الساعة 00:00 م
الخميس 25 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.33 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.78 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

"الوضع القائم" في الأقصى.. تغييرات إسرائيلية بطيئة ومستقبل خطير

بالصور على حافة الموت.. يسيرون

حجم الخط
عائلة-فلسطينية-تُباد-بالكامل-في-غزة-1.jpg
غزة – آصال أبو طاقية - وكالة سند للأنباء

على حافة الموت، تتسابق أرواحهم وأجسادهم لاقتناص أي أمل قد يمنحه الوقت لنجاة البعض، يحفرون بأظفارهم الحجارة والركام، ويصمون آذانهم عن صوت النيران التي تسقط عليهم من السماء، يرتلون دعاء الضآلة علهم يجدونها من بين كل ذاك الركام.

رجال الدفاع المدني، وبإمكانيات شبه معدومة، يجاهدون الطغيان المتتالي على غزة، والحمم التي تحرقها في كل مرة، بثباتٍ الصابرين، يحملون أرواحهم على أكفّهم، يستودعون أنفسهم عند خالقهم، ويمضون في طريق الشوك والموت محتسبين كل ضيم ووجع وألم، في سبيل وطنهم.

تضع الحرب أوزارها، لكنها تأخذ معها الكثير من التفاصيل، "وكالة سند للأنباء"، حاولت أن تطرق بعض قلوب رجال الدفاع المدني، وتعيش معهم بعض اللحظات التي عايشوها وتركت من بعدها في أرواحهم أثراً كبيراً.

عائلة-فلسطينية-تُباد-بالكامل-في-غزة-1.jpg
 

قطعة من القلب

المنقذ علي حوّاس كان مع رفاقه في جهاز الدفاع المدني، على أهبة الاستعداد، يتوجه لكل مكانٍ يتم قصفه من الاحتلال، لتقديم الخدمة اللازمة من إطفاء وإنقاذ وانتشال وإسعاف، رغم المخاطر الكثيرة التي تحيط بهم في كل لحظة.

كلُ فرد في هذه البقعة هو بمنزلة قطعة من قلوب هؤلاء الطواقم، يُسارعون إلى واجبهم الوطني في الحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم، حتى في ظل قصفٍ عشوائي قد يطال أرواحهم.

ويروي حوّاس بعض ما عايشه خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، حين تلقى ورفاقه خبراً برحيل زميلهم، ليترك ألماً دائماً في القلب، إلا أنّ ذلك لم يمنعهم من مواصلة عملهم بالهمة نفسها، يحتسبونه وأنفسهم عند خالقهم، ويمضون في الطريق ذاته.

thumbs_b_c_5acac7863489e3c95802f92678be6294.jpg
 

وأصيب حوّاس خلال العدوان على غزة 2014، وارتقي زميله إبراهيم السحباني آنذاك خلال عملهم في حي الشجاعية، حيث مكثا جانباً إلى جنب، حتى كُتب لحوّاس الخروج من وسط القصف العنيف، وكتب لرفيقه الرحيل، لتتوالى الحروب، ويستكملون الدرب.

ويقول حوّاس لـ"وكالة سند للأنباء"، إن الجميع يُشاهد صعوبة وصول طواقم الدفاع المدني لأماكن القصف، لأن المخاطر تكون كبيرة جداً من تكرار القصف مرة أخرى، لذلك يحاولون قدر الإمكان الاهتمام بسلامة الطواقم، كونه مدربا بشكل كبير جداً ومحترفا، وخسارة أحد الأفراد يعني فقد كبير، لأنه لا يمكن تعويضه بالمتطوعين آنذاك.

201134525_322425562815263_3649271563749366636_n.jpg
 

لا وقتٌ للانتهاء

حصارٌ مستمر لـ 15 عاماً على قطاع غزة، تسبب بضعفٍ كبير في إمكانيات جهاز الدفاع المدني، من وجود سيارات مهترئة بالكاد يمكن العمل بها، ومعدات ضعيفة تعرقل من سرعة العمل في إنقاذ الأرواح.

عملٌ متواصل، لا يرتبط بوقتٍ ما، فلا يبدأ وينتهي بانتهاء ساعة محددة، مستمرٌ في كل لحظة وحين، يشتد مع كل عدوان إسرائيلي أو حدث كبير، وفي بعض الأحيان قد تستمر لأيام، كما حدث بعد قصف شارع الوحدة في قطاع غزة بالعدوان الأخير، وكذلك إطفاء الحرائق وغيرها من الأحداث.

20210513_2_48274916_65138027.jpg
 

ويروي حوّاس بعض المواقف التي عايشها خلال العدوان والتعب المضني وقتها: "في حادثة حريق مصنع "بيدكو" كانت الطواقم تنهي عملها وتخرج بسرعة، فيتكرر القصف مرة أخرى وتشتعل النيران من جديد ويعود عمل الإطفاء من جديد، ما أدى لإضعاف قدرة الطواقم بتقديم الخدمة بالأحياء السكنية".

