رصد موقع Middle East Eye البريطاني مخاطر حدة تفشي المجاعة في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إبادة إسرائيلية تقترب من دخول شهرها العاشر يرافقها قصف وتجويع لأكثر من 2.3 مليون نسمة.
ونشر الموقع البريطاني الشهير مقالا مطولا بعنوان (في غزة الموت من الجوع أسوأ بكثير من الموت بسبب القنابل)، أبرز أنه بينما تستمر "إسرائيل" في قصف وتجويع الفلسطينيين في القطاع المحاصر، فإننا الآباء عاجزون عن مساعدة أطفالهم.
وقال الموقع إن سكان شمال غزة يستيقظون يوميا بمعدة خاوية، وسط إبادة جماعية، فمنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، منع الجيش الإسرائيلي أو فرض قيود صارمة على دخول المواد الغذائية الأساسية المنقذة للحياة إلى غزة.
كما قصف الجيش الإسرائيلي مرارا مخازن الأغذية والمخابز بهدف تجويع السكان حتى الموت إذا لم يتمكن من قتلهم بأسلحتهم.
ونقل الموقع عن الكاتب أحمد دريملي "لقد اضطررنا إلى البحث عن بدائل للدقيق الأبيض الذي أصبح غير متوفر أو باهظ الثمن. وكنا نستخدم الأعلاف الحيوانية، وعندما نفد مخزونها بدأنا نأكل أوراق الشجر والحشائش لملء بطوننا الخاوية".
وقال دريملي "يعاني معظم أفراد عائلتي وغيرهم من الأشخاص الذين أعرفهم في غزة، وخاصة الأطفال، من أمراض مثل اليرقان والتهاب الكبد بسبب سوء التغذية والجفاف".
تشديد قيود إدخال الإمدادات الإنسانية
في مرحلة ما، سمحت "إسرائيل" بتدفق طفيف للمساعدات الإنسانية، وهو ما بدا وكأنه إعفاء صغير لأجسادنا المنهكة ــ ولكنه لم يدم طويلا، وتبع ذلك تدابير أقوى لمنع دخول الغذاء إلى غزة.
ولجأت العديد من الأسر الفلسطينية، في شهر أكتوبر/تشرين الأول بتخزين كل ما يمكنها من الخضراوات والتوابل والأطعمة المعلبةـ
وهي أطعمة لا تفسد إلا إذا تم تبريدها، وذلك لأننا لعدم امتلاك الكهرباء منذ بداية الحرب. لكن الإمدادات نفدت في غضون بضعة أسابيع. ثم بدأ الناس في البحث عن الطعام في المنازل التي لم تعد مأهولة، أو حتى بين الأنقاضـ ولكن هذه الإمدادات نفدت أيضاً بسرعة.
ولا تزال بعض الأسواق تبيع بعض المواد الغذائية، لكن الناس أصبحوا مفلسين بعد تسعة أشهر من الحرب. لقد باع كثيرون أثاثهم أو ممتلكاتهم الأخرى لشراء الطعام أو الدقيق أو الأدوية.
وبحلول أواخر شهر يونيو/حزيران، مرت أكثر من أربعة أشهر منذ أن حصلت عائلة دريملي على إمدادات من الخضراوات الطازجة أو اللحوم أو أي أطعمة صحية أخرى.
وقال "نحن نعيش على الدقيق، وكميات محدودة من المعلبات، والبقوليات ــ وهي الأطعمة الوحيدة المسموح بإدخالها إلى غزة عبر شاحنات المساعدات الإنسانية المنتظرة على الحدود. ونحن نتناول نفس أنواع الطعام كل يوم".
وتابع "كثيراً ما يبكي أبناء وبنات أخي الصغار ويرفضون تناول نفس الوجبات الرتيبة، على الرغم من جهود أختي لإضفاء بعض البهارات على الوصفات".
وأضاف "لقد بكت ابنة أختي تيا البالغة من العمر أربع سنوات لأنها أرادت البطيخ بعد رؤيته في أحد أفلام الرسوم المتحركة. وكنا نكذب عليها ونقول لها إنه غير صحي، فقط لمنع دموعها، ومنذ ذلك الحين تعلمنا تجنب عرض أي صور أو مقاطع فيديو للطعام على الأطفال".
وروى دريملي "من المحزن أن نرى أطفالاً يتضورون جوعا، ونحن عاجزون عن مساعدتهم. لقد احتفل حمود، ابن أخي البالغ من العمر خمس سنوات، بعيد ميلاده قبل يومين. وقررنا الاحتفال رغم كل شيء".
وقال "أشعلنا شمعة من دون كعكة. وبينما كان غناءنا لأغنية "عيد ميلاد سعيد" يحجب أزيز الطائرات الإسرائيلية بدون طيار، سألته شقيقته: "ماذا تتمنى لعيد ميلادك؟". توقف للحظة، وعقد حاجبيه في تفكير عميق. وبعد بضع ثوان، أضاءت عيناه: "أحلم بتناول شطيرة همبرغر!".
وأضاف "لم نكن نعرف هل نضحك أم نبكي. لم أتخيل قط أن يأتي يوم يصبح فيه الحصول على الطعام بمثابة أمنية عيد ميلاد".
سوء المساعدات الواردة
تتمثل مشكلة أخرى في أن المساعدات الغذائية، التي تأتي من بلدان مختلفة، غير متساوية من حيث الجودة. فالكثير من الأغذية المعلبة منتهية الصلاحية، وقد ظلت في الشاحنات تحت أشعة الشمس الحارقة لفترة طويلة قبل أن تصل إلى المحتاجين، وبالتالي فإنها تصل فاسدة.
حاولت بعض الأسر ي زراعة نباتات مثل البطاطس والطماطم على سطح منزلها، لكن المحاولة باءت بالفشل بسبب نقص المياه.
بعد أشهر من عدم تناول الطعام بشكل سليم، فقد الجميع في شمال غزة وزنهم. الجميع الآن بشرته شاحبة، ويشعرون بالدوار المستمر والألم في عظامهم ومعدتهم.
وما يجعل الجوع الشديد أسوأ هو أن كل شيء خلال هذه الحرب يتطلب المزيد من الجهد والطاقة - مثل جمع الحطب من المنازل المدمرة، أو جلب المياه من على بعد أميال - بينما الأجساد هشة للغاية.
كل يوم يذهب بعض السكان إلى المحلات والبسطات على أمل أن يجدوا أي طعام يشتروه، ولكنهم عادة ما يعودون خالي الوفاض.
كان الناس في غزة كرماء ومحبين، ومستعدين دائمًا لاستضافة الآخرين وإطعامهم، لكن الآن يعاني الجميع من الجوع الشديد، وليس لديهم ما يكونون كرماء به.
ختم الموقع "الموت جوعاً أسوأ كثيراً من الموت تحت القنابل، لأنك وسط جوعك ورؤية أطفالك يتضورون جوعا تشعر وكأنك تموت ألف مرة. أهل غزة مكتئبون ومحبطون وغاضبون، لكنهم لا يستطيعون الاستسلام. في الواقع ليس لديهم خيار. سيقاومون حتى النهاية".