لا يكاد يمر يوم دون أن تنصب قوات الاحتلال الإسرائيلي بوابة حديدية على مدخل مدينة أو قرية فلسطينية في الضفة الغربية، حتى تحولت المدن والقرى إلى "معازل" تفصل بينها بوابات يتحكم جنود الاحتلال في فتحها وإغلاقها.
وبعد ساعات قليلة من بدء العدوان الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة الماضية، أحكمت قوات الاحتلال إغلاق معظم الحواجز والبوابات بكافة أشكالها، لتمنع المواطنين من التنقل والحركة، وتضعهم في سجن كبير، في محاولة لـ "فرض واقع عسكري جديد".
ووفق أحدث المعطيات الصادرة عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن 898 بوابة وحاجزا بكافة أشكالها وتصنيفاتها، تقطع أوصال الضفة الغربية، بينها 224 حاجزا وبوابة جديدة تم نصبها وتغيير نمطها بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال الوزير مؤيد شعبان، في تصريح سابق، إن هذه الحواجز تشكل "ذروة من ذروات الإرهاب الممارس بحق الشعب الفلسطيني المتمثل بالإغلاق والحرمان من الحق بالحركة والتنقل المكفولة في كافة القوانين الدولية".
وأضاف أن هذه الحواجز تنظر للفلسطيني صاحب الأرض بوصفه مادة قابلة للعقاب والاخضاع في أي لحظة توتر تمر فيها دولة الاحتلال.
وأكد شعبان أن هذه الحواجز تشكل "طبقة جديدة تضاف إلى طبقات الأبارتهايد والفصل العنصري المرعي من المؤسسة الرسمية" لدولة الاحتلال، من خلال إغلاق الطرق أمام الفلسطينيين أصحاب الأرض، وإبقاء الطرق ذاتها مشرعة أمام المستوطنين.
وحذر شعبان من "مخططات مبيتة" تترافق مع عمليات إغلاق الأراضي الفلسطينية في تسليط مليشيات المستوطنين بشكل متزامن لتنفيذ الاعتداءات ضد المواطنين وممتلكاتهم وأراضيهم، كما حدث في موجات الإغلاق الأخيرة التي استغلها المستوطنون لتنفيذ جرائمهم.
في خدمة المستوطنين
تحذيرات رئيس هيئة مقاومة الجدار تطابقت مع مخاوف المواطنين في بلدة دوما جنوب شرق نابلس التي لا تزال ذاكرتها تحفل بتجارب مريرة مع اعتداءات المستوطنين، وأبرزها محرقة عائلة دوابشة عام 2015.
وقبل أيام، نصبت قوات الاحتلال بوابة حديدية على المدخل الرئيسي لبلدة دوما، وأتبعت ذلك بإغلاق المدخل الشمالي لمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، فأحكمت بذلك سيطرتها على البلدة.
وقال رئيس مجلس قروي دوما سليمان دوابشة لـ"وكالة سند للأنباء" إن إغلاق مداخل البلدة يحولها إلى سجن، ويعزلها عن محيطها، ويشكل خطورة حقيقة على المواطنين بسبب التواجد المستمر للمستوطنين في أراضي البلدة.
وأوضح أن إغلاق الشارع الشمالي يعطي المستوطنين حرية الحركة في أراضي المواطنين، ويمنع المزارعين من الوصول لأراضيهم، ويشكل خطورة على المنازل القريبة.
عنصرية إسرائيلية
وتشير مؤسسة "الاتحاد من أجل العدالة" إلى أن إغلاق هذه البوابات والحواجز حرم آلاف المواطنين من الوصول إلى أماكن عملهم، والمزارعين لأراضيهم، كما حرم آلاف الطلاب والمدرسين من الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم، وحال دون وصول بعض المرضى إلى المشافي والمراكز الطبية.
وأضافت في تقرير لها: "أمام هذا التضييق الإسرائيلي على حركة المواطنين الفلسطينيين، نجد في المقابل أن المستوطن الإسرائيلي يتنقل بحرية كاملة في طرق خاصة به أقيمت فوق الأراضي الفلسطينية".
من جانبه رأى الباحث في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي، أن الاحتلال لجأ مؤخرا إلى البوابات كبديل لوضع السواتر الترابية، لكي يتمكن من خلالها من إغلاق القرى الفلسطينية بأي وقت يشاء، والسيطرة عليها والتحكم في حركة دخول وخروج المواطنين.
وفي حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أشار موقدي إلى وجود ما لا يقل عن 900 إغلاق تفصل بين التجمعات السكانية في الضفة الغربية، على شكل بوابات، وسواتر ترابية، ومكعبات اسمنتية، وأسيجة معدنية، وتنتشر على الطرق الرئيسية الرابطة، والطرق الفرعية، والطرق الزراعية.
