تكافح قرية دوما، جنوبي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، بمعركة البقاء بوجه الاحتلال ومستوطنيه، في ظل عمليات الهدم المتواصلة لبيوتها ومنشآتها، ومصادرة أراضيها مترامية الأطراف حتى نهر الأردن، ليتبقى نحو 3% فقط منها منذ احتلال الضفة عام 1967.
وتنفذ سلطات الاحتلال عمليات هدم متتالية لمنازل القرية، بحجة البناء دون ترخيص ووجود المنشآت في أراضي مصنفة (ج) وفق اتفاق أوسلو، كان آخرها هدم 12 منشأة ومنزلًا و"بركسا" خلال الأسابيع القليلة الماضية.
في حين، يصل عدد الإخطارات بالهدم فيها لأكثر من 150 إخطارًا، وفق رئيس المجلس القروي سليمان دوابشة.
ويوضح "دوابشة" لـ "وكالة سند للأنباء": "تمتد أراضي البلدة لتصل حتى حدود نهر الأردن، جرى اقتطاع ونهب 10 آلاف دونم منها، من إجمالي 28500 دونم، ولاحقًا اعتبرت البقية أراضي صنفت مناطق (ج)، إضافة لمحميات طبيعية وأخرى للتدريب العسكري".
وبعد تلك المصادرات والسيطرة على أراضي دوما، لم يتبق منها سوى 940 دونمًا، أي ما نسبته 3.3% من مساحتها الإجمالية، ويسكنها 3500 فلسطيني من أهلها، وفق رئيس المجلس.
ويبيّن ضيفنا أن موقع القرية الاستراتيجي، "فتح شهية المستوطنين لالتهام أراضيها"، وتنفيذ خططهم السياسية والاستيطانية، كونها البلدة الوحيدة الواقعة شرق شارع "ألون" الاستيطاني، وتشرف على الأغوار، وتأتي في المرتبة الثانية في الاستهداف الاحتلالي بعد القدس، تبعًا لقوله.
وطالت عمليات الهدم في دوما، مسجد حي "الشقارة"، وبيوتًا وبركسات زراعية، وأخرى لتربية المواشي، وتخريب للبنى التحتية من شبكات المياه والكهرباء والشوارع والطرقات؛ بهدف الحد من البناء والعمران والتقدم في مشاريع الزراعة.
وتعود تسمية دوما بهذا الاسم نسبة لكثرة أشجار "الدوم" فيها، كما أن الاسم مرتبط بمدينة "سدوم" التاريخية، وتعني الديمومة والاستمرارية.
ويرتبط ذكر قرية دوما، بالمجزرة البشعة التي نفذها المستوطنون المتطرفون بحق عائلة دوابشة عام 2015، عندما أحرقوا منزل الشهيد سعد دوابشة وهو بداخله مع عائلته ليستشهد وزوجته وطفلهما الرضيع، وينجو ابنه الأكبر أحمد بحروق طالت معظم جسده، لا زال يعاني منها حتى الآن.
الموقع الاستراتيجي..
من جانبه، يُرجع الوكيل السابق لوزارة الزراعة وأحد سكان دوما، زكريا سلاودة، أسباب استهداف البلدة وخنق الحياة فيها لعدة أسباب، منها العرائض التي يقدمها غلاة المستوطنين ضدها.
ويستطرد في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "في الحقيقة يكمن السبب الرئيسي لاستهداف البلدة، لمكانها الاستراتيجي، الذي تخلو منه الكثافة الاستيطانية في السفوح، وفق خطة ايغال أيلون الاستيطانية في السبعينيات، الهادفة للسيطرة على تلال غربي الأغوار".
وباتت البؤر الاستيطانية تتسع في محيط دوما، تحت عناوين الاستيطان الزراعي؛ نظرًا لغنى التلال والسهول بالخصوبة والينابيع، بينما تتسع الخطط المسربة عن مناطق صناعية بالمنطقة، وفق "سلاودة".
وينظر "ضيف سند" "بخطورة" للمخططات الإسرائيلية التي تستهدف دوما بالهدم والتفريغ، لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة بسبب ارتفاع الأراضي والإطلالة على الأردن والبحر الميت، إضافة للوديان والينابيع المنتشرة كاستثمارات سياحية.
ويتوقع سلاودة مزيدًا من التصعيد و"جنون الهدم" في بلدته، وصولًا للغايات الإسرائيلية، مطالبًا بالحذر من التهديدات الجدية والوقوف سدًا منيعًا بوجهها لوقف تعاظمها ومخاطرها المستقبلية والقريبة.
تحريض المستوطنين..
من ناحيته، يصف المحامي والخبير القانوني بمركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان وائل القط، المرحلة الحالية التي تمر بها دوما وسواها بـ "المتشعبة والصعبة" في سياقاتها القانونية والسياسية والأمنية المتصاعدة.
ويضيف لـ "وكالة سند للأنباء": "الأوامر العسكرية وسياسات القضاء الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في المنطقة لا تتوقف، وتنعكس على كل مناحي الحياة في البلدة".
ويؤكد المحامي "القط" أن من يقف خلف قرارات الهدم والشكاوى هم ناشطو الاستيطان الذين وجدوا مواقع وظيفية فاعلة لهم عقب تولي حكومة التطرف اليميني الجديدة أعمالها ودعمها لمنظمات الاستيطان ومراقبة البناء الفلسطيني ومنها منظمة "رغابيم" الاستيطانية.
وتهدف القرارات الإسرائيلية وأعمال الهدم لردع الفلسطيني عن البناء في دوما، بينما يزداد التحول في التشريعات عطفًا على قرارات وزارة "العدل" الإسرائيلية عام 2018 المستهدفة للوجود الفلسطيني، في وقت لا يخفي بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير مواقفهم بشأن البناء الفلسطيني، وفقًا لـ "القط".
وترتفع بلدة دوما "الشفا غورية"، 615 مترًا عن سطح البحر بينما تنخفض مناطق أخرى منها لتصل 200 متر.
وبحسب تقرير جهاز الإحصاء المركزي للعام 2022، هدم الاحتلال الإسرائيلي ودمر 1058 مبنى (353 مبنى سكني و705 منشآت)، شملت 93 عملية هدم قسري يقع معظمها في محافظة القدس بواقع 88 عملية هدم قسري.