الساعة 00:00 م
الخميس 18 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

مكتبة المعمداني من رُكن ثقافي إلى مقر إيواء للجرحى والمرضى!

حكاية مرابطة..

بالصور في حب المسجد الأقصى.. قلب مدلين نبعٌ لا يجف

حجم الخط
8810FBB3-AC27-4E4B-AE7E-4FDDCB38097E.jpeg
غزة/القدس/ ألاء المقيد – وكالة سند للأنباء

تحرص عند الحديث عن المكان الذي تُحبّه، أن تغرف جزءًا من إحساسٍ يتملّكها لا يمكن وصفه، فتجدها تستحضر كلمات الإنتماء، والمعاني الجميلة، لتروي حكايتها معه، فتقول على سبيل المثال؛ "مسجدي" "قبلة الرُوح" وأنا "حبيبة الأقصى".

إذا استمعت لحكاية المرابطة مدلين عيسى مع المسجد الأقصى المبارك وولائها له، ستعرف حتمًا أن البيوت ليست ما نسكنها بل ما تسكننا، وأنه كلّما حاولت الإرتواء منه ازدادت عطشًا وثباتا.

"مدلين" بنت مدينة كفر قاسم بأراضي الداخل الفلسطيني المحتل، كانت بعمر الـ 10 سنوات عندما رافقت جدتها لأول مرة للصلاة في المسجد الأقصى، تصف شعورها "كأننا في زيارة لمكة، فسُكان الداخل كانوا ممنوعين من التواجد بشكل دائم في الأقصى بسبب سياسة التشديد الإسرائيلية".

تقول لـ "وكالة سند للأنباء" إنها، اعتادت بعدها زيارة "الأقصى" مرّة كل أسبوع، وأحيانًا على فترات متباعدة، ثم فجأة انقطعت عنه، حتى الزيارة الأسبوعية حُرمت منها.

هذا الانقطاع، لم يُنسى "مدلين" الشعور الذي كان يسرق قلبها الطفولي في كل زيارة لـ "الأقصى"، فيجعلها كحمامة بيضاء تطير بخفّة فوق قبّة الصخرة، ثم تركض في باحاته بفرح لا تسعه الدنيا، "مين قدها" تقول عين جدتها التي ترقبها من بعيد، فهذا حلم يُرواد كل فلسطيني وشريف، ولا يناله إلا القليل.

تُواصل حديثها: "كبرت وبقيت هذه الذكريات تُحاصرني، لا يقّل الشوق فيّ، بل يكبر ويتسع كلّما رأيت صورةً للأقصى، أو سمعت صوت الآذان، ورأيت جَمعة فتيات يبدأن صباحهن من أمام القبّة، حتى مذاق أول قضمة لي من كعك القدس لازال في فمي".

D1CE6F47-BB6B-4E1C-A1BB-14F8D0FE8FBA.jpeg

في السنوات الماضية، نشطت حركة تنظيم الرحلات من بلدات الداخل المحتل إلى المسجد الأقصى من خلال حافلات تقّل المرابطين وترعاهم حتى عودتهم إلى منازلهم.

من هنا بدأت حكاية "مدلين" مع أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فعندما سمعت للمرة الأولى عن هذه الحافلات كانت بعمر الـ 19، ولم تُفكر مرتين بالأمر، توجهت مباشرة للقائمين على الحملة وسجلّت في الرحلة؛ كان ذلك في شهر رمضان المبارك.

في البدايات، عادت "حبيبة الأقصى" إليه بشعورٍ غريب، تبحث عن الطفلة التي زارته قبل سنين، عن جدتها، وطمأنينة المكان، عن تفاصيل غيّر الزمن والاحتلال ملامحها.

تُتابع: "كنت ألتزم مرافقة نساء البلد، خوفًا من الضياع، كوني لا أعرف المكان، لكنّ ما لايمكن نسيانه، هو خفقة قلبي وخفته، كلما كنت أذهب إليه".

بعد زيارات متتالية، أصبحت "مدلين" تجد ترحيبًا دافئا، من الأشياء والأماكن وحتى من حمام القدس، كان ذلك يُعلقها أكثر بفكرة الرباط، لكن ما الذي قلب المعادلة فعليًا؟

يبتسم صوتها وهي تستذكر عرضًا قدمه لها الشيخ صاحب الحافلة "مدلين في الأقصى مساطب علم، لتدريس الشريعة الإسلامية، هل تودين الالتحاق بها؟".

