تتنافس الأحزاب والجماعات الإسرائيلية المتطرفة فيما بينها، لإظهار أطماعهم الاستيطانية في قطاع غزة ونوايا التهويد علنًا بعد تهجير أهله منه؛ تحت قوة النار وسياسات التجويع والتشريد والتدمير المنهجية، التي تجعل من غزة بيئة طاردة لسكانها.
فمنذ بداية حرب الإبادة، وتحديدًا مع بدء التوغل البري في 27 أكتوبر/ تشرين أول 2023، سيطر جيش الاحتلال على 26% من مساحة قطاع غزة، وتتنوع عملياته في المناطق التي يسيطر عليها، من توسيع لقواعد عسكرية، إلى إنشاء بنى تحتية، وشق طرق.
إلى جانب ذلك، يرتكب جيش الاحتلال جرائم إبادة وتطهير عرقي، مع فرض حصار كامل ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى أكثر من منطقة بالقطاع، لتهجير السكان قسرًا تنفيذًا لخطة "الجنرالات"، ومعها ارتفع منسوب طموح اليمين المتطرف في "إسرائيل" بعودة الاستيطان إلى القطاع.
وأنجزت حركات استيطانية مخططات هندسية لمشاريع بناء في غزة.
إلا أنّ سياسيين عبرّوا عن "سخف تحقيق الفكرة" مبدئيا للجمهور الإسرائيلي؛ بما يرافقها من تحديات أمنية لا تزال تمثل المعضلة الأكبر والأضخم لدى المؤسسة الأمنية، في إعادة احتلال غزة.
وقال الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية اللواء واصف عريقات، إنّ الدفع نحو إعادة الاستيطان في قطاع غزة أمر مستبعد، لأنّ الأمن الذي يبحث عنه المستوطنون بشكل أساسي غير موجود.
وأوضح عريقات في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" أنّ الجيش الإسرائيلي احتل محور "نتساريم" وسط قطاع غزة ووسع طوال الأشهر الماضية مساحته وزوده بأحدث التقنيات العسكرية والأمنية، على اعتبار أن تكون نقطة هجوم على التجمعات الفلسطينية، لكن ذلك لم يحدث.
وأشار إلى أنّ المحور تحوّل لبؤرة دفاع عن الجنود المقاتلين في الميدان، مضيفًا "بعد عام ونيف لا تزال المؤسسة الإسرائيلية تتحدث عن انتحار أمني في تلك المنطقة الأكبر والأوسع في المناطق العملياتية الإسرائيلية؛ رغم ما تقوم به دولة الاحتلال من استيلاء على الأراضي وإنشاء محميات عسكرية غير مسبوقة حولها".
ومع ذلك؛ لم ينجح الجيش لهذه اللحظة؛ في الإجابة على سؤال حول موثوقية الأمن في تلك المنطقة؛ فكيف إذن سيتحقق بالنسبة للمستوطنين؟ يتساءل عريقات.
ولفت الخبير العسكري أيضا لتجربة السابع من أكتوبر؛ التي لا تزال تمثل حالة أرق لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية؛ التي تتحدث عن إخفاقات استراتيجية تعرضت لها مستوطنات الغلاف حتى مساحة40 كيلو مترًا على بعد غزة.
وأكد أنّ "النظرية الوحيدة الجاذبة للمستوطنين تتمثل في الأمن؛ وحتى يومنا هذا لم يستطيعوا العودة لمناطق الغلاف بشكل طبيعي؛ ولا حتى لمناطق شمال فلسطين المحتلة؛ فكيف إذن سيعودون لمناطق قتالية تدرك المؤسسة العسكرية استحالة تحقيق الأمن فيها".
وتحدث عريقات؛ عن مفهوم المناكفة السياسية والطموح الأرعن الذي يعبر عنه اليمين المتطرف؛ والذي لن يتجاوز حدود بعض المغامرات؛ التي سرعان ما ستذوب في مهدها؛ لمعرفة الجيش الإسرائيلي أنه لا يزال غارقا في وحل غزة، ووجود المستوطنات يعني المزيد من الغرق.
استهلاك إعلامي..
في السياق ذاته، اعتبر المحلل والمختص في الشأن الإسرائيلي علي الأعور أنّ الدعوات المتطرفة للاستيطان في القطاع "استهلاك إعلامي" يتلقفه إعلام المستوطنين ويُضخم من حقيقته، بينما المقاومة في غزة لا زالت حاضرة وتتصدى للاحتلال.
وقال الأعور في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء"، إنّ آخر استطلاعات الرأي أكدت أنّ الجمهور الإسرائيلي يرفض الاستيطان بغزة، ويرفض وجود الجيش هناك لحماية المستوطنين وأفكارهم التوراتية.
وأضاف أنّ الدعاية التي تبثها "الصهيونية الدينية" المهتمة بالاستيطان، ومعها المنظمات المتطرفة تدرك جيدا أن إقامة المستوطنات يحتاج مليارات الشواقل، كما تحتاج أعدادًا كبيرة من القوى الأمنية والجيش لتوفير الحماية للمستوطنين، في وقتٍ لا تزال المقاومة موجودة وقادرة على الصمود أكثر في وجه أكبر غطرسة عسكرية.
ورأى أنّ سلوكيات المستوطنين ومخططاتهم التي أعلنوا عنها ووصلت حد تغيير أسماء الأحياء السكنية في غزة هي بمثابة "أوهام"، فغزة لم تكن يومًا ضمن مشروع الاحتلال الاستيطاني، موضحًا أنّ العيون الإسرائيلية متجهة على الضفة الغربية لأهداف أمنية واستراتيجية، منها استغلال مواردها الطبيعية وتأمين تل أبيب.
فرصة للمقايضة..
بدوره وصف عضو المكتب السياسي لحركة أبناء البلد في الداخل المحتل لؤي الخطيب؛ ما يجري الحديث بشأنه حول إعادة الاستيطان بغزة؛ بأنه "مغامرة إسرائيلية مجنونة يقودها يمين متطرف يقود مقاليد الحكم بشكل مطلق في الكيان الإسرائيلي".
وقال الخطيب إنّ الخطاب الغوغائي من الوزيرين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير يشكل رصيدهما الشعبي بين قوى اليمين المتطرف؛ التي تقود المشهد؛ فيما يراه غالبية أخرى من الإسرائيليين على أنه انتحار حقيقي؛ مستدلا على تصريحات وزير الحرب السابق موشيه يعالون مؤخرًا الذي دعا لوقف الحرب في غزة.
وأشار في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" إلى أن هذه الخطابات هدفها دغدغة عواطف الشارع اليميني المتطرف؛ ومحاولة الخروج بصورة وهمية للنصر بعد عامين من المعركة.
مع ذلك، لا يستبعد أن يكون ذلك محاولة إسرائيلية للمقايضة بين الاستيطان في قطاع غزة، والحصول على مكاسب من الإدارة الأمريكية بتعزيز الاستيطان وحسم المشروع الإسرائيلي في الضفة الغربية التي تعهد "سموتريتش" أن يكون 2025 عام السيادة الإسرائيلية عليها.