الساعة 00:00 م
الأربعاء 08 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.63 جنيه إسترليني
5.22 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.98 يورو
3.7 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

بعد إنجاز 50% منه.. لماذا فكّك البنتاغون الأمريكي ميناء غزة العائم؟

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

بالفيديو الفلسطيني وجدي جودة.. يرث محنة الأسر عن جده ووالده

حجم الخط
وجدي جودة
نابلس - نواف العامر - وكالة سند للأنباء

ككثير من العائلات الفلسطينية، تعيش عائلة "جودة" من بلدة عراق التايه الملاصقة لمدينة نابلس، معاناة الأسر منذ عشرات السنوات، حتى أضحت محنة متوارثة، لا تنفك معاناتها عنهم، حتى تعاود فصولها مع تجربة أخرى.

منذ سبعينات القرن الماضي، بدأت أولى سطور حكاية العائلة مع الأسر، عندما اعتقل الجد، تبعها بسنوات اعتقال ابنه، تلاها اعتقال الحفيد، وجدي جودة، الذي مرّ على اعتقاله حتى الآن 19 عامًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويقضي حكمًا بالسجن لخمسة وعشرين عامًا.

وللاقتراب أكثر من تفاصيلها، زارت "وكالة سند للأنباء" عائلة "جودة"، واقتربت من معاناتهم لتنقل في هذه السطور مشوارها الطويل في سجون الاحتلال.

وبمعاني الفخر، يحدثنا الأسير المحرر عزمي جودة (65 عامًا)، عن اعتقاله الذي سبقه بسنوات اعتقال والده، لتتواصل المعاناة الآن في ظل اعتقال نجله "وجدي".

ويقول لمراسلنا إن "مقاومة الاحتلال ورثتها عن والدي رحمه الله، وأورثتها لابني البكر وجدي، الذي قاد الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في شمال الضفة الغربية قبل اعتقاله في العام 2004".

وقدمت المحاكم العسكرية الإسرائيلية لوائح اتهام لـ "جودة"، أبرزها المشاركة في تأسيس الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية واتهامات بالقتل والشروع به، وعمليات اطلاق نار تجاه الجيش والمستوطنين وتشكيل خلايا عسكرية تعمل ضد الاحتلال .

أما نجله "وجدي"، وهو الأول بين خمسة أشقاء وستة إناث، فقد تدرّج في العمل التنظيمي في إطار الجناح الطلابي لـ "الديمقراطية"، وصار رئيسا لمجلس طلبة كلية الروضة بنابلس عام 1998، قبل أن يلتحق بالعمل العسكري مع اندلاع انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية 2000) .

محنة متوارثة..

يسرد "أبو وجدي" لـ "وكالة سند للأنباء": "كانت بدايتنا باعتقال والدي نهاية سبعينيات القرن الماضي، وكنا نزوره في سجن نابلس، وما لبث أن أفرج عنه لتنقلب الحال ويصبح هو من يزورني في الأسر".

ويكمل: "كبرنا وكبر الأبناء، وأصبحت أزور ابني البكر في سجنه منذ 19 عامًا، وهو يعد الآن أحد قادة الحركة الأسيرة".

وعند اعتقال "وجدي"، أمضى ثلاثة شهور في مركز تحقيق الجلمة وبتاح تكفا، وعن تلك الفترة يحدثنا والده: "تلك الفترة ضغطت على تفاصيل حياتنا بشكل كبير، كونه اعتقل كمطارد ولا نعرف أي شيء عن وضعه، ولم تكن تقل بتأثيرها علينا كما الـ19 عاما بمجملها" .

ينظر لصورة نجله المعلقة داخل مكتب الجبهة في مدينة نابلس، ويتابع حديثه: "لأنه البكر، فقد ترك اعتقال وجدي فراغا ملموسا وتحديدا على والدته التي طالما بثت له معاني الصمود، وساهمت برفع معنوياته ورفاقه مع كل زيارة أو جلسة محاكمة له".

ولم يكتف الاحتلال بما عانته العائلة جراء اعتقالات أبنائها، فأقدم في التاسع من تشرين الثاني/ يناير 2004، على حصار عراق التايه، ومداهمة منزل العائلة المكوّن من ثلاث طوابق، وهدموا أجزاءً كبيرة منه، إلا أنهم تمكنوا من إعادة ترميمه؛ ليعود أفضل مما كان، تبعًا لما جاء في كلام ضيفنا.

