الساعة 00:00 م
الجمعة 06 يونيو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.74 جنيه إسترليني
4.93 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4 يورو
3.49 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

النساء الحوامل في الحرب.. مواجهة يومية مع نقص الغذاء وتهديد مستمر للحياة

غزة في قلب نهائي دوري أبطال أوروبا 2025

بالصور النساء الحوامل في الحرب.. مواجهة يومية مع نقص الغذاء وتهديد مستمر للحياة

حجم الخط
النساء الحوامل في غزة
غزة - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

تمضي النساء الحوامل في غزة أيامهن وسط عجز غذائي حاد، لا يجدن فيه ما يسدّ حاجتهن ولا حاجة أجنةٍ تنمو بأجساد ضعيفة وأحشاء خاوية، وينعدم الحديد، ويتراجع مستوى البروتينات، وتغيب الخضروات والفواكه من الموائد كما تغيب الرعاية الطبية من المراكز المدمرة.

بعضهن يجهضن حملًا تلو آخر، وبعضهن يكابدن من أجل الحفاظ على نبضٍ صغير، في ظل ظروف قاسية يختلط فيها الجوع بالتعب، والحياة بالاختناق من دخان النار المشتعلة بالبلاستيك والنايلون.

"وكالة سند للأنباء" تحدّثت مع نساء فقدن أطفالهن، وأخريات يحاولن النجاة بحملهن وسط هذا الخراب اليومي، رَوين تفاصيل المعاناة بين خيام النزوح، حيث لا سرير يُريح الجسد، ولا غذاء يُقوّيه، ولا دواء يُرمم ما تهدّم في الداخل، قصصهن ليست أرقامًا ولا إحصاءات، بل وجوهًا منهكة، وأيديًا تتشبث بالحياة رغم كل شيء.

ووفقًا لما أعلنه المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، تم تسجيل حوالي 300 حالة فقدان للأجنة بين النساء الحوامل خلال فترة الإغلاق الإسرائيلي المستمر لمعابر قطاع غزة.

ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى النقص الحاد في العناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها الحوامل لضمان استمرار الحمل وسلامة الجنين، مما يعكس الأزمة الإنسانية الخطيرة التي تواجهها النساء في ظل هذا الحصار.

"دوخة وتعب مستمر"..

"أشعر دائمًا بالدوخة والتعب"، تقول فتحية ساق الله، وهي امرأة حامل تعاني من انخفاض ضغط الدم، وتحتاج إلى غذاء صحي ومتوازن، لكن الحرب حوّلت هذا المطلب الأساسي إلى حلم بعيد المنال، لا تجد ما يسدّ رمقها، وتكافح يوميًا لتأمين وجبة بسيطة لا تسد جوعًا ولا تغني من ضعف.

تفتقر فتحية إلى الطعام والمواد الغذائية، والأسواق شبه خاوية، وإن توفّر شيء منها، فأسعاره تفوق قدرتها بكثير، ما تستطيع تأمينه في يومها لا يتعدى بعض الخضراوات كالبندورة والخيار والبطاطس، أما اللحوم والأسماك فباتت من الكماليات التي لا تجرؤ على التفكير فيها.

وفي ظل انقطاع الغاز والكهرباء، بات إعداد الطعام مهمة شاقة، تلجأ للطهي على الفحم، لكن زوجها هو من يتولى مهمة إشعاله، لأنها تعاني من التهاب في الجيوب الأنفية وحساسية تجعلها عاجزة عن تحمل الروائح، خصوصًا رائحة الفحم والدخان، وعندما اضطرت للعمل على الحطب في فترات سابقة، أصيبت بالتهاب حاد في الجيوب، رافقه صداع شديد، واضطرت للخضوع لعلاج مكثف.

ورغم حرصها على حماية جنينها، تُضطر أحيانًا للوقوف ساعات في الشمس أو بجانب النار، ترتدي كمامة لتتجنب ضرر الروائح، لكنها مع ذلك تُجهَد وتتعب، وتشعر بأن جسدها ينهار يومًا بعد يوم، تعبر: "أشعر أنني هزيلة، وبحاجة شديدة لغذاء مناسب يعينني على تحمّل هذه الظروف ويمنحني بعض الطاقة".

