تسير بين ظلال أشجارها الحرجية المعمرة، عبر شارع فرعي يمتد إليها من الشارع الرئيس الذي يربط بين الخليل وبيت لحم ليعبر بك إلى بلدة "أرطاس" التاريخية الواقعة في واد جميل مخضر مفعم بالخضار لا سيما " الخس " البلدي المشهور.

ويحيط بـ "أرطاس"جبلين شاهقين من الجنوب والشمال الغربي، فيما تزينها أحواضا من البساتين الخضراء الجميلة .

الجنة المقفلة

تقع بلدة أرطاس جنوبي مدينة بيت لحم وتبعد عنها نحو ستة كيلو متر،  توصف بـ"الجنة" حيث الينابيع والبساتين الخلابة التي تشكل لوحة طبيعية خضراء تمتد أمام ديرها التاريخي المسمى "الجنة المقفلة" هذا الدير الذي يعتبر تحفة معمارية تشكيلية ، حيث صممه المهندس المعماري الفلسطيني مرقص نصار وبني عام 1895م.

رئيس المجلس القروي يحيى اسماعيل يروي شيئا من تاريخ  البلدة العريق ويقول " تعني أرطاس باللاتينية اليونانية Artasium البستان أو الجنة، وعرفت زمن الصليبيين باسم "Hortus Conclusus" أي الجنة المقفلة.

ويبين أن البلدة ما زالت تحتفظ منذ ذلك الحين بهذا الاسم، فهي قرية كنعانية قديمة.

 واشتهرت هذه القرية من خلال برك المياه الموجودة فيها والتي تعرف باسم برك سليمان وبعض المعالم الأثرية الأخرى،  لما عُرف عنها وفرة مصادر المياه والتي تعد من أكبر الأنظمة المائية القديمة في فلسطين التي تزود مدينة القدس بالمياه في الفترة الرومانية.

ويضيف ابو علي في حديث خاص لـ"سند"، " أرطاس بلدة فلسطينية عريقة بتراثها وتاريخها وينابيعها وبساتينها الخلابة وبركها التاريخية كانت ولا زالت تشكل مجمعا للتراث الحضاري الإنساني فهي عبر التاريخ منبع الخير والعطاء".

قنوات المياه التاريخية

وقد لعبت برك سليمان وقنواتها التاريخية  دورا هاما ومميزا في تزويد مدينة القدس بالماء وسقاية أهلها حتى في ظل الحروب والحصار الذي تعرضت له المدينة.

 وقد بين المدير التنفيذي لمركز حفظ وتطوير برك سليمان في ارطاس المهندس جورج باسوس هذا الدور وقال لمراسل "سند"،  "تم إنشاء نظام مائي بالفترة الرومانية المبكرة في وادي أرطاس وتحديدا في الجزء العلوي منه، حيث عمل على تزويد مدينة القدس بالمياه بدلا عن النظام المائي القديم".

أرطاس تروي القدس

وكشف الباحث المتخصص في التاريخ الإسلامي لمدينتي القدس والخليل عدنان أبو تبانه عن أهمية برك سليمان الواقعة على مدخل بلدة أرطاس فقال"عُرفت البرك في الفترات الإسلامية المتعاقبة باسم برك المرجيع وفي تفسير ذلك، ذكر مجير الدين الحنبلي أنه عندما فقد إخوة النبي يوسف، أخاهم، وجدوه عند البرك وأرجعوه فسميت ببرك المرجيع".

وأضاف أبو تبانه "حرص المسلمون على تعمير برك سليمان وقنوات المياه خاصة قناة السبيل التي كانت تغذي منطقة الحرم الشريف ".

وبين أنه وفي أواخر عهد المماليك عام 1460 تم إنشاء البركة الثالثة " التحتا " على يد الملك الظاهر خوشقدم، وقد وصلت قرية أرطاس أوج قوتها في عهد سلاطين المماليك (1187 ـ 1517م)، حيث أصبحت تشكل مركزا تجاريا وقضائيا.

 وانتشرت في أرطاس طواحين الغلال التي كانت تعمل بقوة المياه حيث تدل إحدى اللوحات الحجرية الموجودة الآن على الواجهة الشرقية للطابق الأرضي للمسجد على وجود طاحونة يعود تاريخ إنشائها إلى الخامس عشر من ذي القعدة سنة 705 للهجرة.

الاستيطان يطوق أرطاس

بعد احتلال اسرائيل للضفة الغربية عام 1967م طوقت محافظة بيت لحم بالمستوطنات وخاصة بلدة "أرطاس" وصودرت كميات كبيرة من أراضيها.

و طوقت البلدة بمستوطنات "كفار عتصيون" و"تقواع وافرات" و"اليعازر"  و"دانيال" و"معاليه عاموس".

وتقلصت مساحة البلدة  من عشرة آلاف دونما إلى أربعة آلاف بعد مصادرة ستة ألاف دونما من أراضيها لصالح الاستيطان منذ عام 1948م .

وتم مصادرة تلك الأراضي بعد النكبة لتوسعة مستوطنة "كفار عتصيون" القديمة،  ومرورا بعام 1967م الذي جرى فيه مصادرة مساحات كبيرة من أراضي أرطاس لبناء مستوطنات جديدة .

مهرجان الخس التراثي

وقد تحول وادي البلدة إلى جنة خضراء خضراء يزرع فيه الخضار والفواكه والبقوليات التي باتت تشكل إرثا تراثيا لها، وذلك لوفرة المياه وكثرة الينابيع ووجود برك الماء الكبيرة على مدخلها.

 واشتهرت البلدة بزراعة "الخس" والذي يقام له مهرجانا سنويا، حيث يصل خس أرطاس إلى كافة المدن والقرى في فلسطين ويمتاز بطعمه المنعش، فهو مصدر دخل وفير  لمزارعي أرطاس .

ويصف مدير مركز أرطاس للتراث الشعبي محمود جبر مهرجان الخس السنوي "يعتبر مهرجان الخس من أهم المهرجانات الثقافية والتراثية، لما فيه من فعاليات تبرز التراث الفلسطيني وتُعرف بالقرية ووقوفها بوجه الاستيطان الإسرائيلي".