قال الكاتب الصحفي الأميركي البارز توماس فريدمان إن الشرق الأوسط يعيش الآن مرحلة تحول من منطقة تشكلها القوى العظمى إلى منطقة تعيد تشكيلها قوى الطبيعة.
ورأى فريدمان في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" أن هناك عاملين رئيسيين يدفعان المنطقة بقوة نحو التغيير؛ هما الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتغير المناخ الذي بدأ يؤثر سلبا على المنطقة.
وقال الكاتب إن "هناك شيئا جديدًا يعيد تحريك القطع بقوة على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط، وهي القطع التي كانت متجمدة في مكانها لسنوات عديدة، والقوة الكبرى التي تحركها هي قرار بايدن بالانسحاب من أفغانستان".
وأشار إلى أن انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من أفغانستان كان رسالة لدول المنطقة تقول "أنتم الآن وحدكم. إذا كنتم تبحثون عنا، فإننا سنكون في مضيق تايوان. راسلونا كثيرا. ابعثوا لنا النفط. وداعا".
أما العامل الثاني الذي يسهم في إعادة تشكيل الشرق الأوسط وتكثيف الضغط الناجم عن الانسحاب الأميركي فهو قوى الطبيعة التي تعكسها موجات الحر والجفاف والضغوط الديموغرافية والانخفاض الذي شهدته أسعار النفط على مدى سنوات وارتفاع الإصابات بجائحة كورونا في المنطقة، بحسب "فريدمان".
وقال الكاتب إن التحول الذي تشهده المنطقة سيجبر قادتها على التركيز أكثر على بناء المرونة اللازمة للتكيف مع التغيرات البيئية من أجل اكتساب الشرعية بدلا من اكتسابها من خلال مقاومة الأعداء القريبين والبعيدين.
وأضاف "ما زلنا في بداية هذا التحول النموذجي من المقاومة إلى المرونة، حيث بدأت المنطقة تصبح شديدة الحرارة، وشديدة الاكتظاظ بالسكان، وتعاني نقصا في المياه لدرجة تحول دون الحفاظ على أي نوع من الحياة".
وأوضح "فريدمان" أن وجود الولايات المتحدة في أفغانستان والضمانات الأمنية الضمنية التي كانت توفرها في كل أنحاء المنطقة أسهم في تحقيق الاستقرار.
وحسب "فريدمان" أسهم ذلك في ظهور كثير من السلوكيات السيئة، مثل مقاطعة دول بالمنطقة دولا أخرى واحتلال بلدان والمغامرات المتهورة والتدخلات العسكرية الوحشية في المنطقة.
وقال إن دعم الولايات المتحدة القوي لحلفائها التقليديين -بغض النظر عن سياساتهم السيئة- شجع البعض على الحصول على ما ليس في متناوله دون خشية من العواقب.
وأشار إلى أن انسحاب الرئيس باراك أوباما من المنطقة ورفض الرئيس دونالد ترامب الرد على إيران بعد الهجوم الذي تعرضت له منشأة نفطية سعودية رئيسية في عام 2019 بطائرات مسيرة إشارات تحذيرية.
وقال "فريدمان": "هذه المعطيات كانت إشارات تحذير تفيد بأن الولايات المتحدة قد سئمت من التدخل ولعب دور الحكم في حروب الشرق الأوسط الطائفية، ثم جاء بايدن فأضفى صفة رسمية على ذلك".
وتناول فريدمان بعض مظاهر التحول الذي يشهده الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بتحسن العلاقات التي كانت متوترة بين بعض الدول.
وأشار إلى أن المملكة السعودية بدأت في إصلاح علاقاتها مع إيران وقطر بعد القطيعة، وقلصت مشاركتها في الحرب على اليمن.
وقال إن دولة الإمارات انسحبت من الصراعات في كل من ليبيا واليمن، وأصلحت علاقاتها مع إيران وقطر وسوريا.
وأشار إلى أن تلك الدول تدرك أنه في غياب دعم الولايات المتحدة -الأخ الأكبر على حد تعبيره- فإنها لا تستطيع تحمل الأعمال العدائية مع إيران.
وأضاف "يدرك الإيرانيون أنهم بأمس الحاجة إلى أكبر قدر ممكن من الانفتاح على العالم في ظل العقوبات المستمرة المفروضة على بلادهم".
وفي الشرق الأوسط الجديد الذي تشكله قوى الطبيعة، يخلص فريدمان إلى أن الحكم على أداء القادة لم يعد من خلال مقدار مقاومة بعضهم البعض أو مقاومتهم للقوى العظمى.