مع وفاة نبض حياتها والدها عام 2014 شعرت ياسمين الحلو بحزن وفقدان كبير في حياتها؛ قبل أن تقرر استجماع نفسها مرة أخرى لتجد ضالتها لدى كبار السن الذين أمدوها بحب وعشق سدَّ إلى حدٍ ما من اشتياقها لوالدها "أبو ناصر".
ياسمين ولأنها مولعةٌ بحب والدها ودلاله؛ قررت أن تطلق مبادرة أسمتها "هم بركتنا" في عام 2014 كان الهدف منها تقديم العون والدعم لفئة كبار السن؛ كخطوة منها لتعزيز ثقافة الحب لهذه الفئة.
مشاعر ياسمين الجياشة تُجاه والدها جسدته تعبيرات ألفاظها وإيماءات حركاتها؛ فهي وأثناء حوارها مع مراسل "وكالة سند للأنباء"، لا تنسى اللحظات التي كان والدها يمدها بحبه فترتوي منه.
وحرصت السيدةٌ الثلاثينيةٌ أن تبرز مبادرتها عبر صفحتها الشخصية "فيسبوك"؛ ما شجع آخرين لأن يتقدموا بمبادرات تعززت لدار المسنين عام 2018، كان لها نتائج مثمرة للغاية لاحقاً.
شبيه والدها
ياسمين وهي تسرد تأثير مبادرتها على فئة كبار السن تعلقت بأحد المسنين ويدعي "محمود البحيري"؛ لأنه يشبه والدها إلى حد كبير، لون عيونه، وسماحة وجهه، وشكل جبينه، كل ملامحه حاضرةٌ فيه.
وحينما كانت ياسمين تصيبها لوعة الاشتياق لوالدها كانت مباشرة تتوجه إليه؛ من أجل الجلوس معه، والنظر لعينيه، ووجنتيه، وشفتيه، "يا له من شعور رائع".
زاد حب ياسمين للمسن "البحيري" حينما نطق باسمها "ياسمين"؛ فكانت شعورها ممزوجاً بالفرحة والحسرة معاً "فرحت لأني شعرت أن والدي يناديني، وشعرت بالحسرة لأني تذكرت والدي بأنه متوفي"، كما تقول.
فجأة قبل شهرين جاء لياسمين اتصالاً من جمعية دار المسنين يخبرها أن المسن البحيري توفي إثر جلطة دماغية أصابته، فأخذت تجهش بالبكاء الشديد؛ لأنها تذكرت تلك اللحظات الصعبة التي فقدت فيها والدها "أبو ناصر".
مشاريع داعمة
لا تتوقف ياسمين عند إبداء الرغبة والحب لهذه الفئة؛ وإنما تعمل على تنظيم مشاريع لدعمهم نفسياً، ورسم البسمة على شفاههم، وإسنادهم، وكان آخر هذه المشاريع مشروع الدعم النفسي الذي استمر لمدة 6 أسابيع.
وعملت ياسمين خلال هذا المشروع على تنظيم رحلات للمسنين لمراكز ترفيه وأماكن لعب؛ ما أثر إيجابًا عليهم، وكان دافعاً لأشخاص بأن يوجهوا مشاريعهم وأموالهم لدعم هذه الشريحة.
تقول ياسمين: "استقطبت فئات عديدة في مشروعي هذا. كبار السن هم بركة خفية لا نشعر بها إلا عندما نجلس قربهم وندعمهم. دعاؤهم يساعدنا على تجاوز أزماتنا في الحياة لقد شعرت بذلك كثيراً".
مبادرات متزايدة
مدير مركز الوفاء لرعاية المسنين بسمان العشي، أشاد بمبادرة ياسمين تجاه المسنين، ويرى إنها من أكثر المبادرات التي حافظت على استمراريتها وكان لها صدى كبير.
يقول العشي خلال حوار مع مراسل "سند"، إن هذه المبادرات مهمة؛ لأنها تدعم كبار السن، وتضفي الفرح على قلوبهم، وتعوضهم عن فقدان الجو الأسري.
ويضيف إنَّ بعض الأسر تزور الجمعية وتختار مسن تقضي يومها معه طالبين الثواب والمكافأة من الله، مشيراً إلى أن هذه المبادرات التي لوحظ مشاركة مؤسسات مختلفة تتزايد يوماً بعد آخر.
وينوه إلى أن دخل هذه المؤسسة قائم بالأساس على تبرعات أهل الخير ومساعدات الشركات المحلية بغزة، وبعض المؤسسات الدولية التي تقدم مساعدات عينية وأدوية بين الحين والآخر.
مشاركة الجمهور
ووفقاً للعشي، فإنه مع زيادة الوضع الاقتصادي بغزة وجدنا أن مشاركة الجمهور والمؤسسات الخاصة في تحمل عبء مسؤولية كبار السن شيء أساسي حتى يشعر المسن أنه جزءٌ من المجتمع، وحتى يشعر المجتمع بأهمية كباره وهو مسؤول عنهم.
وحسب العشي، فإن هذه المبادرات ساعدت بنسبة 40% على تجاوز الأزمة المالية التي تعاني منها دار الوفاء منذ فرض الحصار الإسرائيلي على غزة عام 2006.
ويشير إلى أن الموازنة السنوية للدار تكلف 2 مليون شيقل (شامل عيني ونقدي)، وما تستطيع الدار توفيره هو نصف المبلغ فقط بدعم من شركات مثل شركة الكهرباء الاتصالات ومؤسسات الأدوية، في حين يبقى النصف الآخر عجز.
دار الوفاء التي تأسست عام 1980 هي الدار الوحيدة لإيواء ورعاية المسنين في قطاع غزة، ويقدم خدماته للمسنين مجانًا مدى الحياة.