منذ القِدم، اقترن اسم فلسطين بصناعاتٍ عدة جعل لها حضورًا مهمًا في الأسواق المحلية والعالمية، منها صناعة الحجر وزخرفته أو ما يُعرف بـ "النفط الأبيض"، ومع مرور الزمن وما شهده هذا القطاع من تغيرات تطويرية في وسائل الإنتاج وحجمه ومستخدموه، أصبح واحد من أهم الروافد الاقتصادية المحلية، التي ساهمت في توفير فرص عمل للآلاف.
ففي البلدات التي يتواجد فيها المحاجر "مقالع الحجر" تعلو يوميًا أصوات الضجيج وحركة الشاحنات والآليات، بحثًا عن أنواع نادرة من الصخورة بما يضمن لأصحابها مردودًا اقتصاديًا مجديًا.
ويتميز الحجر الفلسطيني بطبقاته المتتالية الصلبة وألوانه الجذابة ممتدا على جغرافية الشمال والوسط والجنوب في ساحات الضفة الغربية وأشهرها؛ جماعين وبيت فجار وقباطية وبني نعيم والشيوخ وعصيرة القبلية وغيرها.
يقول مدير مكتب اتحاد الحجر والرخام الفلسطيني مالك جبر إن مساهمة هذا القطاع في الناتج القومي الفلسطيني تبلغ نحو 5%، ويشغّل حوالي 30 ألفًا من الأيدي العاملة.
وأشار "جبر" لـ "وكالة سند للأنباء" إلى أن 800 شركة معتمدة في "الاتحاد" تعمل في مجال الحجر والرخام، ما يعني أهمية هذا القطاع وحضوره.
وتسجل نسبة المبيعات السنوية من "النفط الأبيض" حوالي ٦٠٠ مليون دولار، بينما تعتمد ٨٥٪ من الأدوات والمعدات على القدرات شبه الأتوماتيكية وفق ما نشرته هيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية.
ويتم تصدير ما نسبته 65% من إنتاج هذا القطاع إلى السوق الإسرائيلية، وما يتبقى يعرض للبيع في الضفة الغربية.
ويُؤكد "جبر" أن هناك شركات فلسطينية رائدة تمكنت من اختراق الأسواق العالمية في الساحات الأمريكية والأوروبية، نظرًا لتميّز الحجر الذي تصنعه هذه الشركات، ما جعله شبيه بالمتدوال عالميًا من حيث اللون والخصائص.
فلسطين الـ12 عالميًا..
ووفقًا لبيانات مركز الحجر والرخام الفلسطيني التابع لجامعة بوليتكنك فلسطين في الخليل، فإن فلسطين تحتل المركز الثاني عشر عالميًا في صناعات الحجر والرخام.
عبد الرحمن عثمان صاحب منشأة أحجار من بلدة جماعين جنوب غرب نابلس، يقول، إن حجم الإهدار في هذا القطاع توقف مع مرور السنوات، فحاليًا يُستفاد من كل شيء تُخرجه الأرض سواءً كان حجر بناء، منتجات الكسارات، ومخلفات أخرى لرصف الشوارع الحديثة، ومصانع صناعة الإسفلت الأسود.
ويصف "عثمان" لـ "وكالة سند للأنباء" العاملين في هذا القطاع بـ "مجتمع الحجارة" مردفًا: " يعملون لساعات طويلة وتعتمد تفاصيل حياتهم واقتصادهم اليومي على الحجر الذي توفر منه مخزون استراتيجي في طبقات من الصخر يصل عددها إلى ١٥ طبقة غنية ومميزة من الصخر".
جدوى لافتة..
أمين الصندوق في اتحاد صناعات الحجر، عبد القادر عيسى، يُوضح في حديث مع "وكالة سند للأنباء" أن مزايا الحجر الفلسطيني جعل له جدوى اقتصادية كبيرة، دفعت بعض أصحاب البيوت في ريف نابلس لهدم بيوتهم واستخدام الأرض لإنتاج الحجر أو تأجيرها وبيعها.
ويُشير "عيسى" إلى أن سعر بيع الدونم الواحد يتجاوز الـ ١٥٠ ألف دينار وهو ما جعل قطاع الحجر يسجل ما نسبته ٢٥٪ من الصادرات الفلسطينية.
في بلدة جماعين، اعتاد السكان أصوات الضجيج الناجمة عن الشاحنات والجرافات التي تعمل لساعات طويلة في مجال تصنيع الحجارة بمراحلها المختلفة، يقول رئيس البلدية فيها عبد الرحمن حمدان: "إن العمل في البلدة على قدمٍ وساق لاستخراج النفط الأبيض والاستفادة منه اقتصاديًا".
ويُضيف "حمدان" لـ "وكالة سند للأنباء" أن بلدة جماعين تُصنف بـ "مدينة النفط الأبيض" فهي محاطة بكميات كبيرة من الصخور المميزة والملونة ذات المواصفات العالمية، والتي تُستخدم في مجالاتٍ متعددة.
ونبّه رئيس البلدية أنه يسبق أي عملية استخراج أو تجريف للأراضي، تقديم إثبات لـ "تراخيص البناء" والمخطط المتبع للتجريف تحت الأرض، بما يضمن سير العمل بشكلٍ منظم ومجدى اقتصاديًا لأصحابه.
استغناء عن أسواق الاحتلال
الطلب الكبير في الأسواق على الحجر المستخرج من بلدة جماعين، أدى لارتفاع أسعار تأجير الأراضي إذ يصل سعر إيجار الدونم الواحد لسبع سنوات، 120 ألف دينار، بحسب ما أورده عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الحجر جهاد خضير لـ "وكالة سند للأنباء".
ويرى "خضير" أن العمل في قطاع الحجر في بلدة جماعين، دفع الفلسطينيون، إلى الاستغناء عن العمل في ورشات البناء والمصانع والزراعات الإسرائيلية بنسبة تجاوزت ٨٥٪ من الأيدي العاملة بمقابل مادي مجزي أقلّه خمسة آلاف شيقل.
سيف ذو حدين..
رغم ما سبق من فوائد اقتصادية وحضور فلسطيني لافت في هذا القطّاع، أن عبد الرحمن عثمان، يقول إن "الأضرار البيئية وغيرها تشكل مخاطر جدية على البيئة والإنسان والمزروعات من حيث الغبار واقتلاع الأشجار، وتعرضها لأمراض إضافة للأمراض التنفسية والضغط الناجم عن الضجيج والأصوات".
أما جهاد خضير، يتحدث عن أبعاد سلبية لاستخدام المقالع وصناعة الحجر، منها تخريب الجغرافيا بسبب أعمال التجريف والطمر المرافقة للعمل، ناهيك عن أمراض الربو والتنفس لكثير من الناس، مستطردًا: "الحياة لا حلاوة دون مرارة فيها، وغالبًا لقمة العيش تكون محفوفة بالمخاطر".
وفي الحديث عن المعيقات التي تقف أمام قطاع الحجر، تطرق مالك جبر لأبرزها، وهي خضوع المعابر لسيطرة سلطات الاحتلال، وما يرافقها من فرض إجراءات معقدة خلال نقل البضائع كالفحص الأمني.
ومن المعيقات التي تحدث بها "جبر" ارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج، وغياب المعرفة الدقيقة بالأسواق العالمية لإحداث اختراقات واسعة لصالح ترويج البضاعة الفسطينية بجودة عالية.