الساعة 00:00 م
السبت 20 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.31 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.01 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

حوار الشيخ عكرمة صبري.. ابن القدس "البار" ورجل المواقف الصعبة

حجم الخط
الشيخ عكرمة صبري
غزة/ القدس- إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

في صِباه كان مُفوّهًا سريع الحفظ يتطلع إلى مكانة الخطيب أو الإمام، ولكن لـ "المنابر" رهبتها ما جعله لا يندمج بسهولة، قوّمه أساتذته في مراحل عمرية مختلفة، وظل يخطو خطوة تلو أخرى تتواتر على مَسامِعِه نصيحتهم الذهبية التي صارت لاحقًا سر نجاحه، "انظر يا صبري إلى جميع المصلين كأنهم تلاميذ، وأنت معلم؛ هذا سيُساعدك على نزع الخوف من قلبك وأنت على المنبر".

مرّت السنوات بتجاربها التاريخية ومواقفها الصعبة على هذه الشخصية، حتى أصبح الحلم، حقيقة لا أجمل منها.. "خطيب المسجد الأقصى" الشيخ عكرمة صبري، الرجل الذي عُرف بحبه الفيّاض وإخلاصه لقضية القدس، وبإصراره وثباته على مواقفه ومبادئه الوطنية والإسلامية التي نشأ عليها.

للوهلةِ الأولى، يعتقد من يُخاطبه هاتفيًا أن الحديث مع رجلٍ يبلغ من العمر 83 عامًا، شاقًا وسيصعب استكشاف محطات حياته والتعرف عليها، لكنّ على النقيض من ذلك، كان حوارنا مع الشيخ "صبري" مليئًا بـ "حيوية" روحه الشابّة، وقدرته على استرجاعِ مواقف وأحداث مضى عليها سنوات طويلة وما زالت ماثلة في ذاكرته.

ولد الشيخ "صبري" عام 1938 في مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، ويقول لـ" وكالة سند للأنباء" إنه عاش في بيئة "ملتزمة ومحافظة"، ترتبط بـ "الأقصى" وقضيته ارتباطًا وثيقًا، وكان يتردد إليه كثيرًا برفقة والده وإخوانه.

وتلقى "صبري" تعليمه المدرسي بمدينة نابلس، وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الشريعة في جامعة بغداد عام 1963، وعند عودته إلى القدس، عمل مدرسًا في مدرسة ثانوية الأقصى الشرعية ولاحقًا عُيّن مديرًا لها، وكان يدرّس اللغة العربية في المدرسة القبطية أيضا.

أول خطبة بـ "الأقصى"..

بعد وفاة والد الشيخ "صبري" عام 1973 أصبح منصب خطيب المسجد الأقصى خاليا، وكان ضيفنا أحد المتقدمين لملء هذا الشاغر، وتفوّق حينها على 20 منافسا، ما هو شعورك في أول خطبة ألقيتها هناك؟ يرد بنبرةٍ هادئة: "كان ممزوجًا بين الرهبة والفخر، لقد كان شعورًا حقيقيًا بالفرح والامتنان".

ويُشير إلى أن عنوان الخطبة الأولى في "الأقصى" كانت عن "هجرة الشباب إلى الدول الأجنبية"، مضيفًا: "أثرت بشكلٍ قوي على المستمعين وهذا ما حفزني للمواصلة".

وكانت تُقدر إكرامية الخطيب الشهرية عن هذا المنصب 12 دينارًا أردنيًّا، وعام 1985 تقدم الشيخ "صبري" طلبا لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، عبّر فيه عن رغبته باحتساب "الخطابة لوجه الله تعالى"، وهكذا صار حتى يومنا هذا.

ورغم انشغاله الدائم بالخطابة والتدريس وغيرها من المهام، إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة تعليمه والحصول على الشهادات العليا، فقد حاز على درجة الماجستير بالفقه والتشريع عام 1989، بالإضافة لشهادة مزاولة مهنة المحاماة الشرعية عام 1990، ثم حاز في 2001 على شهادة الدكتوراه في الفقه العام من جامعة الأزهر بمصر.

رمضان في القدس..

تزدان حواري القدس في رمضان من كل عام بالأضواء، والفوانيس الملونة والزينات المزخرفة المميزة ابتهاجًا بالشهر الفضيل، لكنّ الأجواء قديمًا كانت "أكثر جمالًا" وفق ما وصفها الشيخ "صبري".

ويزيد: "نعم تُشاهدون اليوم البهجة الرمضانية في أزقة البلدة القديمة والأقصى، وفرحة الأطفال وروحانية الشيوخ، لكنّ ذلك يتقاطع مع توتر دائم في المدينة بسبب اعتداءات الاحتلال ما يُنغصّ على الصائمين حياتهم، وهذا لم يكن يحدث قبل احتلالها، فقد كانت تنعم الهدوء والحرية طوال الوقت، وهذا يفرق".

عقبات في الطريق..

وخلال سنوات حياته دفع الشيخ عكرمة صبري الكثير، ثمنًا لمواقفه وإصراره على مبادئه الوطنية والإسلامية تجاه القدس والمسجد الأقصى، فقد تعرض للاعتقالات والإبعاد المتكرر عن "الأقصى"، والمنع من السفر بأمرٍ من سلطات الاحتلال.

عن ذلك يُحدثنا: "الإبعاد عن الأقصى، مؤلم جدًا، لكن وفي كل مرة أتعرض فيها للتحقيق الذي يمتد لساعات ثم الإبعاد، أزداد ثباتًا وإصرارًا على مواقفي الوطنية ولم أندم عليها يومًا ما مهما كلفتني من ثمن".

وأسس الشيخ "صبري" دار الحديث الشريف في رحاب المسجد الأقصى عام 1980، وأول مجلة دينية ثقافية تصدر عن دائرة الأوقاف باسم "هدى الإسلام"، بالإضافة إلى مجلة "الإسراء.

وعُيّن مفتيا عاما للقدس والديار الفلسطينية عام 1994، وظل كذلك حتى أقالته السلطة الفلسطينية عام 2006. ومنذ عام 1998 حتى يومنا هذا يتولى الشيخ رئاسة الهيئة الإسلامية العليا في القدس.

منعطفات مرّ بها "الأقصى"..

ويتعرض المسجد الأقصى المبارك منذ احتلاله في شهر يونيو/ حزيران من العام 1967 لسلسلة طويلة من الانتهاكات الإسرائيلية، الرامية إلى "بسط السيطرة عليه، وفرض التقسيم الزماني والمكاني فيه".

وفي سؤالنا عن أبرز المنعطفات التي تعرض لها "الأقصى" خلال السنوات الماضية؟ يلفت "ضيف سند" إلى أنها كثيرة وكلها ثقيلة على قلوب المسلمين، فلا أقسى من مشهد "استباحة مقدساتنا دون رادع".

ويستذكر أبرزها: "لا يُمكن نسيان مذبحة الأقصى عام 1990 والتي راح ضحيتها 24 شهيدًا ومئات المصابين، واقتحام آرئيل شارون لباحات المسجد سنة 2000 ما فجّر انتفاضة شعبية واسعة".

بالمقابل تحتفي ذاكرة الشيخ بمشاهدَ كثيرة انتصرت فيها "إرادة الفلسطينيين" على سلطات الاحتلال وإجراءاتها القمعية والتعسفية بـ "الأقصى" ومحطيه، منها "هبّة باب الأسباط" عام 2017، والتي ثار فيها المقدسيون ضد قرار الاحتلال نصب بوابات إلكترونية على أبواب المسجد الأقصى.

ولا ينسى هبّة المقدسيين عام 2019، والتي تمكنوا من خلالها إعادة فتح مصلى "باب الرحمة" بعد إغلاقٍ دام لأكثر من 16 عامًا، بالإضافة لـ "هبة القدس" التي وقعت أحداثها العام الماضي على إثر تصاعد انتهاكات الاحتلال بحق أهالي القدس، ما أدى لاحقًا لاندلاع مواجهة عسكرية في مختلف المناطق الفلسطينية.

ويُعبّر الشيخ "صبري" عن قلقه عما يجري في المسجد الأقصى مؤخرًا، مؤكدًا أن المخططات الإسرائيلية "العدوانية"؛ ستؤدي إلى انفجار الوضع وهو ما تتحمل تداعياته الكاملة، الحكومة الإسرائيلية.

ويشدد أن "الحراك الشعبي" الفلسطيني مستمر؛ لأن الاعتداءات، والاقتحامات والإبعادات عن المسجد الأقصى متواصلة منذ سنوات ضمن المساعي الإسرائيلية لتقسيم المسجد زمانيًا ومكانيًا بين اليهود والمسلمين.

وبالانتقال إلى التطبيع العربي مع الاحتلال، وأثره على الموقف الأردني تجاه "الأقصى" يورد: "أن التطبيع ليس جديدًا، فقديمًا كان تحت الطاولة واليوم أصبح فوقها، وهذا بالتأكيد أضعف موقف الأردن؛ لأنه يفترض أن تقف الدول العربية وقفة واحدة في حماية المقدسات، لا أن يُترك الأردن لوحده".

يذكر أن دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات في الأردن هي المشرف الرسمي على المسجد الأقصى، بموجب القانون الدولي الذي يعد الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب إسرائيل.

كما احتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية وادي عربة الموقعة مع إسرائيل في 1994.

ويختم الشيخ "صبري" حديثه بالقول: "نعم فقدت القضية الفلسطينية أهميتها ومكانتها في قلوب الأنظمة العربية والإسلامية، لكنّ الشعوب لا تزال تُحب القدس وتنتمي لها، وهذا يدفعني لمطالبة كل حرٍ وشريف أن يُساندنا ولو عبر ترجمة روايتنا عما يجري بلغاتٍ غير العربية ونقلها إلى العالم لفضح الاحتلال وجرائمه".