الساعة 00:00 م
الجمعة 19 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

مكتبة المعمداني من رُكن ثقافي إلى مقر إيواء للجرحى والمرضى!

في سباق مع الوقت..

الطبيب "يوسف درابيه".. خطفه الموت في زلزال تركيا واحتضنه تراب غزة

حجم الخط
الطبيب يوسف درابيه
فاتن عياد الحميدي - غزة - وكالة سند للأنباء

لم تكن كلمات الطبيب الفلسطيني يوسف مجدي درابيه (27 عامًا) التي تلفظ بها خلال مكالمته الأخيرة مع عائلته عبثاً، لكنه لم يكن يعلم أنه يسابق القدر الذي لن يفر منه عندما قال لهم: "اليوم آخر يوم إلي في مدينة أنطاكيا، وسأنتقل لمكان ثان صباحًالينتقل فعلًا لمكان آخر قبل أن يأتي الصباح!.

وارتقت روح الطبيب "درابيه" مع عشرات الآلاف من الذين قضوا في الزلزال المدمر، الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري فجر الاثنين 6 شباط/ فبراير الجاري.

وبلغت حصيلة ضحايا الزلزال المدمر 50 ألف شخص، 44 ألفا منهم في تركيا، و6 آلاف في سوريا، ومن بينهم نحو مئة فلسطيني.

وبالعودة تسع سنوات ونصف إلى الوراء، يروي السيد مجدي درابيه والد الطبيب الراحل لـ"وكالة سند للأنباء"، حكاية طريق نجله إلى تركيا، عندما حصد المرتبة الأولى على مستوى شمال قطاع غزة في الثانوية العامة الفرع العلمي لعام 2013، ما أتاح له فرصة الحصول على المنحة التركية لاستكمال دراسة الطب في جامعة "19 مايو" بمدينة شامسون التركية.

وبحديث تخنقه العَبَرات يقول: "تمكنتُ أنا ووالدة يوسف من زيارته في شهر يونيو/ حزيران 2022، ومشاركته حفل التخرج بعد أن اجتاز 7 سنوات دراسية في الطب بتفوق"، مستدركاً: "لقد طلب مني حينها أن أعطيه فرصة ليبحث عن عمل، وينتقل بعدها لاستكمال الدراسات العليا في ألمانيا".

لم يقف الوالد في طريق نجله الطَمُوح، والذي أبى إلا أن يقدم خدمةً للحكومة التركية التي منحته الدراسة في جامعاتها، فحصل على فرصة للعمل في مستشفيات مدينة أنطاكيا؛ ليقدم الخدمة والرعاية الأولية الطبية للاجئين السوريين، والشعب التركي هناك، وفق والده.

ليلة الكارثة..

يسترجع السيد "مجدي" ليلة الزلزال وحديث العائلة وتسامرهم كالمعتاد مع ابنهم الطبيب يوسف، لكن لم يخطر لأحدهم أن بعض الكلمات التي قيلت، ربما لتحمل معنىً آخر يحوي في طياته رسالة وداع.

بنبرة خافتة يقول "مجدي": "في الليلة الأخيرة عند الساعة الثامنة مساءً، تحدث يوسف مع إخوته يطمئنهم على حاله، ويخبرهم أن اليوم كان آخر يوم عمل له في مدينة أنطاكيا، وسينتقل صباحاً من البيت إلى مدينة أخرى، ويُباشر العمل في مكان آخر".

ساد الصمت عدة ثواني قبل أن يتابع: "لكن الأقدار كانت أسرعففي الساعة الرابعة و10 دقائق فجر الإثنين، استيقظ سكان تركيا على زلزال مدمر، وعشرات الآلاف منهم لم يستيقظوا.. وتوقفت الحياة معهم عند تلك الساعة في أول السطر، من بينهم "يوسف"!

رحلة البحث عن أمل..

المهندس أسامة درابيه شقيق "يوسف" والذي يقطن في مدينة تركية تبعد 8 - 12 ساعة سفر إلى مدينة أنطاكيا، كان أول من هرع ليتفقد أخيه الذي انقطع الاتصال معه، علَّه يجد ما يُطمئن قلبه المفزوع.

لم نستطع محادثة "أسامة" لشدة ما مَرَ به، فيُكمل السيد "مجدي" لنا:" "بعد ساعات السفر الشاق، وقلق يستوطن القلب، يشق أسامة طريقه وسط الثلوج، وفوق ارتعاش الأرض؛ ما إن وصل أنطاكيا حتى فُجِع لهول ما رأى من ركام وحطام، متسائلاً أين سيجد يوسُف؟!".

تواصلت عمليات البحث تحت الأنقاض لإخراج ضحايا الكارثة، حيث تتضاءل فُرص النجاة يوماً بعد يوم.. مر اليوم الأول، والثاني، وفي اليوم الثالث، عُثِر على "يوسُف" جُثةً هامدةً في شقته المدمرة، وفق والده.

ويستذكر الوالد المكلوم "انقطعت جميع أخباره عنا ولم نعرف ماذا نفعل ومع ذلك، كان لدينا أمل بأنه ما زال على قيد الحياة لكن للأسف تلقينا خبر وفاته، فإنا لله وإنا إليه راجعون".

عاد يوسُف إلى غزة..

بعد أسبوع من الكارثة ووسط مناشدات ومساعدة من الحكومة التركية والسفارة الفلسطينية في تركيا، وصل جثمان الطبيب "يوسف" إلى قطاع غزة؛ ليوارى جسده ثرى البلاد، ما هوَّن على العائلة المكلومة ألم الفراق.

بخطى متثاقلة اقترب مجدي درابيه من تابوت خشبي يحمل جثمان نجله يوسف فور وصوله معبر رفح البري الحدودي مع مصر، ليستلمه من أجل موارته الثرى في مسقط رأسه، وفُتِح مجدداً الجُرح الذي لم ولن يندمل.

وعلى مقربة من والده يقف "عبد الرحمن" الشقيق الأصغر ليوسف يضع يديه على وجهه ويدخل بين فينة وأخرى في حالة بكاء من هول الحادثة، التي حلت عليهم بفقدان شقيقه.

رحل "يوسف" أوسط أفراد عائلته، وانتقل إلى مكان آخر كما قال في كلماته الأخيرة، لكنه ترك خلفه ذكريات بسمة لا تغيب، وعلاقة وصفها والده بالرائعة مع إخوته وأخواته وأبنائهم، الصغار والكبار، كيف لا وقد كان "الحاضن للجميع"، صانع الإحسان ومقدم الخير في غزة وتركيا، على حد قول "والده".

وعُرِف عن "يوسف" مساعدته للمغتربين في تركيا خاصةً للطلبة العرب في الجامعات فتارة يقدم العون في اللغة، وتارة يرشد البعض ويساندهم في الحصول على إقامات، وآخرين يوصلهم إلى جامعاتهم ويؤمن لهم الوصول إلى مساكنهم، ومدهم بما يلزمهم.