الساعة 00:00 م
الخميس 26 يونيو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.63 جنيه إسترليني
4.79 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.95 يورو
3.4 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

رقابة أمنية مشددة.. هكذا أدارت "إسرائيل" معركة السردية مع إيران

حجم الخط
الرقابة الاسرائيلية
رام الله - وكالة سند للأنباء

برز دور الرقابة العسكرية الإسرائيلية بشكل تعسفي بحق وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية خلال الحرب الاسرائيلية- الإيرانية التي استمرت لـ 12 يومًا، ليطال الإسرائيليين بمنع تصوير اماكن سقوط الصواريخ، وفرض عقوبات على المخالفين.

ورغم أنّ سيف الرقيب الإسرائيلي على وسائل الإعلام كان مسلطًا خلال الحرب على غزة وقبلها، في محددات النشر إزاء ما يجري في المجتمع الإسرائيلي، إلا أنه برز تجند جهات إسرائيلية متعددة، ما بين وزراء وأعضاء كنيست لملاحقة وسائل الإعلام، ومنع نشر الصورة الحقيقة لما يجري.

ومع بدء الرد الإيراني على الهجمات الإسرائيلية، أصدرت قيادة الجبهة الداخلية بالجيش الإسرائيلي تعليماتها بعدم نشر أي مقاطع فيديو أو صور لمواقع سقوط الصواريخ الإيرانية، واعتبرته مساسًا بـ "أمن الدولة"، يجب الامتناع عنه.

وصدرت تعليمات لضباط الشرطة الإسرائيلية بمنع توثيق مواقع سقوط الصواريخ حسب تقديرهم، بل وملاحقة الصحفيين المرتبطين بوسائل الإعلام الأجنبية غير المُلزمة بالرقابة.

ووفقاً لصحيفة هآرتس فقد مُنحت هذه الصلاحيات الاستثنائية استجابةً لطلب من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير الاتصالات شلومو كيري، بإخضاع الصحفيين الأجانب لموافقات الرقابة، وإلزامهم بالحصول على موافقة كتابية مسبقة لتسجيل مواقع السقوط.

وأقرّ الكنيست الإسرائيلي قانونا يفرض قيودا على التصوير والنشر خلال الحرب للحفاظ على الأمن ومنع تسريب معلومات، قد تستخدم من أطراف معادية بحظر تصوير عمليات القصف أو اعتراض الصواريخ، ومنع نشر الصور أو مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأعمال العسكرية.

وقرر تقييد عمل وسائل الإعلام الأجنبية التي تُعتبر "معادية" وفق تصنيف الجهات الرسمية، خلال أوقات الحرب، ومنع تصوير مواقع عسكرية أو حساسة.

وفيما يرى مختصون أن إسرائيل خاضت حربًا واعية تمامًا لضعف جبهتها الداخلية، فركزت الرقابة العسكرية على التحكم بالمعلومة والصورة، أكثر من التحكم بالميدان العسكري نفسه.

واعتبر المختص بالشأن الإسرائيلي، ياسر مناع، أن الرقابة العسكرية ليست جديدة خلال الحرب مع إيران، ولم تتوقف خلال الحرب على غزة، وشهدت على مدار عامين توترات حتى مع صحف إسرائيلية، وإنما أصبحت جزءًا من إدارة الإعلام والعلاقة بين الإعلام والمحررين والصحافة الإسرائيلية بشكل عام والحكومة.

وقال مناع في حديث لـ "وكالة سند للأبناء" إنّ "إسرائيل" وعبر الرقيب العسكري تحاول احتكار الرواية والصورة والسردية في سياق الحرب خاصة في ظل الحرب مع إيران وطبيعتها العسكرية بدقة الصواريخ، وأهدافها لتروج أن نشاط الرقابة للحفاظ على الجبهة الداخلية.

وبين مناع أن تل أبيب حاولت التعامل بسرية مع المواقع المستهدفة من قبل إيران، وفرض تعتيم الصورة والخبر لتفنيد الرواية الإسرائيلية ضد إيران أنها تستهدف أماكن سكنية، في حين ما كان يسرب وينشر يعزز رواية إيران التي دوما تقول أنها استهدفت مواقع عسكرية.

كما وتحاول الرقابة العسكرية منع نشر صورة المواقع الحساسة للحيلولة دون كشف مواقعها خشية إعادة استهدافها في جولات أخرى، في إشارة إلى الخشية الاسرائيلية من دقة الصواريخ الإيرانية.

غياب أي مظاهر رفض

ولفت مناع إلى غياب أي مظاهر اعتراض من الإعلام الإسرائيلي أو ما تعرف بـ "لجنة المحررين" إزاء الإجراءات الأخيرة، مما يؤكد تنسيق الإيقاع في العمل بين الإعلام والحكومة ومدى تجنده كجزء من المعركة.

لكن وبالرغم أنّه يسمح للإعلام الإسرائيلي بطرح حول قضايا فساد ورئيس ووزراء الحكومة بحرية واسعة، إلا أنّ الحرية تغيب تمامًا في القضايا الأمنية، إذ لا يُسمح له بالتطرق لأي موضوع تحت ذريعة "الأمن".

