قال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، إن الشعب الفلسطيني أسقط كل المؤامرات وأجهض كل المخططات الماكرة الخبيثة، وثبت وصمد في كل مكان، وإن المحتل ما زال بعد ٧٦ عاما من النكبة يعيش الرعب وخطر الوجود، ويصارع بكل وحشية من أجل البقاء.
وأضاف هنية، في كلمة مصورة بمناسبة الذكرى الـ76 للنكبة الفلسطينية، اليوم الأربعاء، "أمام الهجمة الصهيونية الواسعة وأمام الصمود البطولي الذي غير وجه المنطقة وأعاد ترتيب أولويات وأجندات العالم، نقول لكم نحن واثقون بأن هذا العدوان سوف ينكسر وسيندحر عن أرضنا مهما طال الزمن".
وتابع "إن دم الشهداء والجرحى وعذابات الأسرى وأعباء النزوح واللجوء كل ذلك لن يضيع سدى بإذن الله، وإنه لابد أن نكون يدا واحدة وصفاً واحداً في وجه العدو".
وأشار هنية إلى أن الاحتلال أرادها نكبة تقضي على الشعب الفلسطيني وتنهي قضيته المقدسة، "فإذا قضية فلسطين حاضرة قوية في وعي شعبنا وأمتنا وأحرار العالم ولم تطوها سنوات النكبة واللجوء، وإذا بشعبنا تحمل أجياله المتعاقبة الراية في كل زمان ومكان".
ونوه هنية معركة "طوفان الأقصى" التي قال إنها اجتاحت القلاع الحصينة، وأذلت -وما زالت- الجيش الذي قيل إنه لا يقهر، مضيفا "ولقد رأينا كيف يتصرفون محاولين التغطية على فشلهم وعارهم بالمجازر والقتل والتنكيل، وانهارت صورتهم التي حاولوا رسمها، فإذا العالم كله يراهم على حقيقتهم التي بدؤوا بها نكبتنا عام ٤٨".
مقترح الوسطاء
وأكد هنية أن "حماس"، ومنذ بداية العدوان على غزة لم تدخر جهدا لوقفه ووقف الإبادة الجماعية بكل الوسائل، وتعاطت الحركة بإيجابية مع جهود الوسطاء، واستجابت بكل مسؤولية وحرص لمحاولات مصر وقطر الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وأشار إلى إعلان الحركة مؤخراً موافقتها على المقترح المقدم لنا من مصر وقطر، والذي كان بعلم الإدارة الأمريكية ومتابعتها، غير أن الاحتلال رد على المقترح باحتلال معبر رفح والسيطرة عليه، والبدء الفعلي بالعدوان على رفح، والدخول إلى مخيم جباليا وحي الزيتون.
وأكد أن الاحتلال أدخل تعديلات على المقترح المقدم، وضعت المفاوضات في طريق مسدود.
وبين هنية أن سلوك الاحتلال مع المقترحات المتعددة يؤكد نواياه المبيتة بالاستمرار بالعدوان والحرب وهو لا يأبه لأسراه ولا لمصيرهم.
وأضاف "مراوحة العدو في المكان ومحاولاته المتكررة لقضم موقف فصائل المقاومة، ورفض التعاطي مع منهجية المرونة التي أبدتها الحركة خلال الشهور الماضية، وإصراره على المضي في احتلال معبر رفح وتوسيع العدوان على رفح وغيرها من المناطق، يضع المفاوضات برمتها في مصير مجهول".
وقال إن الحركة ستواصل مساعيها لوقف هذا العدوان بكل الطرق والوسائل الممكنة، وإن أي مسعى أو اتفاق يجب أن يضمن وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الشامل من كل القطاع، وصفقة حقيقية لتبادل الأسرى، وعودة النازحين، والإعمار، ورفع الحصار.
وانتقد هنية التصريحات الأمريكية الأخيرة، التي تهدف إلى تحميل حركة "حماس" مسؤولية توقف مفاوضات وقف العدوان، مع علم الإدارة الأمريكية نفسها بالإيجابية التي تحلت بها الحركة والتي انعكست على موقفها الأخير.
وقال إن تلك التصريحات "تؤكّد من جديد انحياز الموقف الأمريكي إلى العدو، والاستمرار في منحه الغطاء السياسي والدعم العسكري لحرب الإبادة التي يشنّها ضد شعبنا".
وأشار إلى أن الحركة على تواصل مع المسؤولين في مصر بشأن ما قام به الاحتلال في رفح، خاصة إعادة احتلال معبر رفح.
وقال: "نحن متوافقون على ضرورة أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من المعبر فوراً، كما أنه لا يحق للعدو التدخل في كيفية إدارة المعبر بل هو شأن فلسطيني داخلي، ونحن سنديره وفق الأصول المعمول بها".
