عمّق الاجتياح البري الإسرائيلي لمدينة رفح جنوبي قطاع غزة قبل أيام، ونزوح آلاف المواطنين وإغلاق معبر رفح ومعبر "كرم أبو سالم" أمام دخول شاحنات المساعدات في تعميق الأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع، من حيث النقص الحاد بالمواد الغذائية وأزمة المواصلات وغاز الطهي وإغلاق المخابز، وكذلك ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير وملحوظ.
وأعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في بيان لها، أن نحو 450 ألف شخص نزحوا قسراً من رفح في جنوب قطاع غزة، في حين قالت منظمة "يونيسيف" إن العمليات الإنسانية التي تمثّل شريان الحياة الوحيد لجميع السكان في جميع أنحاء القطاع مهددة، لافتة إلى أنها تواجه تحديات متزايدة في نقل أي مساعدات إلى قطاع غزة في حين لا يزال نقص الوقود يمثل مشكلة حرجة.
أزمة مواصلات
وعلى شارع صلاح الدين، أمام مدخل مخيمي البريج والنصيرات بالمحافظة الوسطى يصطف عشرات المواطنين قرابة أكثر من ساعة في انتظار وسيلة مواصلات للتنقل، بعد اشتداد أزمة الوقود في قطاع غزة وشحه في محطات التعبئة، خاصة بعد الاجتياح البري لمدينة رفح وإغلاق المعبر.
ويقول المواطن محمد خليل، إنه منذ ما يقارب نصف ساعة وهو ينتظر وسيلة نقل للذهاب هو وزوجته لمستشفى شهداء الأقصى للمراجعة الطبية بعد أن أصيبت قبل حوالي شهر جراء قصف إسرائيلي لمنزلهم.
ويضيف خليل في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أنه تمكن من الوصول بعد عناء عبر ما يسمى "مايكروباص" والمخصص لحمل 14 راكباً فقط، ولكن بسبب الأزمة الشديدة يتم تحميل ما يقارب 20 راكباً، مشيراً إلى أن العديد من المواطنين أصبحوا يلجؤون لركوب العربات التي تجرها الخيول والحمير، والمعروفة باللهجة العامية باسم "الكارو" بسبب أزمة الغاز والوقود.
ولا يختلف الحال كثيراً عن حال المواطن ماهر أبو شاويش، والذي تعرض ابنه لكسر بالقدم، حيث اضطر لحمله في كابينة السيارة الخلفية رغم إصابته، لعدم توفر حلول أخرى في ظل الأزمة الخانقة.
غلاء الأسعار
ويشهد قطاع غزة، ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار بعد موجة نزوح المواطنين من مدينة رفح إلى مدينة خانيونس والمحافظة الوسطى بعد انخفاض بسيط طرأ خلال الأسابيع الماضية، الأمر الذي أثار استياء وتذمر عدد من المواطنين.
ووصل سعر كيلو السكر إلى 40 شيكلاً بعد أن كان يباع بـ8 شواكل، ولتر السيرج لـ15 شيكلاً بعد أن كان بـ10 شيكل، كما وصل سعر كيس الطحين إلى 50 شيكل بعد أن وصل إلى 20 شيكل، ووصل سعر وقية القهوة إلى 60 شيكلاً بعد أن وصلت لـ30 شيكل، فيما ارتفعت أسعار العديد من السلع الأخرى وخاصة الخضروات، في حين انقطعت جميع أنواع اللحوم والدواجن في القطاع منذ إغلاق المعبر وتوقف دخول الشاحنات.
أزمة خبز
وبدا واضحاً أزمة توفير الخبز لسكان القطاع، مع اشتداد أزمة الغاز وإغلاق معظم المخابز أبوابها التي كان المواطنين يعتمدون عليها بصورة كبيرة، حيث وصلت سعر الربطة إلى 15 شيكلاً بعد أن كانت تباع بـ5 شيكل فقط.
هذه الأزمة الشديدة، دفعت بالعديد من ربات المنازل للجوء إلى الخبز البيتي على أفران الحطب في الوقت الذي وصل فيه سعر كيلو الحطب إلى 4 شواكل بعد أن كان يباع بـ1.5 شيكل، أو إرسال العجين لخبزه على الحطب مقابل أجر مادي.
وتقول السيدة سلوى محمد، إنها باتت ترسل أبنائها منذ الصباح الباكر للبحث في الشوارع أو فوق ركام المنازل المدمرة لإحضار الحطب لتقوم بطهي الخبز وإعداد الطعام لهم.
وتضيف سلوى في حديثها لـ"وكالة سند للأنباء"، أنه رغم القصف في بعض الأحيان والخطر ترسل أبنائها مضطرة أحياناً إلى المناطق الشرقية لإحضار الحطب من بعض الأراضي التي جرى تجريف الأشجار بها وإحضار ما أمكن من الحطب.
تحذيرات ومناشدات
من جانبه، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي سلامة معروف، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل احتلال وإغلاق معبر رفح، ويمنع إدخال المساعدات من معبر كرم أبو سالم.
وأضاف معروف في تصريح صحفي، قبل أيام، أن الاحتلال الإسرائيلي منع خروج آلاف الجرحى لتلقي العلاج في الخارج؛ ما ينذر بكارثة إنسانية جديدة وفقدان مئات المرضى والجرحى حياتهم لعدم توفر الأدوية اللازمة وعدم قدرة المراكز الصحية المتبقية للتعامل مع احتياجاتهم الطبية، وأيضا تفاقم أزمة الأمن الغذائي ووصولها لحالة المجاعة في كافة أنحاء القطاع المحاصر.
بدورها، قالت جمعية الهلال الأحمر، في بيان، أن منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يعني أن المجاعة باتت وشيكة مع اقتراب نفاد مخزون الطعام، مشددة على أن ذلك يعد مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني الذين ينص على أن السلطة القائمة بالاحتلال يقع على عاتقها وحدها تأمين وتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان القابعين تحت الاحتلال وليس فقط السماح بدخولها.
وناشدت الجمعية المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية الدولية التدخل العاجل والضغط على سلطات الاحتلال لفتح المعابر، خاصة معبر رفح، والسماح بتدفق سلس ومستدام وكاف للمساعدات الإنسانية بشكل دائم ودون شروط أو قيود، بما يضمن إيصالها للمواطنين المحتاجين في شتى أرجاء القطاع.