بعينين ذابلتين، وجيوب أرهقتها آلة الحرب التي أكلت "الأخضر واليابس"، تسير السيدة خالدة أبو وادي بقدميها المثقلتين بين بسطات البضائع وضجيج التجار دون أن تقوى على شراء أي نوع من الفاكهة لأطفالها الصغار؛ لتعيد لأجسادهم الهزيلة بعضاً من صحة، أو حتى شراء بعض الخضراوات لقوت يوم!
"والله ما احنا قادرين نشتري أي شيء من هالسوق، بنمشي نتفرج على الناس وبنرجع فاضيين، والله ما بينفع فيهم غير تقاطعهم"، بهذه الكلمات عبَّرت السيدة "أبو وادي" عن بؤسها من غلاء الأسعار الفاحش، مطالبةً بخفضها حتى يتسنى للمواطنين شراءها.
تقول "أبو وادي": "الحال على كل الناس ولو تركنا التجار وما اشترينا، رح يبيعونا البضاعة بسعر التراب"، مضيفة أن مقاطعة التجار هو الحل الذي سيؤتي أُكُلَه ولو بعد حين، خاصة ما يواجه البضائع من حرارة الصيف المستعرة التي ستسرِّع فسادها.
قاطِع..
ويواجه أهالي قطاع غزة ظروفاً معيشيةً واقتصاديةً صعبة، نتيجة العدوان المستمر على القطاع منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023 الماضي، بدءاً من الحرب والفقد والدمار، مروراً بالأزمات النقدية والاقتصادية والاجتماعية، إلى أن وصل الحال لارتفاع أسعار البضائع بشكل فاحش مبالغ فيه.
وأطلق عددٌ كبير من أهالي القطاع حملةً سلمية لمقاطعة التجار الذين يساهمون في زيادة عبء الحرب على غزة، ليتسنى لهم شراء احتياجاتهم بأسعار معقولة، خاصةً أنه يتم استيراد البضائع بأسعار منخفضة ودون جباية أو ضرائب.
فهذا السيد سلمي عودة أحد النازحين من شمال قطاع غزة إلى وسطه، يعبر عن فرحه عندما سمع بإعادة فتح المعبر التجاري لدخول البضائع، لكن فرحته كانت ممزوجة بالغصة المعتادة "الأسعار خيالية".
ويضيف "عودة": "أطفالي يحبون فاكهتي المانجا والموز، لكن أسعارها كانت مرعبة وصلت إلى 60 شيكلاً، و40 شيكلاً على التوالي لكليهما للكيلو الواحد".
"ستؤتي أُكُلها"..
ويتابع: "دخلت في حملة المقاطعة التي تحدث عنها الكثير، وما هي إلا أيام وانخفض سعر كيلو المانجا من 60 شيكلاً إلى 40 للكيلو الواحد، أما الموز فقد وصل سعر الكيلو الواحد 7 إلى 10 شواكل".
ويردف، رغم أن الأسعار حتى بعد المقاطعة ما زالت مرتفعة إلا أنها "أهوَن"، وإذا واصلنا مقاطعة جشع التجار سنصل إلى الأسعار الطبيعية، خاصة الفواكه التي لا تتحمل حرارة الصيف، والمجمدات التي تحتاج إلى برودة وكهرباء.
وخلال جولة سريعة نفذها السيد سامي أبو شمالة في سوق النصيرات، لاحظ، على حد قوله، أن التجار قاموا باستيراد أسوأ الخضروات والفواكه وأغلبها يصل لدرجة البضائع الفاسدة، ليتبادر لذهنه أن هذه الخضروات والفواكه كانت مجهزة لـ "الإتلاف وليس للاستيراد".
ويقول "أبو شمالة" لـ "وكالة سند للأنباء"، إن الامتناع عن شراء أي منتج ينزل إلى السوق خلال الأيام الخمسة الأولى، سيُفضي إلى عودة الأسعار لمستوياتها المعقولة في اليوم السادس.
وأضاف أن "التاجر الجشع يراهن بالعادة على تحقيق الربح باستراتيجية الضربة الأولى، فلنجعلها ترتد صفعة في وجهه".
ويبين أن جزءاً من الثقافة العربية يتمثل بكَون وجبة غداء الجمعة تحتوي على اللحوم، وذلك لانشغال الناس بأعمالهم طوال الأسبوع وانشغال الأطفال في مدارسهم باقي أيام الأسبوع، أما وقد تشابهت الأيام الآن، فبالإمكان محاربة غلاء أسعار اللحوم من خلال اعتماد الوجبة الرئيسية ليوم آخر.
"كمين السعر المرتفع"..
ويرى "ضيف سند" أنه في هذه الحالة سيتجنب المواطن الوقوف في طابور طويل، ويتجنب كذلك الوقوع في كمين السعر المرتفع.
ويستكمل أبو شمالة: "توجيه النصح والنقد للتجار غير مجدي فهم مستفيدون ماديا، لذلك فان النصيحة والنقد يجب أن تُوجه للمواطن المتضرر".
ولم تفُت حملة المقاطعة الشاب خليل سليم، فيشدد على ضرورة أن تكون الخطوات في هذه الحملة واضحة، مبيناً أن أهالي قطاع غزة لم يعتادوا على هذا الحراك، "فيجب أن نتحد كلنا ضد تاجر واحد كبير منهم ونقاطعه فينهار"، وفقاً لقوله.
ويرى "سليم" أنه لا يمكن للمواطنين مقاطعة جميع المنتجات دفعة واحدة، فتبدأ المقاطعة للتاجر الأول ضارباً مثلاً أن "4 أيام مقاطعة لتاجر الدجاج المجمد، سترغمه على خفض سعره للسعر الطبيعي، حينها يجب على الناس ألا يشتروه، ولو وزعه في الشارع مجانا، لتفسد كل بضاعته، وليخسر مرة، وليشعر أن الناس ستعاقبه".