من جانبه قال الكاتب والخبير بالشأن الاسرائيلي وديع عواودة، إنّ الرقابة العسكرية الإسرائيلية عملت بالمقام الأول على منع تحديد مواقع سقوط الصواريخ لأسباب عسكرية؛ بحجة عدم منح إيران أو أي "جهة معادية" فرصة إجراء تقديرات بشأن إصابة الأهداف من عدمها.

ويرى عواودة في حديث لـ "وكالة سند للأنباء" أن تشديد الرقابة العسكرية على الصحفيين جاء بهدف غير معلن يتعلق بالحرب على الوعي والرواية، رغم أن كل إسرائيلي لديه هاتفه ويمكن أن يقوم بدور الصحفي بالنشر عبر منصات التواصل التي كانت مصدراً مهماً للصورة، وهو ما شكل اختراقاً وتحدياً كبيراً للرقابة ودفع بها لإصدار تهديدات مختلفة.

وتحدث عن مشاركة عدة جهات إسرائيلية في عملية الضغط على الصحفيين لأسباب شعبوية مثل الوزير بن غفير، ومجموعات المستوطنين ممن كانوا يرسلون، للشرطة رسائل لملاحقة الصحفيين العرب في حيفا.

ويتطرق المختص في الشأن الإسرائيلي شادي الشرفا، إلى أن تأسيس الرقابة العسكرية تم في عام 1948 ولكن جذورها تعود إلى قوانين الطوارئ البريطانية لعام 1945، وتعتمد على قوانين الطوارئ التي تمنحها السلطة لمنع نشر المعلومات التي قد تهدد أمن الدولة أو الجيش أو العلاقات الخارجية، حيث يُعتبر هذا المفهوم ضبابياً، مما يسمح بتدخل الرقابة العسكرية في مجالات متعددة.

ووفقا ً لما جاء في حديث الشرفا لـ "وكالة سند للأنباء" فإن الرقابة العسكرية في "إسرائيل" تمارس صلاحيات متعددة تتعلق بثلاثة مجالات رئيسية، تتعلق بالجبهة الداخلية بضبط النشر لحماية المدنيين ومنع نشر معلومات قد تؤثر على الأمن الداخلي.

أما المجال الثالث فهو جبهة "العدو" بتحديد ما يُسمح بنشره حتى لا يصل لـ "الأعداء" ويُستخدم ضد الدولة، بالإضافة إلى الرأي العام العالمي والتي تهدف "إسرائيل" إلى الظهور كضحية تدافع عن نفسها، وتتحكم بالرواية الإعلامية أمام العالم.

كما وتبرز الرقابة كثيرًا تحت شعار "أمن الدولة فوق حرية التعبير"، حيث يحدد القضاة العسكريون ما هو مسموح وممنوع نشره.

والمشكلة في "إسرائيل"-حسب الشرفا- تكمن في الرقابة الذاتية، حيث تمارس وسائل الإعلام الإسرائيلية نوعًا من الرقابة على نفسها، خلال الحرب، ظهرت حالات لصحفيين إسرائيليين يبلغون الشرطة عن صحفيين أجانب أو عرب يصورون مواقع سقوط صواريخ.

وأشار إلى أنّ الرقابة العسكرية برزت بشكل واضح، وأكثر تأثيراً خلال المواجهة الأخيرة مع إيران، لاعتبارات تتعلق بالظهور كضحية أمام السلاح النووي الإيراني وتهديد الصواريخ.

وعملت الجبهة الداخلية، على تقليل الأضرار النفسية حيث أن الرقابة منعت بث مشاهد الهلع، التدافع، أو الفوضى التي قد تهز معنويات الداخل أو تضعف "هيبة إسرائيل"، ومحاولة إخفاء فشل أنظمة الدفاع الجوي في اعتراض عدد من الصواريخ الإيرانية، رغم كلفتها العالية.

الرقابة والإعلام البديل

وبرز التضليل الإعلامي واضحًا من جيش الاحتلال عبر تقديم أرقام متضاربة ومبالغ فيها عن نجاحات الاعتراض، في محاولة للتغطية على حجم الضرر والاختراقات.

ولفت الشرفا إلى أنّ الاحتلال كان يسمح خلال أيام المواجهة بنشر صور الصواريخ الساقطة في المناطق المدنية العامة لتوليد تعاطف دولي، بينما تُمنع الصور التي تظهر الأضرار في المواقع العسكرية والحساسة.

ففي تل أبيب وبعض مناطق حيفا الحساسة، قُيّد نشر الصور وعلى النقيض، نُشرت صور الضربة الأخيرة في بئر السبع بهدف إثارة التعاطف الدولي، بينما تم منع دخول الصحفيين إلى مواقع معينة، مثل منشأة "المصفاة التكرير" في حيفا، لعدم السماح برؤية طبيعة الأضرار التي لحقت بها.

لكن وبالرغم من تشديد الرقابة أصبحت "إسرائيل" تواجه تحديًا جديدًا يتمثل في الإعلام البديل، رغم محدودية تغطيته خاصة بالمواقع العسكرية والحساسة إلا أنه أضعف قدرة الرقابة على التحكم الكامل في السرد الإعلامي، خاصة فيما يتعلق بالخسائر والأضرار الحقيقية، يقول الشرفا.