لم يعدم الفلسطيني الوسيلة، بحثًا عن الحرية والانعتاق من الاحتلال وإجراءاته، فمنذ أن وطأت أقدام العصابات الصهيونية أرض فلسطين التاريخية وأعلنت احتلالها؛ لم تترك "إسرائيل" طريقة إلا وضيّقت بها على أصحاب الأرض لإجبارهم على الرحيل ضمن سياسة تهجير ممنهجة وبوسائل ملتوية.
نصب الحواجز والبوابات العسكرية أحد الأدوات التي استخدمها الاحتلال بكثافة خاصة بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، كنظام تحكم بحركة الفلسطينيين في طريق الذهاب والإياب بالضفة الغربية والقدس.
إذ قسّم الاحتلال، الضفة الغربية إلى كانتونات، وعزلتها عن الداخل الفلسطيني المحتل ومحافظة القدس، عبر العديد من الحواجز العسكرية؛ والتي بات بعضها يُقسم حتى المدينة نفسها كما يحدث في الخليل.
وتبرر "تل أبيب" هذه الإجراءات بـ "دواعٍ أمنية"، في حين يرى الفلسطينيون والعديد من منظمات حقوق الإنسان أنها تمثل سياسة ممنهجة للهيمنة وتفتيت التواصل الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي داخل الأراضي المحتلة.
مراسل "وكالة سند للأنباء" برام الله، رافق عددًا من العائلات الفلسطينية خلال تنقلها بين قرى وبلدات رام الله، ورصد كيفية تجاوز الفلسطينيون لإجراءات الاحتلال التنكيلية بالمواطنين.
نشرة أخبار الطرق..
قبل الخروج من المنزل، يلجأ الشاب "أيوب" إلى مجموعات "الطُرق" عبر وسائل التواصل الاجتماعي (واتس آب وتيليغرام) للاطلاع على "أخبار الطرق والحواجز" العسكرية.
يسأل "أيوب" عن بوابات الاحتلال المنصوبة على مداخل العديد من القرى، والحواجز العسكرية الأخرى، ليحصل على "نشرة أخبار" تُفيد بإغلاق بعض الحواجز وأزمة على أخرى، وفي الثالثة يقول له ناشط شبابي إن جنود الاحتلال يُنكلوا بالمواطنين.
أما العبارة التي كان ينتظرها "أيوب"، فقد جاءته من ناشط آخر قال له إن حاجز "بيت سيرا" العسكري "سالك ونظيف". ووفق هذه "النشرة" انطلق "ضيف سند" للبدء بزيارات اجتماعية كان قد ألغى العديد منها بسبب إجراءات الاحتلال.
من جهته، قال مدير إحدى مجموعات الطرق (فضل عدم ذكر اسمه)، إنه لاحظ إقبالًا واسعًا من المواطنين على الاشتراك في هذه الخدمة؛ "والتي تُقدم مجانًا"، بغرض الاطلاع على أحوال الطرق ومواعيد إغلاق وفتح البوابات والحواجز العسكرية.
وأضاف في حديث لـ "وكالة سند للأنباء": "كل مواطن يمر عبر الحواجز العسكرية يقوم بتزويدنا بالأوضاع على تلك الحواجز". لافتًا النظر إلى أن تلك المجموعات "باتت مكانًا لتحذير المواطنين من اعتداءات المستوطنين أيضًا".
وأكمل: "نتبادل المعلومات حول أحوال الطرق والحواجز العسكرية ونقوم بإعداد نشرة تفصيلية، تُحدث عدة مرات في اليوم، وغرضنا التغلب على إجراءات الاحتلال التنكيلية بالمواطنين وخدمة المسافرين عبر الحواجز".
"عبء زمني" جديد..
الشاب أحمد ثابت، قال إن الطريق من مكان سكنه إلى مدينة رام الله كان قبل حواجز الاحتلال يستغرق 15- 25 دقيقة، لمسافة تُقدر بـ 23 كيلومترًا. منوهًا إلى أن الوصول لرام الله اليوم بات يستغرق 60 دقيقة (على الأقل) بسبب إغلاق الاحتلال لعدة حواجز عسكرية محيطة بقريته.
وأضاف "ثابت" في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "نسلك اليوم طرقًا طويلة للوصول إلى أماكن العمل والجامعات والمدارس في مدينة رام الله، ولا تخلو من حواجز عسكرية يُديرها عدد من جنود الاحتلال وفق أهواءهم".
وأردف: "نضطر أحيانًا للخروج من منازلنا قبل شروق الشمس للوصول مبكرًا إلى أماكن العمل والدراسة، وحتى نتجاوز إجراءات الاحتلال؛ التي يتعمد جنود الاحتلال تعقيدها والمماطلة بتنفيذها لأسباب أو دواع يختلقها الجندي الإسرائيلي على الحاجز".
هجرة الريف..
ولوحظ في العديد من القرى "هجرة" بعض المواطنين؛ لا سيما الموظفون وطلاب الجامعات والمدارس، من الريف إلى المدينة، للسكن قرب أماكن العمل أو الدراسة.
وانتشرت العديد من المقاطع المصورة والفيديو، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر معاناة كبيرة للفلسطينيين خلال تنقلهم في طرق وعرة والتفافية، بسبب إغلاق قوات الاحتلال للحواجز والبوابات العسكرية.
وأوضح سائق فلسطيني، تعليقًا على المقاطع المصورة: "نُعاني كثيرًا بسبب إجراءات ومُعيقات الاحتلال التي ينتهك من خلالها حق المواطن الفلسطيني بالتنقل بحرية وأمان".
وأكمل في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "أخرج من منزلي يوميًا بعد الفجر لكي يتمكن الطلاب والموظفون من الوصول إلى أماكن دراستهم وعملهم باكرًا، ومع ذلك نُواجه أحيانًا اعتداءات من المستوطنين تُعيق وصولنا".
وأردف: "لذلك نرى بعض الطلاب والموظفين قد لجأوا لاستئجار منازل في المدينة، بعيدًا عن القرى والريف، لكي يتجنبوا تلك المعيقات".
وفي هذا السياق، تشير مؤسسة "الاتحاد من أجل العدالة" إلى أن إغلاق هذه البوابات والحواجز حرم آلاف المواطنين من الوصول إلى أماكن عملهم، والمزارعين لأراضيهم.
مردفة: "كما حرم آلاف الطلاب والمدرسين من الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم، وحال دون وصول بعض المرضى إلى المشافي والمراكز الطبية".
ووفق أحدث المعطيات الصادرة عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن 898 بوابة وحاجزا بكافة أشكالها وتصنيفاتها، تقطع أوصال الضفة الغربية، بينها 224 حاجزا وبوابة جديدة تم نصبها وتغيير نمطها بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.