رحيل عائلات فلسطينية من خربة سمرة وأخواتها في الأغوار الشمالية مؤخرًا، وهجرة الأرض جراء تهديدات المستوطنين المتواصلة، تردد صداه في منطقة مترامية الأطراف، تفتح شهية مجلس المستوطنات للسيطرة عليها.
وأُجبرت العائلات في الخربة على الرحيل قسرًا، على وقع انتهاكات واعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين اليومية، والتي بدأت بالتدريبات العسكرية بين المضارب والبركسات، وحرق المحاصيل الزراعية وحراثتها في مواسم الحصاد، مرورا بسرقة الأغنام ومصادرتها، وحصار مواقع الرعي ومنابع المياه ومصادرها، والهدم، وصولا لإقامة البؤر الرعوية، بإسناد من الجيش والشرطة ومجلس المستوطنات.
نشطاء وأهالي في الأغوار الشمالية في 21 تجمعاً فلسطينيا، قرعوا جدران الخزان، ولا زالوا يحذرون من مخططات إسرائيلية، لا تتوقف شهيتها عن ابتلاع كل شبر فلسطيني، لكن تحذيراتهم ذهبت أدراج الرياح، وأحرقتها نار الاستيطان الرعوي التي تلتهم كل ما حولها.
الرحيل القهري
ويصف الخبير في شؤون الاغوار عارف دراغمة رحيل العائلات، بالرحيل القهري بالفعل التراكمي الأخير، من مستوطنين شرعوا بمهمات بديلة عن جيش الاحتلال، واستغلوا حرب الإبادة لتنفيذ اعتداءات متواصلة .
ومن بين الاعتداءات الأخيرة والعنيفة التي ينفذها نشطاء الاستيطان، وفق دراغمة، إغلاق المراعي والرعي بين الخيام وبناء عرائشهم بين خيام المزارعين.
ويضيف دراغمة لـ وكالة سند للأنباء: كان شعارنا الذي رفعناه منذ سنوات (جبروها قبل ما تنكسر) تحذيراً من القادم الأسوأ وهو الحال اليوم، فالمزارع في حصار شديد، وتُرك بلا ماء ومراعٍ وأعلاف، ويتهدده الموت أو الاعتقال.
ويعتبر دراغمة أن المزارعين دفعوا ثمن بقائهم في صراع البقاء، إلى أن اضطروا للرحيل الذي يهدد المنطقة ويبتلع ثلثي الأغوار الشمالية.
ورصد دراغمة رحيل عديد العائلات في الأغوار الشمالية، ومنها خربة سمرة والفارسية وحمصة والمالح والبرج، أبرزها عائلة ياسر أبو عرام، التي هُجّرت بالقوة من مناطق عديدة، آخرها الرأس الأحمر، بعد مصادرة الاحتلال ممتلكاته ومعدات السكن ومعاول التربية الحيوانية والمعدات.
حصار وضغوطات يومية
ويرى الناشط في الأغوار والباحث في مؤسسة الحق، فارس الفقهاء، أن الرحيل سبقته عمليات ضغط متلاحقة وحرب يومية على مدار الساعة، ومنها إغلاق الأراضي ومصادرة المواشي، ما أدى لحصارها في بركسات وخيام، وتحول المواطن ومواشيه للعيش في سجن.
ويحذر الفقهاء في حديثه لـ وكالة سند للأنباء، من انفراط عقد الوجود الفلسطيني في الخرب والمواقع في الأغوار الشمالية، بفعل التهديد اليومي، وكان آخرها قيام ضابط كبير في أمن المستوطنات بتصويب السلاح في صدر المزارع برهان بشارات، وتهديده بخياري الرحيل أو الموت.
ويستصرخ كافة وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، معتبرا أن الإعلام غائب عن ساحة الأغوار، وتغطية عدوان المستوطنين والجيش اليومي.
ويوضح أن هناك فرصة ضئيلة متاحة لإنقاذ ما بقي، بتعزيز صمود المزارعين وعدم انتظار إنجاز العطاءات الرسمية للمساعدة في الصمود، بل خطط طارئة عملية تحمي ما تبقى في موسم صيف مقبل يحمل معه الجفاف والحرارة.
