الساعة 00:00 م
الجمعة 19 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.31 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.01 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"الحبس المنزلي".. حين تتحول البيئة الآمنة لمصدر ضغط نفسي

حجم الخط
الأسرى الأطفال بالقدس
القدس - إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

إذا مررت يومًا بحارةٍ مقدسية، فإنك سرعانَ ما تنجذبُ لعيونِ طفلٍ خلف نافذةِ منزله التي تُعتبر "حريته المقيّدة"، إذ تُترجم عيناه معاني طفولته المليئة بالأسى، ففي داخل المنزل روتين الحياة القاتل على هيئةِ زنزانة، أصبح أثقل من السجن الفعلي لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

"أنا السجّان لابني".. حروفٌ قيلت بمشاعرٍ مُثقلةٍ بالوجعِ الذي لا ينتهِ في حضرةِ أحكام الاحتلال غير القانونية، فمنتهى الألم أن تكون سجانًا لابنك، تارةً يُقيّدك الخوف عليه من اعتقاله في سجون الاحتلال، وتارةً أخرى تذبحك مشاعر الأبوّة وأنت مجبرٌ تحت سيفِ القهرِ أن تُنفّذ حكم "الحبس المنزلي" على طفلك.

لكن الطفل علي قنيبي (14 عامًا)، يُمارسُ الصبر من نافذةٍ صغيرة بأعمدةٍ حديدية يرتكز عليها بحسرة وهو يرى أصحابه يلعبون في أزقة الحارة لعبته المفضلة كرة القدم.

اعتُقل الطفل" قنيبي" من حي الشيخ جراح بالقدس، في 27 تموز/يوليو 2021 بتهمة الاعتداء على سيارة مستوطن، وأفرج عنه بعد 7 شهور بتاريخ 2 مارس/ آذار الجاري، وتحويله للحبس المنزلي.

و"الحبس المنزلي" هو مكوث الطفل لفتراتٍ محددة داخل منزله في عهدةِ والديه، ما يحوّل المنازل إلى زنازين، ويجعل من الآباء والأمهات سجانين ومراقبين على أبنائهم، إذ يُمنعون من الخروج من البيت للعلاج أو الدراسة التزامًا بما أقرته المحكمة الإسرائيلية.

"الأب أصبح سجانًا"

بنبرةٍ موجعة يقول راتب قنيبي والد الطفل "علي" لـ "وكالة سند للأنباء" "إن الاحتلال الإسرائيلي جعلني سجانًا لإبني؛ ما أدى لضغوطات نفسية كبيرة عليه وعلى وعائلتي"، لافتًا إلى أن نجله تعرّض للضرب المبرح أثناء التحقيق معه في "المسكوبية"، بتهمة الاعتداء على سيارة مستوطن.

ويُضيف "قنيبي" أن "عقوبة الحبس المنزلي لا تقتصر فقط على الطفل، وإنما هي عقوبة جماعية لكل العائلة تُقيد الحركة والخروج من المنزل".

ويؤكد والد "قنيبي"، أن طفله كان محرومًا من الخروج لفناء منزله ومن الذهاب حتى إلى مدرسته إلا بتصريح رسمي من قبل سلطات الاحتلال، ما سبب له ولأسرته أزمةً نفسية حادة.

ويُنوه إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يأتي كل يوم إلى المنزل بدورياتٍ كبيرة؛ للإشراف والتأكيد على وجود الطفل علي داخل المنزل، موضحًا أن الاحتلال يعتبر العائلة كفلاء ويمكثون معه.

وجعٌ واحد..

ولا يختلف وجع عائلة الطفل علي قنيبي، عن المقدسي كايد رجبي، إذ أنه عانى مع طفله الويلات في سياسة الحبس المنزلي.

ومنذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يمكث الطفل أشرف رجبي بمنزله بِلا تهمة تحت عقوبة سياسة الحبس المنزلي.

يسرد والد الطفل "أشرف" بقلبٍ مُثقل لـ "وكالة سند للأنباء"، أن طفله من المتفوقين في دراسته، لكن الحبس المنزلي الذي فرضه الاحتلال أعاق طموحه التعليمي؛ ما أثر على مستواه في مدرسته.