شرد ذهنها آنذاك للحظات، وصوت داخلها يُخبرها "بدلًا من زيارة الأقصى مرتين أسبوعيًا، ستضمن لك مساطب العلم، زيارته يوميًا، كم حظك سعيد" تقول فأجبته باندفاع: "بالتأكيد موافقة يا عمي".

في عام 2014، شهد المسجد الأقصى اقتحامات غير مسبوقة من الاحتلال ومستوطنيه، واعتداءات على المصلين والمرابطين فيه، تُشير "مدلين" أن هذا المشهد كان في زيارتها الأولى لـ "الأقصى" كمرابطة.

حينها حاول جنود الاحتلال اعتقالها، بينما هي تقف مذهولة "ما الذي يحدث؟" فهذه المرة الأولى التي ترى "الأقصى" بهذا الشكل وهذا الحُزن.

حاولت عند عودتها للبيت مساءً، أن تفهم مجريات ما حدث، مستعينة بمحرك البحث جوجل، فأخذت تسأل عن مفاهيم سمعتها مثل "اقتحامات الأقصى، مستوطنون، اعتداءات وغيرها".

تُوضح أن هذه الأمور لا يتم التطرق لها في مناهج الدراسة في الداخل المحتل؛ لذا فضلّت البحث بنفسها، لتعرف أنها انتهاكات شبه يومية تطال المرابطين، وكل من يُكبر أو يقف في وجه المستوطنين دافعًا عن هوية القدس.

ترد بنبرة قويّة على سؤال "ألم يدفعك ما رأيته للتراجع عن فكرة الرباط؟" "على العكس تمامًا، بل ذلك منحني ثباتًا وقوة، وانتظار شروق صباح اليوم التالي لأذهب على الرباط".

504050B8-D805-4521-92B6-6110CEC44132.jpeg

من ذلك الحين، عملت "مدلين" على إيجاد مكان جيد لقضيّة القدس ومسجدها، في قلوب ووعي أهالي الداخل المحتل، عبر تنظيم رحلات يومية إلى "الأقصى" سيما بعد اعتقال غالبية المرابطين والمرابطات، وتهديد أصحاب الحافلات بـ "مخالفات" تُكبدهم غرامات مالية وسجن، في أواخر عام 2014.

تشرح عن هذه الفكرة: "بدأت أُشجع على فكرة شد الرحال للأقصى، وأقدم معلومات للأهالي عن القضيّة، ونظمت مبادرة فردية لزيارته، لكن في البداية، كان التفاعل ضئيلًا فعدد المشاركين فقط 9 أشخاص".

وحرصت على فكرة الرباط وتكثيف تواجد المسلمين في "الأقصى" خلال فترة الأعياد اليهودية التي استمرت لأسبوع آنذاك، كما جاء في حديثها فقد "نجحت في تحقيق ما خططت له؛ ولم تخسر الرباط".

كانت مبادرتها الفردية تُغطي 3 بلدات من الداخل المحتل، لكن فيما بعد، عملت كمديرة لمشروع "قوافل الأقصى" فأصبحت تستهدف أكثر من 30 بلدة بإشراف الحركة الإسلامية.

وتُشير، إلى أن المشروع نظّم نحو 4000 حافلة خلال عام 2019، في زيادة مُبشرة مقارنة بـ "400" حافلة أواخر عام 2015.

وفضلًا عن فكرة الرباط في "الأقصى"، فإن المشروع يهدف لإعمار البلدة القديمة، وأسواقها ودعم اقتصاد المقدسين.

"طلائع الأقصى"

في عام 2015، صادف "مدلين" خلال رحلة رباطها، مخيمات لأطفال القدس داخل "الأقصى" تقول إن المشهد أبكاها فرحًا، كما حرّك فيها "مشاعر الغيرة، لماذا لا يتربى أطفال الداخل على حُب الأقصى؟".

هذا الشعور، دفعها مباشرة للإعلان عن مخيّم يستهدف أطفال الداخل المحتل، لتعليمهم على قضيّة القدس وحُب "الأقصى" يحمل عنوان "طلائع الأقصى"، استمر لـ 5 أعوام بمشاركة نحو 100 طفل سنويًا، لكنّ تعذر تنظيمه هذا العام بسبب ظروف جائحة كورونا.

