 أكتوبر
ويلتقي المحلل السياسي والأكاديمي من الداخل الفلسطيني إبراهيم أبو جابر، مع البرغوثي، في أن العامل الشخصي لنتنياهو في إطالة أمد الحرب الإيرانية للتهرب من استحقاقات السابع من أكتوبر، وعدم تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وتهربه من الملفات أمام المنظومة القضائية التي تطارده؛ تعتبر من أهم دوافع نتنياهو.
ويتفق أبو جابر مع سابقيه في رؤيته المتمحورة حول الأمن الفردي والجمعي، ومنع الجبهة الداخلية للتجمهرات والتجمعات العامة، وهو ما ساهم في غياب التفاعل والحراك المتعلق بالأسرى ووقف الحرب، متزامناً مع الرشقات الصاروخية الإيرانية التي تشكل عمومًا أخطارًا جدية تحدق بحياتهم وتجمعهم.
ويرى أبو جابر أن نتنياهو استغل ضعف المعارضة الاسرائيلية وتأثيرها في الشارع، لتنفيذ سياساته، ما جعله لا يعبأ بالشارع ومطالبه، في ظل انحياز أمريكي لمواقفه ورؤاه .