الساعة 00:00 م
الأربعاء 01 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.27 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.99 يورو
3.73 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

في العيد.. زيارة لقبور مفتوحة تنتظر ساكنيها المحتجزين لدى الاحتلال

حجم الخط
الجثامين المحتجزة
الخليل – يوسف فقيه – وكالة سند للأنباء

يحرص الفلسطينيون وأهالي الشهداء منهم، على زيارة قبور أبنائهم بعد أداء صلاة العيد، يجلسون بجوار أحبتهم الذين خبأتهم الأرض في جوفها، يستعيدون ذكرياتهم بالعيد أمام قبورهم، فبجوارهم يجدون متسعاً ومكاناً للحزن، أو عنواناً لمستقر حبيب، وملاذاً يهرعون إليه عندما يزداد الشوق لحبيب رحل.

لكن مهلًا، فهناك من ذوي الشهداء من لا يجدون هذا المتسع، يفقدون ملاذ أبنائهم الأخير، ويتمنون وجوده داخل قبر يحتضن جثمانه، فقبورهم لا زالت فارغة، تنتظر ساكنها، مع استمرار الاحتلال بخرق كل الأعراف الإنسانية باستمرار احتجاز جثامين الشهداء في مقابر الأرقام، حيث لا عنوان ولا اسم واضح للقبر، أو في الثلاجات حيث يزداد الصقيع على أجسادهم، بينما تغلي قلوب أحبتهم شوقًا لعناق أخير.

128 منزلًا وعائلة وأحباب كثر، يفتقدون شهيدهم في العيد، وكل ما يتمنونه قبرًا يحتضنه، ويكون أول من تزوره العائلة صباح العيد، منهم من بنى قبرًا ووضع الشاهد عليه بانتظار تسليم الجثمان، ورغم أنه فارغ، إلا أنهم يحرصون صباح العيد على زيارته، على أمل أن يحل العيد القادم وقد أغلقوا القبر، ودفنوا جزءًا من معاناتهم.

أقدم المحتجزين..

منذ عام 2016، وعائلة وأقرباء الشهيد عبد الحميد أبو سرور من مخيم عايدة في بيت لحم، والمحتجز جثمانه منذ ذلك الحين، يحرصون صباح كل عيد على زيارة قبره المفتوح، ووضع إكليل الورد فوقه، وقراءة الفاتحة على روحه، في تقليد اعتادوا عليه منذ استشهاده، حاملين رسالة تحدٍ وإصرار على المطالبة بجثمانه، كما تقول والدته.

تروي أزهار أبو سرور والدة الشهيد، أن الألم يزداد لدى عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم مع مرور الوقت، على خلاف ما يحدث مع عائلات الشهداء الآخرين ممن دفنوا أبناءهم واطمأنوا عليهم، وتردد: "نحن لم نقدّم الواجب الأخير لهم بدفنهم بكرامة في قبور تليق بتضحياتهم وبما قدموه".

وتتابع حديثها لـ "وكالة سند للأنباء": "مطلب العائلة إنساني حقوقي، وسنواصل المطالبة بعودة الجثامين على المستوى المحلي والدولي، وهو ما يصبرنا قليلاً، لكننا لا نعوّل على جهة رسمية فلسطينية؛ لعدم وجود تجاوب وخطوات تشعرنا بمحاولة إنهاء هذه الجريمة".

احتجاز.jpg
 

وبألم تحكي لنا: "من حقنا أن يدفن ابني بكرامة في مكان قريب منا؛ لتتمكن من زيارته وقراءة الفاتحة على قبره، وأن ألجأ للقبر كلما اشتقت إليه، أشعر أن جسده قريب مني، وأني قمت بواجبي الأخير بدفنه في مكان يستحقه".

وتُشير إلى أنّ "مقابر الأرقام مهملة، توضع الأرقام محاولة للتقليل من قيمة الشهداء وأسمائهم التي يجب أن تزين قبورهم، فهم تاريخ مرحلة، وليسوا أرقامًا كما يريد الاحتلال".

وتقدّمت أم الشهيد لدى جهات حقوقية بطلب لزيارة قبره المحتجز فيه لدى الاحتلال، لكن تم رفضه بحجة أن ذلك يقلل من قيمة الردع، لافتةً إلى أنها تقدّمت بطلب آخر لزيارة قبره على اعتبار أنه أسير لدى الاحتلال.

انتظار محمود.. أسيراً وشهيداً

لا زالت عائلة الشهيد محمود حميدان تنتظر منذ عامين عودة جثمانه، تعيش فصول المعاناة باحتجازه منذ ارتقائه فجر الـ 26 سبتمبر/ أيلول 2021، مع رفيقيه الشهيدين أحمد زهران وزكريا بدوان، خلال اشتباك مسلح شمال غرب القدس.

لم يكن قد مضى شهران على الإفراج عن الشهيد "حميدان" بعد اعتقال دام 6 أعوام ونصف، ليرتقي شهيداً، وتعود العائلة مرة أخرى لانتظار جثمانه، كما انتظرت سابقاً الإفراج عنه من سجون الاحتلال، وتتجدد معاناة الفراق والانتظار.