لكل حُب ثمن ..

مبادرات "مدلين" وإصرارها على توعية سكان الداخل بقضيّة القدس والمخاطر التي تحدق بها من كل جانب، لم تلقى صمتًا من الاحتلال بالتأكيد، إذ قرر التنكيل بها ومحاولة اعتقالها أكثر من مرّة وإبعادها، لكنّها سعت ألا يتحقق ذلك بسهولة، وبقيت ثابتة متخفية، ومرابطة على الأبواب بعد منع دخول "الأقصى".

بعد محاولات فاشلة، نصب الاحتلال كمينًا لها، تعرضت على إثره للاعتقال بطريقة وحشية من باب السلسة (أحد أبواب الأقصى)، وواجهت خلال وجودها بالزنازين، مخاوف عدّة، كُلها كانت تصبّ في كيفية الحفاظ على ديمومة رباط أهل الداخل.

تحكي عن ذلك: "بكيت بشدّة، سألت الله الثبات، توهمت أن يكون مشهد اعتقالي الوحشي، رادع لأهل البلد يمنعهم من العودة للأقصى، عدا عن خوفي من أحاديثهم، كون الاعتقالات عندنا تتم على نحو مختلف عما هو في القدس والضفة الغربية".

وبعد ليلة من تمديد اعتقال "مدلين"، تفاجئت بقرار إفراجٍ، فظنّت أن يكون كمينًا آخر ينتظرها، لكنّ الحقيقة أن سُكان بلدتها نظموا حملة احتجاجية واسعة وضاغطة أجبرت شرطة الاحتلال على هذا القرار.

بتهكم تزيد: "عند الإفراج عني، طلب مني الشرطي السفر والتمتع بحياتي، وأترك الأقصى جانبًا حتى لا يتكرر مشهد اعتقالي والتنكيل بي، وهو لا يدري أننّا وأعمارنا وأرواحنا فداءً للأقصى".

جراء ذلك، توالت الضغوطات على "مدلين"، فتعرضت لسلسلة اعتقالات واقتحامات لمنزل عائلتها، وقرارات متتالية بالإبعاد عن "الأقصى".

تسربت بحّة الحزن إلى صوتٍ "مدلين" أثناء حديثها عن سلسلة الإبعادات التي تعرضت لها، وكان آخرها أواخر 2019، وامتد لعام كاملٍ، وانتهى قبل نحو أسبوعين: "ما يُوجعني هو البُعد عن الأقصى، هل تُصدقين أحيانًا وأكون داخله أحدق في معالمه مرة واثنين، متسائلةً هل حقًا أنا هنا!، فأبكي، فكيف عند الإبعاد؟"

"من صغري اعتدت على تحويل وجعي لعمل" تقول ذلك "مدلين"، فخلال فترة إبعادها، كانت تصطحب أبناء إخوانها إلى تلّة خان الزيتون، وسوق خان الزيت لرؤية "الأقصى" ولو من بعيد، المهم أن يبقى حاضرًا في أذهانهم.

اللافت أن أغلب الفيديوهات المصوّرة لـ "مدلين" رصدت الحضور الدائم أحفاد عائلتها في رحلة رباطها، لم يكن ذلك محض صدفة، فهي تسعى عبر الألعاب والقصص والزيارات، تثبيت هذا الحب في قلوبهم.

تستطرد: "الزرع يُؤتي ثماره بعد سنوات، شيئاً فشيئاً هم يجدون أنفسهم مشدودين نحو الأقصى والولاء له، تمامًا كما حدث معي، وهذا أعظم ما يُمكن تقدميه للأجيال القادمة".

A6745023-44C8-4987-ADAA-6049B345E4CF.jpeg

إحساس غريب جميل يُنعشها كلّما عادت إلى المسجد الأقصى بعد أشهرٍ من الإبعاد، تُعرجّ عليه في ختام حوارنا: "الدقائق التي تسبق دخولي المسجد بعد البُعد، يُمكن قياسها في الشعور بأيام، فلا يطمئن قلبي وتهدأ رجفته إلا عندما تطأ قدمي أول خطوة داخله، فأخِرُّ ساجدة أبكي من الفرح".

3C7B34C3-3659-448E-80DC-AE7D312B7615.jpeg