رقعة مربعة الشكل تتجاوز كونها لعبة للتسلية، إلى منطقة تتكاثف فيها ألغاز التاريخ والاقتصاد والسياسة والأدب، مقسّمة إلى 64 مربعا صغيرا، تتحرك فوقها 32 قطعة تنقسم بين فريقين، أسود وأبيض، إنها لعبة الملوك "الشطرنج".

وتعتبر "الشطرنج" رياضة الأذكياء، فألغازها عصية على الحصر أو الحل، ويمارسها ثلاثة أرباع المليار من سكان العالم.

وأكثر قطع اللعبة أهمية، الملك والملكة، الأول باعتباره محور دوران اللعبة، وبموته ينتهي اللعب، بينما تعتبر الملكة أقوى قطعة، لما تتمتع به من حرية في الحركة، لكن اسمها يتأرجح بين الوزير وبين الملكة.

وإيمانًا بأهميتها في صقل شخصية الطفل وتنمية قدراته الذهنية ومهاراته، اتجه الكثير من الغزيين خلال السنوات الأخيرة لتعليم أبنائهم مهارة الشطرنج.

 

وصفة سحرية

والدة الطفل فادي مشتهى (9 أعوام)، ترى أن قضاء الوقت باللعب مع طفلها يعود بالنفع والفائدة الكبيرة عليه، وتقول: "الكثير من أولياء الأمور لا يعلمون أن للعب الشطرنج دورا في تنمية شخصية أبنائهم".

وتستطرد خلال حديثها لـ "وكالة سند للأنباء": "أغلب الآباء يعتقدون أن اللعب مع أبنائهم يمكن توفيره لهم عن طريق شراء الألعاب، بينما الشطرنج ساعدت في تنمية قدرات طفلي وتطوير ذكائه".

وتؤكد والدة الطفل "مشتهى"، أن لعبة الشطرنج عملت على زيادة قوة التواصل بينها وبين طفلها، "خاصة في ظل انتشار الهواتف الذكية وانشغال الأطفال بها".

وتنصح ضيفتنا، الأهالي أن يولوا اهتمامات كافية بلعبة الشطرنج وتعليمها لأطفالهم، ووضع لها وقت أساسي في برنامجهم اليومي، وتعقّب: "ستلاحظون الفرق في أطفالكم".

 

تنمية ذكاء الأطفال

ولأنها تساعد على تنمية ذكاء الطفل وبناء مهاراته، اتجهت أكاديمية الوحدة (رياضية وفنية) في قطاع غزة، لافتتاح قسم خاص بالشطرنج؛ لتنمية مهارات أطفال القطاع.

المسؤول الإداري بالأكاديمية ومنظم بطولة الشطرنج فيها عبد الله الإفرنجي يقول: "الشطرنج من ألعاب الذكاء؛ كونها تساعد الأطفال على التركيز وتنمية قدراتهم، فلن يستطيعوا اللعب إلا من خلال التركيز على كل حركات اللعبة وتنقلاتها".

ويتابع: "تنمّي لعبة الشطرنج التخطيط عند الطفل ويصبح لديه بعد النظر في حل المشكلات التي تواجهه في الحياة، وتحفز الذاكرة لدى اللاعب، وترفع معدل الذكاء".

ويُكسب الشطرنج الطفل القدرة على التنبؤ بحركة خصمه القادمة، من خلال تنمية قدراته التحليلية، إلى جانب إكسابه صفة الصبر واستخدام عقله قبل اتخاذ القرار.

ويشير "ضيف سند" إلى أن لعبة الشطرنج شهدت إقبالا كبيرا خلال الخمس سنوات الأخيرة في القطاع بسبب، اهتمام ووعي أهالي الأطفال بأهميتها في تكوين شخصية أبنائهم.

ويضيف: "يتعلم الطفل مهارات الشطرنج وينمي قدراته وهو مستمع، وهو ما يختلف عن الأنشطة التعليمية الأخرى التي تشعره بالملل".

ويتمنى "الإفرنجي" لو يتم جعل الشطرنج مادة إلزامية في المدارس، نظرا لأهميتها في تنمية الشعور بالمسؤولية والنظام والثقة بالنفس والتفكير الإبداعي وصنع القرار والتخطيط الاستراتيجي.

ويضم قطاع غزة 773 مدرسة؛ 429 منها حكومية و278 تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، و66 مدرسة خاصة، بحسب تقرير صادر عن وزارة التربية والتعليم في فبراير/ شباط 2022.

ويؤكد "الإفرنجي" أن مشاركة الوالدين لأطفالهم في لعب الشطرنج وتشجيعهم المستمر، وإعطائهم الوقت الكافي لها، "يحمل انعكاسات إيجابية في تنمية المهارات الفكرية والحسية والبصرية والإدراكية، لدى الطفل".

 

جهد وهدوء وصبر

من ناحيتها، تشير والدة الطفل كنان محمود إلى أن لعبة الشطرنج ليست باللعبة السهلة التي يمكن لطفلها بسهولة أن يلتزم بها، نظرا لأنها تحتاج للهدوء في حين أن طفلها كثير الحركة.

وتضيف خلال حديثها لـ "وكالة سند للأنباء": "الأمر لم يكن سهلا لتعويد طفلي على ممارسة اللعبة، في ظل مسؤوليات الأسرة الكثيرة، فالشطرنج تتطلب الهدوء والصبر، وبعد جهد كبير استطعت السيطرة عليه ليكون هادئا".

وتستدرك: "الألعاب الإلكترونية ووسائل الاتصال الاجتماعي، كانت سببا في إجهاد عقول الأطفال حتى وصل بعضهم إلى نقطة العجز عن الاستيعاب وتشتت الانتباه وعدم القدرة على التركيز، وهذا ما يجعل رياضة الشطرنج بالعلاج الفعال لهذه المعضلة".