وتقول عمة الشهيد حميدان والناشطة في لجنة استرداد جثامين الشهداء فاطمة منصور لـ "وكالة سند للأنباء"، إن العائلة تعيش تفاصيل المعاناة منذ ارتقائه، فلم يتم السماح لهم بمشاهدة جثمانه للتأكد من استشهاده، ولا تعلم شيئًا عن ظروف استشهاده واحتجازه.

وتتراكم الأسئلة لدى والدة الشهيد "حميدان" التي لا يجد لها أحد أي جواب، حول كيفية ارتقائه، وتتساءل: "هل كان على الأرض أم في الكيس؟ أم داخل الثلاجة توفي خنقاً؟ وهل قضى وهو ممدد؟ وهل يحتجز بملابسه أم بدونها؟" بل وتذهب للسؤال إذا كان حبيبها يشعر بالبرد في ثلاجة الاحتلال اللعينة؟

وتضيف: "نسمات البرد تلفح وجوهنا قبل قلوبنا عندما نرى الشهداء المحتجزين وهم كتلة من الجليد، فجريمة الاحتجاز تسبب الآلام والأوجاع، ربما أكثر من خبر الشهادة، لكن ذلك لا يشكل أي رادع للعوائل التي تتجمع في المناسبات، رغم ما يتعرضون له من ضغوط".

حملة بدنا ولادنا.jpg
 

ومنذ استشهاده، تزور عائلة الشهيد "حميدان" صباح العيد القبر الذي بني بجوار قبرين آخرين لرفيقي الشهيد في مقبرة قرية بدّو في انتظار عودتهما، على أمل عودة قريبة تنهي جانباً من المعاناة التي حلت بالعائلة.

وتشير "منصور" إلى أن بناء القبور الثلاثة بجوار بعضها البعض، كان بهدف الحفاظ على صداقتهم؛ ولتكريمهم مع بعضهم بعد ارتقائهم، دون توقع احتجازهم، لافتة إلى أن العائلة ترفض وضع أي شروط ومساومات لتسليم جثمان محمود ورفاقه؛ لأنه لا بد من زفافهم وتكريمهم.

وتحرص عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم على حضور لحظات وداع الشهداء الآخرين عند تسليمهم، ليروا حال أبنائهم وصورهم من خلال رفاقهم في الثلاجات، وفي محاولة لخلق صورة عن واقعهم المؤلم.

تعذيب للعائلة..

من جانبه، يقول مدير عام مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان شعوان جبارين، إنه لا منطق أو قانون يتيح سلب الجثامين من شعب تحت الاحتلال، وحتى في حالة الحرب التي لا تنطبق على الوضع الفلسطيني يتم التعامل مع الميت بكرامة.

ويردف: "هناك كرامة للجسد، والنص الأساسي في حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، يؤكد على أن يدفن الشخص كي يحافظ على كرامة المتوفى وفق تقاليد الأسرة الدينية وغير الدينية".

ويعتبر "جبارين" في حديثٍ مع "وكالة سند للأنباء" أن إبقاء الجثامين في يد الاحتلال يشكل تعذيبًا لعائلات الشهداء بدرجة أساسية.

ويزيد أنه "عام 2015 اعتبرت لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة في نقاش لتقرير قدم أمامها، بأن ما يجري من احتجاز الجثامين على النحو الذي تمارسه إسرائيل يرقى إلى مستوى التعذيب للعائلات".

ويلفت ضيفنا إلى تقديم تقارير موازية حول ما يوضّح إبقاء الجثامين ووضعها الكارثي، في ظل غياب تشخيص الجثامين.

ويتساءل: "لماذا لا نعتبر أنهم مفقودون وتم اختطافهم؟، وهذه جريمة أخرى بأن لا يسمح للعائلة أن تشخص الشهداء، ولا معرفة ظروف الاحتجاز، فمن حق العائلة أن تنتدب طبيبًا شرعيًا للمشاركة في التشريح؛ لمعرفة ظروف القتل وحيثياته".

احتجاز الجثامين.jpg
 

ويبين "جبارين"، أن إسرائيل تبقي على الاحتجاز من باب سياسة الانتقام، مشددًا على رفض كل المبررات وعدم والقبول بها؛ لأننا نتحدث عن شهداء مدنيين، وحتى الأسرى يتم الإبقاء على جثامينهم.

وحول ردة الفعل من المؤسسات الحقوقية الدولية إزاء احتجاز الجثامين، يقول: "عندما نتحدث عن الجثامين أمام المؤسسات الحقوقية يرتجف الجميع، فما يحدث غير مستوعب، وكل لقاءاتنا حولت موضوع الجثامين لملف رئيسي مثل الأسرى والشهداء، وهو أمر مزعج ولا يستوعبه أي سياسي أو دبلوماسي.

ويؤكد في نهاية حديثه أنّ "استمرار احتجاز الجثامين له آثار نفسية صعبة على العائلة، بعض الأمهات تشتكي أنها ترى ابنها داخل الثلاجة كلما تفتحها لإعداد الطعام".