ورغم طمأنة الأطباء بأن الجنين بخير، إلا أنها نفسها تعاني من فقر دم حاد، وتجد صعوبة في تناول الفيتامينات بسبب معدتها الحساسة ونقص التغذية، لم تخضع لفحص طبي منذ أكثر من شهر، وآخر مرة تابعت فيها كان في عيادة عامة بموارد محدودة.

الخوف لا يفارقها، لا تعرف أين ستلد، ولا كيف سيكون الوضع حين يحين موعد ولادتها، تقول بنبرة تختلط فيها المرارة بالقلق: "لا أعلم، أشعر بالخوف من المصير المجهول. كيف سألد؟ وأين؟ ومن سيكون إلى جانبي؟".

القلق الأكبر هو على الجنين نفسه، مع كل قصف، مع كل أمر إخلاء، يرتجف قلبها رعبًا، وتشعر بانقباضات في بطنها، الخوف من أن تفقد طفلها، من أن يتأذى، من أن يمسّه ضرر من الجوع أو الرعب أو المواد السامة التي تستنشقها كل يوم.

"إجهاض 3 مرات"..

تقول هبة عطيش، بصوت منهك ونظرة مثقلة بالتجربة، "أجهضت ثلاث مرات، ثلاث أرواح فقدتها قبل أن ترى النور، وكل مرة كانت أقسى من التي قبلها، لم يكن بيدي شيء، الحياة هنا لا ترحم، ولا تترك مجالًا للراحة أو الرعاية أو حتى لحظة تأمل فيما يحدث لنا، كنت أذهب للتكية، أبحث عن وجبة، عما يسد رمق عائلتي، وأحيانًا أحمل أكثر من استطاعتي، لأني أعلم أن الغد قد لا يحمل لنا شيئًا."

وتشير هبة إلى أن ظروفها المادية لا تسمح لها بمتابعة الحمل لدى طبيب، فالأولوية كانت دائمًا للطعام والمأوى، "ما في فلوس، وما في وقت، وما في حدا يسأل، وأنا كل يوم بحاول أعيش وأوفّر لولادي لقمة يأكلوها، أوقات كنت أحس بألم ببطني، لكن أطنش، الحياة بدها تمشي، وما في رفاهية الوجع، حتى لو كان الوجع ببطنك فيه روح صغيرة."

تنام هبة اليوم في خيمة، على الأرض مباشرة، دون فرشة ولا وسادة مريحة، تقول: "التراب صار فراشي، والبرد والحرّ ما برحموني، ما حدا بتخيل كيف ممكن تكون حامل وتنام على الأرض، بلا ظهر يسندك ولا دفء يحميك، كل حركة موجعة، كل تنهيدة فيها خوف، الخيمة ما بتحمي من شي، لا من تعب، ولا من تعب نفسي، ولا من الحزن اللي جواتي."

تحاول أن تكون قوية، لكنها تنهار أحيانًا: "أنا إنسانة، مش آلة، وبطني إللي بحمل فيه جنين، صار كأنه يشيل همّ الدنيا كلها، خايفة أني أجهض مرة رابعة، خايفة أني أستيقظ يوم وألاقي كل شي راح."

وتُكمل بصوت متقطع: "نفسي أعيش حملي زي باقي النساء، أروح على دكتور، أعمل سونار، أشتري ملابس صغيرة للبيبي، أعد الأيام بالفرح مش بالخوف، بس الحرب ما تركتلي شي، حتى الحلم سحبته مني".

تصف حملها في زمن الحرب بكلمات موجعة: "هو حمل في ظل الجوع، والخوف، والتعب، وغياب الرعاية، لا شيء أصعب من أن تخلقي حياة بينما تحيط بك كل أسباب الموت".

صورة-رئيسية-ميدان-62-1703494665.webp
 

"ظروف قاسية"..

تقول غدير حسين، وهي تضع يدها على بطنها المرتجف: "أنا لساتني حامل، وكل يوم بصحى وأتمنى أظل حامل، أظل أسمع نبضه، أظل أحس فيه يتحرك جواتي، رغم كل التعب والخوف والجوع."