وتتعرض مواقع التجمعات اليومية، وفق الفقهاء، لهجوم متواصل، خاصة مناطق خربة سمرة ومكحول وام الجمال وأم القبا والحديدية وحمصة الفوقا والتحتا والراس الاحمر وكلها في نطاق جغرافية الاغوار الشمالية.
ويكشف المزارع برهان بشارات (ابو احمد) عن حجم الاستهداف ويقول انه متواجد في خربة مكحول منذ 23 عام الا ان العدوان منذ احتلال عام 1967 لا يسجل سوى نحو 5% من الممارس بحقنا منذ السابع من اكتوبر الى اليوم.
غياب إسناد المزارعين
ويشرح بشارات لـ وكالة سند للأنباء حجم المعاناة وضرورة إسناد المزارع وتعزيز صموده بما يضمن البقاء في الارض تحت جميع الظروف من خلال توفير المياه والاعلاف ودعم مادي قبل ان تقع الفأس في الرأس قبل النهاية .وفق تعبيره
ويقول بشارات الذي تقع خيامه في أسفل معسكر "المزوقح"، إن المزارعين يتواصلون معا عبر الهاتف لدعم بعضهم البعض وشد العزيمة، مشيرا إلى أن المستوطن "أوري" ومن معه من غلاة المستوطنين وزعرانهم، لا يتوقفون عن التهديد بالقتل وسرقة المواشي والتجول بين الخيام في غياب المزارعين، واصفا عدوانهم بأنه الوسيلة الناجعة التي اعتمدت لإجبار الأهالي على الرحيل.
وحول تعزيز صمود الأهالي والجهد الرسمي، يؤكد مسؤول ملف الاستيطان في محافطة طوباس والأغوار الشمالية معتز بشارات، أن الجهد القانوني لمواجهة استهداف الأغوار الشمالية نجح بتحقيق تراجع من 100% الى 5%، إلا أن الاستهداف الحالي لنشطاء الاستيطان يعوق التوجه للقضاء الإسرائيلي، وكان البديل بمخاطره البؤر الرعوية التي تنهب الأرض وتهدد التواجد الفلسطيني.
ويعتقد بشارات، متحدثًا لـ وكالة سند للأنباء، أن تشييد البؤر وتسييج الأرض وتحويلها لمحميات طبيعية كانت وسائل مهمة للسيطرة على الأراضي، حيث تحول مجلس المستوطنات إلى صاحب القرار في المناطق ج.
ويردف بشارات أن مسؤولين في مجلس المستوطنات في حال وجود شكاوى عليهم يتواصلون مباشرة وهاتفيا مع الوزير المتطرف بن غفير، الذي يعطي الأوامر للشرطة بترك الملف وعدم قبول الشكاوى، في واحدة من العربدات المنظمة لفرض سياسة الأمر الواقع، وخدمة المصالح الإسرائيلية وفي مقدمتها الاستيطان.
مساحات واسعة
وتضاعفت السيطرة على الأرض في طوباس والأغوار الشمالية، بحسب بشارات، منذ أربع سنوات إلى اليوم لثمانية أضعاف، عما كانت عليه منذ الاحتلال عام 1967 .
وتمثل مناطق الأغوار الشمالية خُمس مساحة أراضي الضفة الغربية، وتبلغ مساحتها 214 ألف دونم تم السيطرة على ما نسبته 80% منها، وفق بشارات.
وحول تصرف المستوطنين والبؤر الرعوية، يقول بشارات إن مستوطنا واحداً في منطقة "أبو القندول" يسيطر على 17 ألف دونم، بينما يسيطر مستوطن آخر على المنطقة من أعالي خربة الحمة ومنطقة رابا وإبزيق وحمامات المالح، على 28 ألف دونمـ إضافة الى تسييج كامل الأراضي على خط "الون" شرق شارع 90 حتى مرج نعجة والزبيدات، ويحظر على الفلسطينيين عبورها ودخولها ومساحتها 54 ألف دونم.
وتضم الأغوار الشمالية بحسب توثيقات بشارات ومعطياته، 21 تجمعا فلسطينيا، منها قريتان في المنطقة المصنفة ب، وهما العين البيضا وبردلة، إضافة إلى كردلة المرفوض الاعتراف بها، ويقيم فيها11 ألف فلسطيني، يتهددهم الخطر الحقيقي الماثل أمام أعينهم في أية لحظة.