ويضيف: "بعد قصف شارع الوحدة رأينا حجم الدمار الكبير والذي كان أكبر من إمكانيات جهاز الدفاع المدني، فكان الحفر بالأيدي والأظافر والمعدات البدائية جداً، كالشاكوش والمهدّة والكنجو لإخراج المصابين والشهداء، عدا عن أن كل ذلك يكون في ظل وجود حالة صراع مع الوقت والزمن".

وجعٌ خالد

وحول بعض المواقف التي لا زالت عالقة في ذهن حوّاس، يذكر إحدى الإصابات من عائلة كولك بشارع الوحدة، حينما كانوا يبحثون عن أحياء وعثروا على فتاة حيّة تحت الأنقاض، كانت ترجو من الطواقم إخراجها، وقرر زميل لنا إخراجه مهما كلفه ذلك من ثمن، فأمضى ساعات متواصلة وهو منهمك جداً حتى تمكن من إخراجها، وحين خرجت كان التعب قد التهم جسده لكنه لم يقبل أن يرتاح أو أن يذهب لتلقى العلاج.

تنتهي الحرب لكن المشاهد تُخزن في أذهان طواقم الدفاع المدني، ليصف حواس بعض ما شاهده: "تخيل أن تسير بين بيوت مقصوفة على ساكنيها، وبين الركام تجد رؤوس وأقدام مقطعة، وأناس فارقوا الحياة، معالم اختفت، وأطفال تمزقت أجسادهم بعد أن كانت ضحكاتهم تملأ المكان.

ومع كل صاروخ يسقط على غزة، مشاعر الخوف تتصدر عقل طواقم الدفاع المدني، فيخرجون للإطفاء والإنقاذ ويشاهدون الإصابات والشهداء، وتعج عقولها بالتفكير بمصير عائلاتهم، والتي قد تكون هم الضحايا في كل مرة، كما حصل مع المنقذ حسن العطار حين تلقى خلال عمله خبراً باستشهاد ابنته وأطفالها الثلاثة، ليذهب مسرعاً إلى وداعها.

مهام الدفاع المدني (12).jpeg
 

روح التضحية

وكما عاش حوّاس تفاصيل الحرب، عاشها زملاء آخرون، منهم المُسعف والمنقذ محمود صيام والذي لم يتوانَ لحظةً في الحرب عن الركض بين بيوت المكلومين، وقد فقد رفيقاً كان يسابق خطواته في الميدان حيث لم يسعفه عمله من النجاة، ليلتحق بركب الشهداء من أبناء شعبه الذين لم يستطع إسعافهم، وأصيب عدداً منهم بجراح مختلفة، فيما لم يتبقى أحداً منهم لم يُصب بالألم.

ويوضح صيام لـ "وكالة سند للأنباء"، أن الدافع الإنساني والوطني داخل أفراد الدفاع المدني وروح التضحية لديهم هو الزاد الذي يمكنهم للاستمرار في هذا العمل، في سبيل الحفاظ على المواطنين والممتلكات.

ولا تقتصر المخاطر في الحروب على قصف الاحتلال لهم واستهدافهم بشكل مباشر، فقد يُفقد أحدهم روحه بانهيار مبنى ما خلال الإنقاذ، أو بنشوب حريق في منزل ما، أو بسبب تماس كهربائي، أو بوجود بعض المواد الكيمائية الخطرة في بعض المصانع.

96a472cdc190987a96eeb9f3588c3d65-780x470.jpg

 

حالة طوارئ دائماً

مواقفٌ مريرة وكثيرة قد تُخلد في الذاكرة، يروى أحدها صيام: "كنا نتواصل مع أحد الموجودين تحت الأنقاض، وكان يتحدث مع أقاربه ويطلب ويستغيث من أجل إخراجه، وبسبب تراكم الأسطح والخرسانة من فوقه، والتي أخذت منا الكثير من الوقت، فقدناه ولم نستطع إخراجه إلا بعد مدة من الوقت ووجدناه ميتاً".

ويعتبر العمل في الدفاع المدني كحالة طوارئ قصوى دائما، والمواقف الصعبة التي يتم التعرض لها كثيرة، وقد تؤثر على نفسية رجل الدفاع المدني بعد فترة من العمل، وهناك الكثير الكثير من المواقف التي يقشعر لها الأبدان كما يقول صيام.

ويضيف: "عملنا في الدفاع المدني يجعل حالتنا النفسية دائماً في حالة من عدم الاستقرار، وحين انتهاء الحرب نبدأ نسترجع ونتذكر المواقف والمناظر البشعة التي نراها ونقوم بإخلاء المصابين والجثث المشوهة تلاحقنا".

وبالرغم من كل ما يعايشه أفراد طواقم الدفاع المدني، إلا أنهم في كل مرة يختمون حديثهم، بالتأكيد على أنهم سيستمرون في عملهم رغم كل ما يكلفهم من تضحيات، وأن هذه طريقهم التي اختاروها للدفاع عن أبناء شعبهم ووطنهم.

thumbs_b_c_5acac7863489e3c95802f92678be6294.jpg
201173406_1655918101417222_4433140443004171103_n.jpg
200394483_552444155936450_4157110800814208397_n.jpg
201891489_945893036186237_5823845841334341570_n.jpg