توقفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتوقفت آلات الاحتلال عن قصف المباني والمصانع وبيوت الآمنين والمدنيين، لتبدأ حرباً أخرى وخطيرة في اكتشاف آثار هذه الحرب على البيئة والإنسان، الأمر الذي ينذر بمخاطر كبيرة على المواطنين.
آلاف الأطنان من الصواريخ والقنابل والمتفجرات، التي تحتوي على العديد من المواد السامة والعناصر الثقيلة الخطرة والمسرطنة، وغيرها من المواد المعقدة كيميائيا والمحرمة دولياً ألقيت تجاه القطاع البيئي في غزة المنهك أصلاً منذ سنوات.
وعلى الدوام كانت البيئة في الحروب هي الحلقة الأضعف والمستهدف المباشر، والضحية الأكثر خسارة بين باقي الضحايا، لتضاف إلى قائمة المستهدفين الأبرياء في غزة جراء العدوان الغاشم.
كارثة بيئية وشيكة
وأكد رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية في غزة، أحمد حلس، أن العدوان الإسرائيلي ترك دماراً هائلاً سنعاني منه لعدة سنوات، وسنحتاج لجهود جبارة لترميم وإزالة هذه الآثار، حيث يعتبر القطاع منطقة مكتظة بموارد شحيحة في ظل الحصار الذي يمنع دخول الموارد التي تعيق تنفيذ المشاريع.
وأوضح حلس، في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أن الأراضي الزراعية التي تعرضت للقصف لم تنجح فيها أي أنواع من المحاصيل، حيث تتعرض لعملية فيزيائية كيميائية تقلب التربة الحية التي تصلح زراعتها أو تقوم بحرقها برفع درجة حرارتها، إضافة إلى استهداف مصانع للمواد الكيميائية في القطاع، ونتج عن ذلك مواد شديدة السمية.
وأشار حلس، إلى أن السحب الدخانية الهائلة الناتجة عن القصف تشكل خطورة كبيرة، نتيجة ما تحمله من مواد سامة ودرجات حرارة عالية على الغلاف الجوي.
من جانبه، قال وكيل وزارة الزراعة إبراهيم القدرة، في تصريحات خاصة لـ"وكالة سند للأنباء"، إن الاحتلال أعدم قرابة 250- 300 دونم من الزراعة، بعد استهدافها بشكل مباشر بالصواريخ، وما تحمله من مواد تؤدي إلى انعدام العملية الزراعية فيها لسنوات عديدة.
وأوضح أن الاحتلال استهدف بشكل مباشر البنية التحتية والقطاع الزراعي بشكل رأسي وأفقي، "فقد دمر شبكات الري والآبار والخزانات العلوية والمزروعات بجميع أصنافها".
وأكدّ القدرة، أن 25 ألف دونم زراعي في المناطق الشرقية قد تم استهدافها واستباحتها من القصف الإسرائيلي.
من جانبه، حذر حلس، على وجه الخصوص من كارثة بيئية خطيرة، جراء قصف وتدمير وإحراق مخازن شركات "خضير للمواد الكيميائية والمستلزمات الزراعية" في بيت لاهيا شمال القطاع أثناء العدوان على غزة، والتي تقدر مساحتها بـ6 دونمات وسط مربع سكني.
وقال "الخطر كبير جدا هناك، والتلوث حتمي مؤكد في المنطقة، الروائح النفاذة والشديدة في كل مكان، الهواء شديد التلوث، والتربة المحيطة ومنازل السكان في كافة الأرجاء القريبة من مكان القصف حتما ملوثة بهبوط تلك الملوثات بفعل الجاذبية والرياح".
وأكد حلس، أن هناك حالات اختناق حصلت وتحصل وطفح والتهابات جلدية لدى عدد من السكان في المنطقة، ومشكلات صحية أخرى مرتبطة بالتلوث.
ولفت حلس، إلى أن إجمالي حالات السرطان في قطاع بلغت 16 ألف حالة، وشهرياً يتم تسجيل 100 حالة جديدة.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على القطاع، عن تدمير 15 مصنعاً في المنطقة الصناعية في قطاع غزة.
وتشير التقارير السنوية الأخيرة لوزارة الصحة الفلسطينية، إلى أن امراض السرطان على سبيل المثال تشكل السبب الثاني للوفاة في فلسطين، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة،.
وتزداد نسبة هذه الأمراض في كل عام بشكل واضح ومزعج، ومن الواضح أن هناك عوامل بيئية خارجية تدخل على النظام البيئي الفلسطيني، يمكن أنها تساهم في هذا الازدياد، سواء كانت هذه العوامل ملوثات كيميائية أو غيرها، وسواء جاءت نتيجة الاستخدام الزراعي او الصناعي، أو ربما بفعل عوامل أخرى، منها الحروب الأخيرة على قطاع غزة.
مستنقع ميكروبات
وبين حلس، أن وجود آلاف المنازل والمباني والمنشآت المدمرة في كل مكان بين السكان في القطاع حاليا يعني توفير ظروف مناسبة لتفاقم أزمة انتشار الحشرات والميكروبات في القطاع، الذي سيتحول إلى مستنقع كبير لنمو وتكاثر عدد هائل من مسببات وناقلات الأمراض خلال وقت قصير.