لا تملك غدير رفاهية الراحة، تعيش في ظروف قاسية، بلا طعام كافٍ، ولا مكان آمن، ولا لحظة اطمئنان، "الجوع عم ياكلني، ما في حليب، ما في بيض، ما في حتى خبز نضيف، كل شي غالي، وكل شي ناقص، وأنا عم حاول آكل أي شي بس مشان البيبي، حتى لو كنت ما بطيقه، حتى لو معدتي ما تتحمله."

وتصف يومها ببطء مرهق: "كل يوم متكرر، شمس قوية، خيمة خانقة، أرض صلبة، وجسد عم ينكسر شوي شوي، ما بقدر أنام منيح، ظهري عم يوجعني، وجنيني بده راحة وغذاء وأنا ما بقدر أوفرله لا هاد ولا هاد."

أما عن الخوف، فتقول: "أكتر إشي بخوفني هو الصوت، صوت الطيارة، صوت الانفجار، صوت الصراخ، كل صوت بيخليني أمسك بطني وأترجا الله يحميه، بحس البيبي بيرتجف معي، بحس حركته بتتغير لما بخاف، حتى هو، لسه ما شاف الدنيا، بس عرف شو يعني خوف!"

ثم تصمت للحظة وتقول بصوت خافت: "ما بطلب شي، بس بدي أعيش هالحمل بسلام، بدي أضم ابني وأنا مطمئنة، مش أودعه وأنا مفزوعة".

202501cca_Gaza_pregnancyreport.webp
 

"انعدام الغذاء"..

يقول أخصائي التغذية موسى عمارة إن نقص الغذاء الحاد وسوء التغذية في قطاع غزة، خاصة في ظل شح المنتجات الغذائية، أثّرا بشكل جوهري على صحة الحوامل والجنين.

ويوضح "عمارة" لـ "وكالة سند للأنباء"، أن الحوامل بحاجة إلى عناصر أساسية كالبروتينات، الكربوهيدرات، الدهون، الفيتامينات، والمعادن، وهذه كلها شبه مفقودة حاليًا، مما أدى إلى أعراض ظاهرة بوضوح مثل الهزال السريع، ضعف النشاط، تشتت التركيز، وشحوب الوجه الناتج عن نقص الحديد وفيتامين د وB12.

ويبين عمارة أن من أبرز تداعيات هذا النقص ظهور حالات متزايدة من الولادات المبكرة والإجهاض، مشيرًا إلى أن كثيرًا من السيدات في غزة يعانين من ظروف معيشية قاسية تشمل الفقر في المأكل والمشرب والمسكن، ويفتقدن بشكل شبه تام للغذاء المتوازن.

ويوضح أن البروتينات الحيوانية، وهي المصدر الأساسي للحديد وفيتامين B12، تكاد تكون معدومة، سواء من اللحوم أو الدواجن أو الكبدة، مؤكدًا أن فيتامين B12 وفيتامين د ضروريان جدًا لصحة الأم وجنينها، ويشكل غيابهما تهديدًا مباشرًا للحمل.

ويضيف أن الإصابات البكتيرية والفيروسية باتت تؤثر بشكل مباشر على زيادة نسب الإجهاض، خاصة في ظل ضعف مناعة النساء بسبب سوء التغذية.

ويوضح أن غياب الوقود أجبر النساء على استخدام وسائل بديلة للطهي كالحطب والبلاستيك والنايلون، مما أدى إلى استنشاق الغازات السامة مثل الكربون رباعي الكلوريد.

ويلفت "ضيف سند"، إلى أن انعدام الغاز المنزلي زاد من معاناة النساء الحوامل، إذ يستغرق طهي الطعام وقتًا أطول وسط غازات خطرة تؤذي الجهاز التنفسي، مضيفًا أن استنشاق هذه الغازات له تأثير مباشر على مسار الحمل وعلى صحة المرأة وجنينها، ويزيد من احتمال فقدان الحمل.

يختم موسى عمارة حديثه قائلًا إن الواقع مؤلم، والكارثة الغذائية لا تطال فقط النساء الحوامل، بل تمتد لكل فئات المجتمع، موضحًا أن كثيرًا من الناس فقدوا الرغبة في الأكل لغيابه أو لانعدام القدرة على شرائه، ويقول: "فما بالك بالحوامل والمرضعات؟".

pregnant-woman-health-gaza-emergencies-unfpa.tmb-1200v.jpg