اليوم التالي للحرب
وتطرق هنية في كلمته، إلى ما يطلق عليه "اليوم التالي للحرب"، ومواقف الاحتلال بشأن إدارة الوضع في غزة، والقول بإخراج حركة "حماس" من المشهد، مؤكدا "ونحن نقول بأن حركة حماس وجدت لتبقى".
وبين هنية أن إدارة القطاع بعد الحرب سوف تقرر فيه الحركة مع الكل الوطني، مستندة في ذلك إلى المصالح العليا لأهالي غزة والتسهيل عليهم في كل ما يتعلق بمرحلة ما بعد الحرب، وإلى الرؤية الوطنية الناظمة لوحدة الضفة والقطاع.
ولفت إلى أن إدارة قطاع غزة بعد الحرب كان في صلب الحوار الوطني الفلسطيني الذي انعقد في موسكو، وفي اللقاء الثنائي مع حركة "فتح" الذي انعقد مؤخراً في الصين، وكذلك في اللقاء مع قيادة حركة "الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية" في إسطنبول، واللقاءات التي تمت مع التيار الإصلاحي الديمقراطي، مؤكدا مواصلة المشاورات مع جميع الفصائل والشخصيات الفلسطينية.
ودعا هنية إلى تلاحم الصفوف مع غزة في كل مدن وقرى الضفة الغربية وفي الداخل المحتل، وأن تهب في وجه الاحتلال، وأن يتحرك الشعب الفلسطيني في كل الساحات وكل أماكن الشتات واللجوء إلى تصعيد المواجهة لوقف هذا العدوان، ولإنجاز مشروع التحرير والعودة.
ملف الأسرى
وتناول هنية ملف الأسرى خلف القضبان مذكرا بأنهم يواجهون أشرس حملة اضطهاد على يد الحكومة الإسرائيلية التي تنكل بهم ليل نهار وتحرمهم من أدنى حقوقهم الإنسانية فضلاً عن أشكال التعذيب والإهمال الطبي.
وقال: "تكشفت للعالم ممارسات الاحتلال الإجرامية في مراكز الاعتقال السرية التي يتم فيها ارتكاب كل أنواع الفظائع والجرائم والتعذيب الجسدي والنفسي والإعدامات بحق أبناء غزة المعتقلين".
وبين أن الحركة أعدت ملفاً حول الاعتداءات على الأسرى، وبدأت بإيصاله إلى الدول والمؤسسات الإقليمية الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان.
ووجه هنية التحية للأسرى، وقال: "أقول لأسرانا البواسل إن مع العسر يسرا، وإن فجر الحرية لآت، وإن طوفان الأقصى سيحقق لكم الحرية بإذن الله".
وأشاد هنية بما تقوم به جبهات المقاومة "التي تكتب العهد مع فلسطين بمداد الدم"، في الجنوب اللبناني واليمن والعراق، مقدّرا الضربة التي وجهتها إيران إلى الاحتلال والتي "أظهرت حاجة هذا العدو إلى من يحميه".
ودعا هنية كل شباب الأمة للمشاركة في "هذا الطوفان الهادر" نصرة للقدس وغزة وفلسطين، وثمّن كل المواقف التي تساند الشعب الفلسطيني وتدعم حقه في الحرية والعودة والاستقلال وفي وقف العدوان على غزة.
وبارك القرارات التي اتخذتها تركيا بوقف الحركة التجارية مع دولة الاحتلال والانضمام إلى الدعوى المقدمة إلى محكمة لاهاي الدولية، وكذلك موقف مصر وليبيا بالانضمام أيضاً إلى هذه الدعوى.
ولفت إلى المشهد غير مسبوق لتحرك طلاب الجامعات في العالم دعماً للقضية الفلسطينية وتضامناً مع أهل غزة، وتبني مطالب الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة، ومطالِبة بإيقاف حرب الإبادة الجماعية في غزة ووقف تصدير السلاح للاحتلال ووقف استثمارات جامعاتهم في "إسرائيل".
وقال إن غزة "أضحت أيقونة شباب العالم في كل التحركات"، و"أسقطت السردية الصهيونية، وكشفت حقيقة هذا المحتل وطبيعته الدموية".
وأضاف: "إنها غزة التي وحدت الأمة مجدداً حول فلسطين، وجسدت وحدة الجبهات في محور المقاومة وأطلقت العنان لكل المشاعر المحبوسة والمكبوتة ومنحت الأفق واسعاً أمام إعادة صياغة التاريخ ورسم خرائط الجغرافيا السياسية".