تصريحات وزير حرب الاحتلال، يسرائيل كاتس؛ والقاضية بأن جيشه هجّر قسرًا سكان ثلاثة مخيمات في الضفة الغربية ولن يسمح بعودتهم، تختصر مخططات "إسرائيل" التي تستهدف عناوين حق العودة وحاضنة المقاومة في ساحة الضفة الغربية التي تتعرض لابتلاع الأرض واستهداف الوجود الفلسطيني دون توقف.
وقد حولت الآليات العسكرية والطيران والمسيرات التابعة للاحتلال، الأحياء المكتظة في مخيمات نور شمس وطولكرم وجنين إلى أثر بعد عين، ومسحتها عن الوجود في واحدة من تجليات التدمير الشامل الذي نفذه الاحتلال في قطاع غزة وتحول لأزقة وشوارع مخيمات الضفة، وسط صمت مطبق للعالم على جرائم الاحتلال المتوالية.
"أثرًا بعد عين"..
"أبو جهاد"، من مخيم طولكرم؛ والذي اكتفى بكنيته، يقول إن المخيم البالغة مساحته كيلو متر واحد، وكان يقطنه 19 ألف نسمة يُضاف لهم 11 ألفًا يقطنون خارجه "بات أثرًا بعد عين".
ويُواصل "أبو جهاد" حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "لم يبق في المخيم سوى حوالي 1000 لاجئ فلسطيني، في أطرافه الملاصقة للمدينة، جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل".
وقدم المخيم منذ بداية الاستهداف الإسرائيلي، زُهاء الـ 118 شهيدًا، وفق "أبو جهاد"، الذي يقول إن حارتين بالكامل مسحهما الاحتلال عن الوجود بعد منع الأهالي من العودة وتهجيرهم قسريًا.
ويردف: "تحول الدمار في مخيم طولكرم لنحو 85% منه، وبات غير صالح للحياة الآدمية؛ لا توجد فيه مقومات الحياة".
وتابع: "بعض كميات المياه تدخل لمن تبقى في المخيم، من قبل الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر الفلسطيني، في مكان تم تهجيره بقوة السلاح وعلى وقع هدير الجرافات الضخمة".
تهجير ثاني أكبر مخيم بالضفة..
وانتقلت العائلات النازحة والمهجرة لضواحي مدينة طولكرم والقرى القريبة مثل عنبتا وشويكة ودير الغصون وارتاح وذنابة وبيت ليد وغيرها، فيما تعود جذور غالبيتهم الأصلية لقرى قاقون ومنطقة وادي الحوارث والشيخ مونس ومسكة.
وحسب وكالة "أونروا"، تأسس مخيم طولكرم للاجئين عام 1950 فوق أرض مساحتها 0,18 كيلومتر مربع ضمن حدود بلدية طولكرم؛ وهو ثاني أكبر مخيم للاجئين في الضفة.
وينتمي اللاجئون الأصليون في المخيم إلى القرى والمدن التابعة لمناطق حيفا ويافا وقيسارية، ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في مخيم طولكرم 27,631 نسمة حتى عام 2023.
"زلزال" نور شمس..
ولا تختلف أحوال مخيم نور شمس عن أوضاع الجوار في مخيم طولكرم؛ والذي يصفه أهالي المخيم بـ "واقع تعرضه لزلزال" هدم أبنيته ودمر شوارعه وبنيته التحتية وحوله لموقع غير صالح للحياة.
الناشط محمد حازم من نور شمس يقول لـ "وكالة سند للأنباء"، إن الاحتلال منح عائلته والجوار 5 دقائق لمغادرة الحي وبيوته مع التهديد بالقتل "دون سؤال" في حال العودة للمكان.
وحسب "حازم"، فإن المخيم البالغ مساحته حوالي نصف كيلو متر دُمرت عديد الأحياء والبيوت فيه. موضحًا: "يمكن القول فيه كان هنا مخيم.. دمروا كل ما تقع العين عليه".
ويُضيف: "شاهدنا النيران تندلع في بيوتنا وقلوبنا تتمزق حسرة على ما آلت إليه أوضاع المخيم جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل، تحت ذرائع واهية تحمل في طياتها مخططات التهجير والنزوح إلى غير رجعة".
وينوه: "لم يجد الأهالي بيوتًا تؤويهم خارج المخيم فاتخذوا المدارس في مدينة طولكرم وبلدة عنبتا والقرى المحيطة مأوى لهم؛ حيث استوعبت كافة دواوين عنبتا (كمثال) النازحين وبقي ديوان واحد لاحتياجات البلدة الاجتماعية ومناسباتها".
شتات وتشرد جديد..
وتم تشريد عائلة حازم، وهو الشقيق الرابع في عائلة يبلغ عددها أكثر من 25 فلسطينيًا باتوا يعيشون في المدارس والبيوت البعيدة، لتعيش العائلة حياة الشتات والتشرد من جديد كغيرها من عائلات المخيم التي يبلغ عددها نحو 20 ألف نسمة.
يقع مخيم نور شمس للاجئين في الشمال الغربي من الضفة الغربية، ويبعد حوالي 3 كيلو متر عن شرق مركز مدينة طولكرم. لجأ أوائل لاجئي المخيم إلى منطقة جنين حتى دمرت عاصفة ثلجية خيامهم وأرغمتهم على الانتقال إلى منطقة طولكرم، وأنشئ مخيم نور شمس عام 1950.
