رغم عمره الذي لا يتجاوز الخمس سنوات، يستيقظ قبل سويعات من أذان الفجر، يتجول الطفل وليد موسى القريناوي، أرجاء المنطقة الشرقية لمخيم البريج، برفقة عمه المسحراتي لإيقاظ الناس لتناول سحورهم في شهر رمضان الفضيل.
بيده النحيلتين الصغيرتين، وببزة تلفت الناظرين، يحمل وليد دفه بين يديه، ليمزجها بصوته الشجي، مغنياً ترانيماً جميلة، ومردداً خلف عمه إبراهيم الملقب "أبو النور" اصحى يا نايم وحد الدايم، اسمع الدقة ومتؤلش لأ..رمضان كريم".
والد الطفل وليد عبر عن فرحته وافتخاره بابنه، الذي يستيقظ بشكل شبه يومي لهذه العادة الجميلة برفقة عمه، مضيفاً: "أنا أشجعه على هذه العادة، خاصة أنه العام الأول الذي يرافق عمه في هذه المهنة".
وأضاف في حديث لمراسل "سند" أن طفله يلح عليه في فترة النهار، وينتظر بشوق كبير قدوم الليل للخروج لتسحير الناس، وطوال اليوم يحتفظ بدفه وبدلته التي يستخدمها أثناء الخروج ليلاً".
والمسحراتي أو المسحر مهنة يطلقها المسلمون على الشخص الذي يوقظ المسلمين في ليل شهر رمضان لتناول وجبة السحور، حيث يحمل الطبل أو المزمار ويقوم بدقها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر وعادة ما يكون النداء مصحوب ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية.
ويعتبر أول من قام بهذه المهمة هو بلال بن رباح أول مؤذّن في الإسلام الذي كان يؤذن للسحور وابن أم مكتوم الذي كان يؤذن للامتناع عن تناول الطعام لحلول الفجر.
وتابع أبو وليد قوله: "نحاول خلال فترة النهار أنا وعمه أن نقوم بتحفيظه بعض الابتهالات والأناشيد ليتمكن من إلقاءها أثناء إيقاظ الناس للسحور لكي لا يمل ويتشجع بسرور أثناء تجواله".
أصغر مسحراتي بغزة
من جانبه، عبر إبراهيم القريناوي، عم الطفل وليد عن فرحته وسعادته بمرافقة وليد له خلال فترة التسحير ليلاً وقال: "يخرج معي وليد بشكل شبه يومي دون ملل أو كلل، ولديه قابلية وحب للتعلم لاحظناها عليه وهو يعتبر أصغر مسحراتي في قطاع غزة".
وتابع في حديثه لمراسل "سند": "قمت بشراء زي مخصص له، ودف، لكي لا يمل ويشعر بالسعادة أثناء مرافقتي له، ولأشعره بقيمة هذه المهنة وما فيها من أجر عند الله سبحانه وتعالى".
ورفض إبراهيم والذي يعمل في مهنة المسحراتي للعام السابع على التوالي الأحاديث التي تعبر أن المسحراتي لم يعد له دور أساسي، بحجة انتشار التكنولوجيا والتنبيهات الإلكترونية، معتبراً أن المسحراتي ضروري في رمضان كونه من طقوس الشهر الفضيل ويعطي نكهة خاصة.
ترحيب وقبول
وأضاف أن سكان المخيم وخاصة المنطقة الشرقية يُعبرون عن إعجابهم بهذه العادة المتوارثة عن الأجداد، ويرغبون في الحفاظ عليها.
وخلال مرافقة مراسل "سند" للمسحراتي "أبو النور" أبدى أهالي الحي، فرحتهم وسعادتهم به، وبالطفل وليد لصغر سنه، وقالت الحاجة السبعينية أم أحمد متبادلة التحية الملقاة عليها: "عندما نسمعهم ينادون علينا أنا وأهالي المنطقة، نستشعر بأجواء رمضان، ولياليه الجميلة ونفحاته الإيمانية".
أما الشاب علي أبو عجوة، والذي أصر على التقاط صورة شخصية "سيلفي" مع الطفل وليد وعمه قال: "يعجبني إصرار هذا الطفل كل ليلة يجوب الشوارع والحارات وأنا أنظر إليه حاملاً دفه، ملقياً كلماته الخفيفة على القلب وحماسته لإيقاظ الناس".
وأضاف: "نحن نعتمد بشكل كبير على المسحراتي لإيقاظنا، فعلاً إنها مهنة نبيلة لا يبتغون أجراً ولا منة سوى مرضاة الله، وطمعاً في ثوابه".
شاهد جانب من جولة التسحير اليومية التي يقوم بها الطفل وليد برفقة عمه