ويؤكد "رجبي" أن طفله "أشرف" لم يستطع الخروج من منزله منذ خمسة أشهر، مُشيرًا إلى أن سلطات الاحتلال سمحت له قبل أيامٍ قليلة بالذهاب إلى مدرسته.

ويضيف والد الطفل بنبرةٍ موجِعة، إلى أن عقوبة الحبس المنزلي "جماعية وتُثقل كاهل الأسرة مع الطفل"، منوهًا إلى أن ذلك ترك أثرًا سلبيًّا على نفسية طفله والعائلة.

ويذكر "ضيف سند" أن نجله سيُعرض يوم 25 آذار/ مارس الجاري، على ما تُسمى "محكمة الصلح" الإسرائيلية؛ لتحديد مدة العقوبة.

وفي سؤالنا "كيف يقضي أشرف الحبس في المنزل؟" يُجيب عن ذلك بعد صمت بنبرةٍ من الصمود: "أشرف يستطيع أن يُشغل وقته جيّدًا حتى لا يستسلم للفراغ، مثلًا حاليًا يعتني بطيور اشتراها منذ فترة، ويرافقهم جُل الوقت".

"تُهمة غير قانونية"

يقول رئيس لجنة أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب، إن سياسة "الحبس المنزلي"، سياسة قديمة حديثة، وعقوبة جماعية يُعاقب بها الاحتلال الطفل وعائلته؛ موضحًا أن الاحتلال يتفنن بأنواع التعذيب ضد الفلسطينيين.

وعن هدف الاحتلال في سياسة "الحبس المنزلي"، يُردف "أبو عصب" لـ "وكالة سند للأنباء"، "أن الاحتلال لديه هدف واضح من هذه السياسة، وهي تدمير مستقبل الأطفال، وتدميرهم نفسيًّا ومعنويًّا، إضافة إلى تجهيل الطفل من خلال إبعاده عن الحياة التعليمية".

ويصف "أبو عصب"، أسباب اعتقال الاحتلال للأطفال بـ "اللامنطقية"، وليست تهمة وإنما حقد الاحتلال هو الذي يُسيّر تصرفاته بسياسة الحبس المنزلي للأطفال، لافتًا إلى أن فترة الاعتقال إما محدودة أو مفتوحة.

ويُكمل: "الفترة المفتوحة لها أنواع، مثل إبعاد الطفل عن منزله، أو إبعاده عن مدينة القدس بشكلٍ كامل إلى حيفا أو يافا بحسب قرار القاضي".

وفي سؤالنا "ما التُهم التي تجرّ الأطفال إلى الحبس المنزلي؟"، يرد "أبو عصب": "كثيرة هي التهم، منها الدخول إلى المسجد الأقصى، أو تكبيره في الشارع، ارتدائه الكوفية الفلسطينية، مروره بجانب حاجز عسكري، أو مشاركته في اعتصام".

آثار نفسية

ويتحدث "أبو عصب" عن نفسية الطفل المحبوس داخل منزله قائلًا: "إن الطفل المعاقب بـالحبس المنزلي يُعاني من أزمات نفسية حادة، تنعكس سلبًا على سلوكه وتصرفاته لاحقًا".

ويكمل: "هناك أطفال أصبح لديهم عدوانية، تساقط في الشعر، تبول لاإرادي، وآخرون فكروا بالانتحار".

وفي بعض الحالات ونظرًا للضغط النفسي الذي يعيشه الطفل، يتجه إلى الاعتداء على أهله؛ لأنهم منعوه من الخروج من المنزل، خوفًا عليه من عودتهم إلى السجن الفعلي.

ويؤكد أن الطفل في فترة الحبس المنزلي، لا يستطيع أن يغادر منزله أبدًا، بسبب شروط الاحتلال الصارمة في الإفراج عن الطفل، كدفع مبالغ كبيرة في صندوق محكمة الاحتلال، تصل لعشرات آلاف الشواقل، لضمان عدم خرق الشروط.

ويقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي 850 طفلًا مقدسيًا، خلال عام 2021، معظمهم تم تحويلهم لعقوبة "الحبس المنزلي"، وفقًا لـ "أبو عصب".