وأوضح، أن هذه المباني المدمرة والركام سيساعد العديد من الحشرات والميكروبات والحيوانات الضالة والقوارض والجرذان ستجد لها ملاذات ومواطن وبيئات مناسبة للغذاء والنمو والتكاثر ولتبني أعشاشها ومساكنها تحت ذلك الركام.
ولفت إلى تدمير طائرات الاحتلال آلاف الأمتار الطولية من خطوط وشبكات وتوصيلات التزود بمياه الشرب لكافة الأحياء السكنية المكتظة، واستهداف محطات تحلية مياه الشرب.
وأكد أن تدمير شبكات المياه العادمة بشكل مباشر وهائل يعني تسرب ملايين الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى التربة وإلى الخزان الجوفي المصدر شبه الوحيد للمياه في قطاع غزة.
وأشار حلس إلى تدفق أكثر من 125 ألف متر مكعب من الصرف الصحي إلى ساحل البحر، إما معالجة جزئيا أو غير معالجة، نتيجة مشكلة الكهرباء، وعدم تمكن المضخات في المحطات والمنشآت المالية من العمل.
محاولات لحصر الأضرار البيئية
وكشف عن قيام المعهد الوطني بمشاركة مؤسسات أخرى، بتنفيذ دراسة تقييم أثر بيئي، وحصر الأضرار البيئية على مستوى القطاع رغم افتقادهم للمواد التكنولوجية المتقدمة، التي يمكن من خلالها فحص الكثير من أنواع المركبات الكيماوية.
وتطرّق حلس إلى توجيه سلطة جودة البيئة رسالة إلى الأمم المتحدة وإلى برنامج البيئة العالمي بعد عدوان 2014، طالبت بموجبها بإرسال بعثة تقصي الحقائق البيئية بأجهزة ومعدات وخبراء لكشف حجم التلوث الذي قد يذهب أو يختفي لعدة أيام.
وأوضح أن هذه الجهات ردت بأنها سوف ترسل فريقا خلال أيام، إلا أن الاحتلال منع دخوله، ما يثير علامات استفهام حول الاسلحة التي تستخدمها حكومة الاحتلال ضد القطاع.
الاحتلال تعمد تدمير النظام البيئي
من جانبه، أكد مدير مركز "الميزان" لحقوق الإنسان عصام يونس، أن جيش الاحتلال يتعمد إصابة النظام البيئي لقطاع غزة بالخلل، ما يهدد حياة سكانه بالخطر.
وقال يونس "على الرغم من الواقع البيئي الخطير في ظل الحصار، يتعمد الجيش الإسرائيلي إصابة النظام البيئي بخلل ستكون له آثار سلبية على الحقوق الصحية وغيرها من الحقوق لأكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة".
وأوضح، أن قوات الاحتلال دمرت مضخات مياه الصرف الصحي، وأحدثت أضرار في محطات المعالجة المركزية المخصصة لمعالجة المياه العادمة، مما دفع بالجهات المختصة إلى ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى البحر لترتفع نسبة التلوث وتهدد حياة المواطنين والحياة البحرية".
ولفت يونس، إلى أن القصف أدى لتدمير واسع في آبار وشبكات مياه الشرب وخطوط النقل الرئيسية، مما فاقم من أزمة الحصول على كميات كافية ومأمونة من مياه الشرب.
وأشار البيان إلى أن "العدوان الأخير على غزة تسبب في عجز شديد في الطاقة الكهربائية جراء الاستهداف المباشر للمحولات وشبكات توصيل الكهرباء الأرضية والهوائية، وتوقف مولدين من أصل ثلاثة كانت تعمل قبل العدوان، ونجم عن ذلك ارباك وعرقلة في عمل المرافق الخدماتية التابعة للبلديات والمخصصة للحفاظ على البيئة".
ودعا المركز المجتمع الدولي إلى "ضرورة التحرك من أجل حماية المدنيين وممتلكاتهم وخاصة المرافق والخدماتية والضغط على إسرائيل لتحمل مسؤوليتها بضمان تحسن الخدمات.
كما دعا يونس المانحين إلى تخصيص الأموال اللازمة لدعم البلديات كي تتمكن من تنفيذ أنشطتها الضرورية والحيوية.
وطالب المركز بإرسال بعثة من الخبراء والمختصين الدوليين من أجل معرفة وتحليل بقايا الأسلحة والصواريخ والقنابل التي استخدمت خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، ومعرفة آثارها على صحة الإنسان وعلى مكونات البيئة خاصة التربة والمياه.
وأسفر العدوان الإسرائيلي عن تدمير أكثر من 5000 وحدة سكنية في قطاع غزة، تعرضت لأضرار متوسطة وطفيفة، وتدمير أكثر من 1000 وحدة سكنية بشكل كلي.
كما تعرض ما يزيد عن 100 برجاً ومبنى سكني للقصف والهدم الكلي جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع.