رغم غياب ملف إدارة الصراع مع الفلسطينيين منذ سنوات، عن البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية المتنافسة على الحكم في إسرائيل، إلا أن قادة الاحتلال يرون في استباحة الدم الفلسطيني وقوداً لحملاتهم الانتخابية، كما هو الحاصل حاليًا استعدادًا للانتخابات العامة المرتقبة بعد أقل من شهرين (نوفمبر/تشرين الثاني المقبل).
كان آخر حلقات التصعيد، العدوان الأخير الذي شنّه الاحتلال على قطاع غزة واستمر 3 أيام، مخلّفًا 49 شهيدًا، وجرح 360 آخرين، إلى جانب الاعتداءات المتواصلة بحق الفلسطينيين بالضفة الغربية، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 82 شهيدًا منذ بداية العام.
مختصون بالشأن الاسرائيلي يرون أن قادة الاحتلال يلبون جموح مجتمعهم نحو اليمين المتطرف، عبر مزيد من التصعيد العسكري في الضفة الغربية، وقطاع غزة؛ لاستقطاب أصوات الناخبين والوصول إلى أخيرًا لمقاعد الكنيست.
ويقول الباحث أشرف بدر لـ "وكالة سند للأنباء" إنه من المبكر الحكم على نتيجة تأثير العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، حول توجهات الناخب الاسرائيلي؛ وذلك لبُعد الفترة الزمنية، وإمكانية حدوث تغيرات سياسية أخرى تغير التوجهات.
وقبل ساعات فقط من العدوان الأخير على قطاع غزة، أظهرت نتيجة استطلاع رأي أن حزب "هناك مستقبل" الذي يتزعمه رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد سيحصل على 21 مقعدًا في الانتخابات، متأخرًا بفارق 14 مقعدًا عن حزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو.
لكن بعد ساعات من انتهاء العدوان، أظهر استطلاع رأي حديث أن "لابيد" تقدم مقعدين عن النتيجة السابقة، وسيحصل على 23 مقعدًا في الانتخابات.
ويُعقبّ "بدر" أنه بالرغم من هذا التقدم، إلا أنّ مزاج الشارع الإسرائيلي في سلوكه الانتخابي يتأثر بآخر الأحداث، وأقربها ليوم الاقتراع.
جولات تسبق الانتخابات
لكن يستدرك: "العادة جرت أن تسبق الانتخابات جولة من العدوان على قطاع غزة، وكأن الدماء الفلسطينية تشكل وقوداً لحمى الانتخابات هناك، حيث يحاول قادة الاحتلال الظهور بموقع مسؤولية رجل الأمن الذي يحافظ على الإسرائيليين، ويحميهم بالتنافس على الأكثر عدائية للفلسطينيين، وأنه قادر على فرض السيطرة والضبط".
ويشير إلى الانتقادات التي وُجهت لرئيس الوزراء الحالي "لابيد" بعد نشره صورة مع قادة الجيش خلال التحضير للعدوان على غزة، والتي اعتبرتها المعارضة دعاية انتخابية مبكرة، واستجلاب لأصوات الناخبين.
في المقابل فإن الحملة الانتخابية الإسرائيلية يغيب عنها منذ سنوات، الحديث عن أي حل سياسي مع الفلسطينيين _تبعًا لبدر_، وفي أحسن الأحوال يتم الحديث عن برنامج سياسي يقوم على تقليص الصراع بالإبقاء على الحل الاقتصادي، والتسهيلات مقابل الأمن والهدوء.
ويؤكد أن كل الحكومات والأحزاب الاسرائيلية ملتزمة بالخط السياسي العريض (لا قدس ولا عودة للاجئين ولا لحل لدولتين)، وكل البرنامج تسير وفقاً لهذه الخطط الحمراء.
عوامل تفجيرية..
إزاء ذلك يعتقد "بدر" أن غياب الفعالية الفلسطينية القوية، والتأثير في الميدان لا يدفع بقادة الاحتلال لطرح حل سياسي جدي تنافسي خلال انتخاباتهم الداخلية، متوقعاً أن ممارسات الاحتلال بالتصعيد والحصار ستستمر، وأن عوامل تفجيرية حاضرة قد تقوم بالمشهد إلى مواجهة عسكرية قبل الانتخابات الإسرائيلية.
يتفق المختص بالشأن الإسرائيلي باسم عطايا مع رؤية سابقه، متابعًا: "عادةً ما يذهب قادة الاحتلال إلى التصعيد والإيقاع بدماء الفلسطينيين؛ لرفع أسهمهم الانتخابية، فكلما كانت الأحزاب أكثر عسكرة، كلما كانت أكثر حضورًا في المجتمع الإسرائيلي".
ويستدل "عطايا" على حديثه بالقول: "بيني غانتس الذي كان يتولى قيادة الأركان في جيش الاحتلال خلال عدوان 2014، تفاخر في حملته الانتخابية لاحقًا، أنه قاد الحرب وقتل أكثر من ألفي فلسطيني".
وينبه لـ "وكالة سند للأنباء" أن هذه السياسة المتبعة في إسرائيل، ابتكرها شمعون بيرس عندما ذهب إلى مجزرة قانا جنوبي لبنان عام 1996، عشية الانتخابات الإسرائيلية.
أزمة "لابيد"..
ويتحدث "عطايا" عن مشكلة حقيقية يُعاني منها "لابيد" حاليًا، فهو متهم بأنه "يساري ولا يوجد لديه خلفية عسكرية ولم يخدم بالجيش"، في حين يسعى لإثبات قدرته على قيادة حملات عسكرية، من خلال التصعيد بغزة والضفة.
ورغم ذلك لا يرى "عطايا" أن الملف الفلسطيني حاضراً في الانتخابات الإسرائيلية الحالية والسابقة فعلى أبواب الانتخابات الرابعة لا يزال الهدف الرئيسي من دعاية الأحزاب، هو إبعاد بنيامين نتنياهو عن سدة الحكم.
ويذكر أن قادة اليسار يجلسون مع أحزاب اليمين، واليمين المتطرف، ليس لطرح برامج سياسية واقتصادية، وإنما لبحث سبل التخلص من "نتنياهو".
"لا شريك فلسطيني"..
ويتطرق ضيفنا خلال حديثه لشعار استغلته جميع الأحزاب الإسرائيلية خلال الفترة الماضية وهو "لا يوجد شريك فلسطيني"، وغاب معه كل الحلول السياسية المطروحة في إدارة الصراع مع الفلسطينيين، مبينًا أنه بذلك أصبحت الأرض الفلسطينية مستباحة، وكلما كنت مؤيدًا للاستيطان صرت أكثر قربًا من صوت الناخب.
ومع اقتراب حمى الانتخابات لا يستبعد "عطايا" أن يُقِدم الاحتلال على تصعيد عسكري في الضفة وغزة، وربما جنوب لبنان، كما كان يجري قبل الانتخابات الإسرائيلية السابقة.
الحلقة الأضعف..
من جانبه يعتبر المختص بالشأن الاسرائيلي من حيفا وديع أبو نصار، أن عدم وضوح نتيجة الانتخابات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، وحسمها لأحد الأطراف يدفع بقيادات إسرائيلية للبحث عن الحلقة الفلسطينية الأضعف عبر استعراض العضلات، وجلب أكبر قدر ممكن من أصوات اليهود.
ويقول "أبو نصار" في حديث لـ "وكالة سند للأنباء" إن الملف الفلسطيني مغيّب من البرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية، ما يستوجب من القيادة الفلسطينية، التفكير بهذا الواقع كونه ناجم عن غياب دور فلسطيني فاعل، ومحرك في المنطقة والشارع الإسرائيلي.
ويعزو ذلك الغياب إلى أن الفلسطيني استطاع في أواخر التسعينات فرض نفسه كلاعب مهم عبر منظمة التحرير والفصائل، أما اليوم فلا يوجد طرف فلسطيني يفرض نفسه كلاعب أو مؤثر في المشهد الإسرائيلي.
ويتابع: "هناك إجماع اسرائيلي في البرامج الانتخابية على حل دولة يهودية ذات سيادة من البحر إلى والنهر مع موظفين فلسطينيين يهتمون بالأمن والاقتصاد، لكن هناك بعض من أحزاب اليسار تتحدث عن أن الوقت غير مناسب للحل مع الفلسطينيين، بينما يظهر اليمين بموقف أكثر صراحة، حيث يرى بأن أي حل مع الفلسطينيين، يجب الذهاب لأماكن أخرى خارج هذه الحدود".
لا هامش غير الرد العسكري
وحول أسباب توجه الإسرائيليين للأحزاب اليمينية المتطرفة، يجد "أبو نصار" في أن التوجه الإسرائيلي لليمين يأتي لاحتوائه على زعيم شعبي وهو "نتنياهو" الذي تتصف مواقفه بالوضوح مقارنة مع اليسار المتلعثم، لافتًا إلى أن الناخب دائمًا يؤيد الوضوح.
ورغم أن "أبو نصار" لا يرجح الذهاب إلى مواجهة كبيرة قبل الانتخابات الاسرائيلية، إلا أنه يقول "كل شيء وارد كوننا نسير على رمال متحركة، والأمور غير مستقرة، والموقف قد يتغير من خلال فعل فردي، والقيادات الإسرائيلية لا تمتلك هامش لرد الفعل غير الرد العسكري خاصة فترة الانتخابات".