وبنبرة فخر يحكي عن المساندة الشعبية آنذاك: "صحيح أنهم هدموا وخربوا المنزل، لكن شعوري بأن بيوت كل الفلسطينيين كانت بيتي شكّل رافعة معنوية لنا وهزيمة تصفع المحتل(..) نحن شعب واحد ولا يخذل أسراه وعائلاتهم".

وحُرم "وجدي" منذ اعتقاله قبل 19 عامًا، من وداع العديد من أقاربه ممن رحلوا عن الدنيا، فقد توفي أجداده وجداته وأعمامه، كما حرمه السجن من مشاركة أشقائه الأربعة وشقيقاته الستة الفرح والكثير من تفاصيل الحياة.

وحسب والده، فقد كان "وجدي" من قيادات الحركة الأسيرة التي وقفت خلف الإضراب عن الطعام خلال الأعوام 2012 و2014 و2017، وتعرض إثر ذلك للعزل.

وخلال سنوات اعتقاله الطويلة، تعرّض "وجدي" للمنع من الزيارات وفرض عقوبات مختلفة عليه، كان آخرها يوم الثامن عشر من آب/ أغسطس الجاري، وفق والده، معقبًا: "واجه وجدي كل ما تعرض له في سجنه بقوة وعناد، فسنوات اعتقاله التي قاربت العشرين عامًا لم تغيّر منه سوى لون شعر رأسه بالأبيض".

إنجاز دراسي..

أما "جيفارا" شقيق "وجدي"، فيتحدث بفخر عن شقيقه الأسير، قائلًا: "كان وجدي واحدًا ممن شاركوا في صياغة وثيقة الأسرى في سجون الاحتلال مع قيادات الحركة الأسيرة، إضافة لمشاركاته في الإضرابات والوقوف ضمن لجانها ولجنة الطوارئ التي تقود الإضرابات لتحقيق مطالب الأسرى".

وتمكن "وجدي" خلال سنوات الاعتقال من نيل شهادتي البكالوريوس والماجستير إضافة للدبلوم والبكالوريوس قبل اعتقاله، فيما نشر مقالات متخصصة في السياسة الفلسطينية الداخلية والصراع مع المحتل، والتطبيع، والقضايا الدولية الساخنة بين الولايات المتحدة وروسيا، ودراسات بحثية متخصصة في مجلات مختلفة.

وعن شوق الأم لابنها، تقول والدة "وجدي" بصوتٍ رقيق يغمره الشوق: "وجدي هو نفَسي الذي أحيا به ولا أستغني عنه، ولا يغيب عني أبدًا".

وتصف حالها عند بداية اعتقاله: "الشهور الأولى كانت ثقيلة على قلوبنا كثقل الجبال، لم نكن نعرف طعم الطعام أو الشراب، لكن الصبر والثقة بالله كان دواءً لقلوبنا".

وبنبرة فخر تتابع: "ربّيت سَبع وبطل، وعندما أزوره وأرى طلته عليّ يزول الهم والغم من ابتسامته، (..) النصر قريب والفرج أقرب، والسجن ما بيكسر الرجال".

وخلال زيارتها لنجلها، تبُث الأم معنويات القوة لابنها، وتردد: "لا يرى ابني مني إلا القوة والثبات، أناديه في كل زيارة: ولا يهمك يا حوت إنت سبع، ويرد علي، فيرد عليّ بكلماته الحنونة: يا روحي لا تخافي عليّ، زي ما بتعرفيني ما بتغير (..) تربايتك أنا".

شخصية وحدوية..

من ناحيته، يستذكر عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية محمد الدويكات الأسير وجدي جودة ويقول: "عرفنا وجدي عن قرب من بداياته الأولى في الدراسة والعمل الطلابي والتنظيمي، كان حريصا على الاطمئنان عن الرفاق في الأسر وعائلاتهم".

ويضيف "دويكات" في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "شكّل وجدي صمّام أمان وعامل وحدوي لمن عايشهم وعايشوه قبل المطاردة وخلالها وفي الأسر أيضًا، ولا يزال الذين عرفوه في سنوات وأيام المحنة يذكرونه بصفات الإنسانية، عدا عن قدراته التنظيمية والوحدوية".

ويختم الدويكات وهو يشير لصور الشهداء والأسرى التي زينت جدران مكتب الجبهة: "صحيح أن وجدي لم يقضي شهيدا، لكننا نفتقده، وهو من عُرف ببصماته الحياتية والعملية، والجرأة التي ميزته عن أبناء جيله".