بعد اليوم الـ 276 من الإبادة الجماعية على قطاع غزة، عادت شراسة الحرب في شمال غزة كالشبح المألوف، يعلو صوتها بشكل مهول. اليوم، كما لو كانت الحرب تبدأ من جديد، تنفجر الأحزمة النارية في سماء غزة، محولة الأماكن المحفوفة بالموت إلى فضاءات تشتعل بالخوف والخراب.
ودعا الجيش الإسرائيلي أمس الأحد سكان شرق مدينة غزة إلى النزوح، وتركوا منازلهم بثقل القلب وعبء الخوف. لم يكن النزوح مجرد ترحيل قسري، بل كان فرارًا يسعى فيه الناس للبحث عن ملاذ آمن بعيدًا عن زخات الموت التي تساقطت على رؤوسهم فجأة ومرة واحدة.
لكن! وجدوا الناس أنفسهم محاصرين بالموت من كل صوبٍ وحدب، دبابات الاحتلال تحاصرهم من الجهة الغربية للمدينة، بينما اقتربت القنابل منهم كالأرواح المظلمة التي تهدد باللحظة الأخيرة.
اضطروا لاستكمال النزوح، وهذه المرة من الجهة المقابلة، حيث لم يكن هناك مكان للهروب. تلقفت الأرض أجسادهم المتعبة، مأوى أخير يضمهم وسط ركام المنازل المحطمة والشعور القاسي الذي لا يُعد ولا يحصى.
المعاناة، رفيقة النزوح، جاءت بقسوتها لترافق الناس في كل خطوة، الأطفال يبحثون عن أمهاتهم المفقودين، والنساء يحملن أطفالهن الصغار بينما يتخبط الرجال في محاولة يائسة لحماية أسرهم. وسط هذا الجحيم الكبير، ومع صمت العالم الذي لا يعرف عنه سوى صوت القصف المدوي.
وبينما يتسارع خطى الناس وهم يغادرون منازلهم، تكتنفهم حالة من اليأس والفزع، فلا مأوى آمنٌ ينتظرهم وسط هذا الجحيم المتقد. دبابات الاحتلال تحاصرهم من جهة، والقصف المتواصل يخيم عليهم من جهة أخرى، كأن الحرب تطبق على أنفاسهم من جديد.
ومع تصاعد الغارات الإسرائيلية في جنوب غرب مدينة غزة واجتياح حي "الشجاعية، التفاح، والدرج"، تزداد حالات النزوح وتتفاقم الأوضاع الإنسانية قسوة، حيث يعيش النازحون في ظروف قاسية تشمل الجوع والفقر، ما يزيد من معاناتهم الجسدية والنفسية بعد تعرضهم للقصف المتكرر والخوف المستمر.
ومنذ الليلة الماضية وحتى فجر اليوم الاثنين، مرَّت مدينة غزة بليلة مأساوية، حيث شهدت أسوأ ساعات الحرب، إذ شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق، شملت تنفيذ أحزمة نارية كثيفة وقصف عنيف، استهدف المنازل وأجبر السكان على النزوح تحت نيران الطائرات والمدفعية.
ورغم شراسة القصف، تظهر في غزة نماذج حية من رفض المواطنين الانصياع لأوامر الاحتلال بالنزوح، وبقاء العشرات في منازلهم رغم التهديدات المباشرة.
"وكالة سند للأنباء" رصدت معاناة النازحين في مدينة غزة، حيث تفاوتت بين المأساة واليأس والكثر من البكاء. يتجول الناس بلا هدف وسط الدمار، يحملون معهم قصص الخوف والفقدان، وتسكن أعينهم دموع الحزن والانكسار.
"وكالة سند للأنباء" رصدت تعبير الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي عن مدى قسوة المشاهد التي يتعرضون لها، حيث عبروا عن صدمتهم وألمهم العميق بسبب تكرار النزوح والمعاناة الإنسانية التي يعيشونها بشكل متكرر في مدينة غزة.