مخيمات شبه فارغة..
الباحث في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، رأفت أبو خضر، أكد أن مخيمي طولكرم ونور شمس "باتت شبه فارغة، والنزوح فيها هو العنوان البارز الذي لا تنكره العين المجردة وتقارير ميدانية موثقة".
ويتساءل "أبو خضر" في حديث لـ "وكالة سند للأنباء"، عن مبررات الهدم والتدمير الواسع الذي تنفذه قوات الاحتلال على مدار الساعة، قائلًا: "هل المدنيين إرهابيين وفق التوصيف الإسرائيلي المعلن؟!".
تواصل الهدم والانتهاكات..
وأظهر تقرير يرصد أوضاع مخيمات نور شمس وطولكرم للمركز الفلسطيني؛ حصلت "وكالة سند للأنباء" على نسخة منه، في الفترة بين 27 يناير الماضي و27 فبراير الماضي، تواصل عمليات هدم وتفجير العديد من المنازل، وتدمير ما هو مدمر من البنية التحتية.
ويُبين التقرير أن قوات الاحتلال ما زالت تمارس سياسة التهجير وعملية النزوح القسري لعائلات بأكملها من داخل المخيمات والذهاب إلى منطقة مجهولة وتحت تهديد السلاح.
وتشير الإحصائيات التي أعدتها الباحثة الميدانية في المركز الفلسطيني، رئام بدو، إلى أن نحو 12 ألف مواطن من مخيم طولكرم و11 ألفًا من مخيم نور شمس أجبروا على ترك بيوتهم قسرًا.
ولفتت "بدو" النظر إلى أن النازحين "ذهبوا إلى مراكز الإيواء وتوزعوا في المناطق القريبة من طولكرم، مثل ذنابة واكتابا وحي الرشيد وشويكة ودير الغصون وعنبتا وبلعا وغيرها".
واستطردت: "هناك عدد من النازحين ذهب إلى أقارب لهم، وآخرون يعيشون في خيام بظروف قاسية، تصلهم مساعدات عينية وبسيطة لا تكفي لعدد الأفراد، عدا عن أنهم يعانون من نقص في الأغطية والحرامات الشتوية".
تهجير أحياء في طولكرم..
وحسب الباحثة، لم تقتصر عملية التهجير القسري على أهالي المخيمات فقط، حيث شنت قوات الاحتلال حملة مداهمات لعمارات سكنية في الحي الشرقي والجنوبي والشمالي من طولكرم، وأجبرت سكان هذه العمارات والذين عددهم ما يقارب 50 مواطنا في كل عمارة على ترك بيوتهم دون السماح لهم بأخذ أبسط مقتنياتهم من منازلهم، وفي ظروف باردة وصعبة جداً.
وحوّلت، قوات الاحتلال، هذه العمارات إلى ثكنات عسكرية، إضافة إلى أنها بثّت حالة من الرعب والخوف والتوتر خاصة للأطفال وكبار السن والنساء، وإخضاع جزء منهم للتحقيق الميداني، وتحطيم الكاميرات الموجودة في الشوارع القريبة من المنطقة.
اعتقالات وتحقيق ميداني..
وخلال العملية العسكرية، شنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في محافظة طولكرم، وحسب إحصائيات نادي الأسير الفلسطيني في المحافظة، هناك ما يقارب 115 مواطنًا معتقلًا خلال هذا العدوان الأخير على محافظة طولكرم؛ بينهم 8 أطفال.
تدمير 4650 منزلا كليا وجزئيا..
وحسب التقديرات الأولية لمخيمي نور شمس وطولكرم، وبناء على تقارير اللجان الشعبية، هناك ما يزيد عن 650 بيتًا تعرض لتدمير كلي بين حرق وهدم.
في حين أن ما يقارب 4 آلاف منزل تعرض لتدمير جزئي، إضافة لتضرر العديد من مركبات المواطنين ومحلاتهم التجارية، وعرقلة العملية التعليمية في مدينة ومخيمات طولكرم.
توقف التعليم وخسائر اقتصادية..
ونتيجة الحصار المشدد، هناك ما يقارب 2000 طالب في مدارس الأونروا حُرموا من التعليم لأكثر من شهر، بالإضافة لتوقف الخدمات الصحية الخاصة بسكان المخيمين، أما فيما يتعلق بالحركة الاقتصادية فإنها ما زالت معدومة داخل المخيمين بحكم الحصار المشدد.
وكانت الحكومة الفلسطينية كلفت دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير بإدارة ملف الإيواء المؤقت للعائلات النازحة في شمال الضفة الغربية التي بلغ عددها في جنين وطولكرم نحو 5 آلاف أسرة، يُقدَّر متوسط عدد أفراد الأسر بين 4 إلى 5 أفراد، ما يعني أن عدد النازحين يُراوح بين 20 و25 ألفًا.
وأعلن وزير الحكم المحلي الفلسطيني سامي حجاوي، مؤخرًا، عن اجتماع للجنة فنية من عدة وزارات لبدء العمل على إزالة الركام وإصلاح ما دمره الاحتلال في مخيمي طولكرم ونور شمس.
وأشار "حجاوي" إلى أن سلطات الاحتلال أحدثت دمارًا غير مسبوق بمخيم طولكرم، حيث انقطعت المياه والكهرباء والاتصالات، وتدفقت مياه الصرف الصحي إلى الشوارع.