البديل المفضل للاحتلال
ويعزو موقدي زيادة اعتماد جيش الاحتلال على البوابات إلى كونها أكثر جدوى بالنسبة له من السواتر الترابية، فالسواتر يمكن للمواطنين تسويتها بما يسمح للمركبات بالعبور فوقها، بينما لا يمكن ذلك بالبوابة.
كما يمكن إغلاق البوابة بسهولة وسرعة بواسطة أقفال، دون الحاجة إلى إحضار جرافة لتقوم بالمهمة.
وتابع أنّ الاحتلال استغل الحرب على إيران لزيادة الضغط على الفلسطينيين والحد من تحركاتهم ومنع أي رد فعل فلسطيني على الحرب، مؤكدا أن الهدف من الإغلاقات هو فرض السيطرة الأمنية على الضفة من خلال فصل التجمعات ومنع التنقل والحد من الحركة.
ويشير موقدي إلى أن الحواجز تستخدم كذلك لأغراض استيطانية، ويبين أن الكثير من الطرق خاصة الزراعية أغلقها المستوطنون وقوات الاحتلال بالحواجز منذ بداية الحرب على غزة، وباتت كل الأراضي الواقعة خلف هذه الحواجز تحت سيطرة البؤر الاستيطانية.
وتعتبر بلدة كفر الديك غرب سلفيت، والتي تملك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، مثالًا حيًا على ذلك، إذ أغلق المستوطنون والجيش الكثير من الطرق التي تربط البلدة بأراضيها الزراعية، واعتبروا كل المناطق الواقعة خلف الحواجز مناطق مغلقة على الفلسطينيين وتحت سيطرة المستوطنين، ومنعوا أي تواجد فلسطيني أو أي آلية زراعية فيها.
وبذلك، تحولت الحواجز إلى وسيلة لترسيم الاستيطان في بعض القرى وإعطاء المستوطنين الدافعية للوصول للمناطق المغلقة، وهذا ما تم رصده من خلال مهاجمة المستوطنين للأراضي الزراعية خاصة في موسم الزيتون، وتخريبها وإتلاف الأشجار.
ولفت إلى أن 14 ألف دونم من الأراضي الزراعية بالضفة لم يتم الوصول إليها خلال عامي 2024 و 2025 بسبب إغلاقها، واستباحتها من المستوطنين.
توظيف سياسي
بدوره، يرى المحلل محمد علان دراغمة أن تشديد إغلاق الحواجز، لا سيما بعد الحرب على إيران، إنما هو توظيف الحالة الأمنية لخدمة الأهداف السياسية للاحتلال في الضفة.
وقال دراغمة لـ"وكالة سند للأنباء" إنه مع بدء الهجوم على إيران، صدرت تعليمات للضباط الميدانيين بجيش الاحتلال بنقل نقاط الهجوم إلى داخل المدن والمخيمات في الضفة، بدعوى منع المقاومة من استغلال الوضع الأمني لتنفيذ عمليات تحت غطاء صفارات الإنذار.
وأشار إلى أن تقارير صحفية وبحثية إسرائيلية صدرت في الآونة الأخيرة احتوت على تهويل كبير، وتحدثت عن الضفة الغربية كتحد أمني كبير أمام المؤسسة العسكرية.
وأكد أن المستوى السياسي والأمني في دولة الاحتلال يريد خلق مبررات لمزيد من الإجراءات ضد الفلسطينيين، من أجل تطبيق الشعار الذي رفعه المستوطنون في شوارع الضفة بأن "لا مستقبل للحياة في فلسطين".
ونبه دراغمة إلى ان هذه الحواجز بدأت بالتزايد بعد الحرب على غزة، بلا داعي أمني، وإنما لدواع سياسية للتحضير لعمليات الضم وفرض السيادة الإسرائيلية في الضفة.
وأشار إلى ما تسرب من معلومات مؤخرا حول محادثات يجريها وزير الشؤون الاستراتيجية رون دريمر ورئيس مجلس المستوطنات إسرائيل غينيتس مع الإدارة الامريكية لضم 65% من مساحة الضفة، وتحويل ما تبقى من الضفة إلى 20 كنتون، بشرط أن لا تشكل هذه الكنتونات كيانا فلسطينيا موحدا.
وهذا يدل أن سياسة الحواجز والاقتحامات ما هي إلا تكامل ما بين خطة المستوطنين والاستيطان وخطة الجيش بتحويل الضفة إلى مجرد كنتونات، وتكريس ذلك كواقع في الميدان وفي ذهن الفلسطينيين.