في ظل الإبادة الجماعية التي يواصلها الجيش الإسرائيلي بعدوانه المتواصل على قطاع غزة منذ 277 يومًا، أجبر الجيش العائلات المحاصرة في المناطق التي توغل فيها شرق مدينة غزة وغربها على النزوح إلى الجنوب عبر شارع البحر "الرشيد"، إذ لا تزال مشاهد الدمار عالقة في أذهانهم، وأصوات الانفجارات تتردد في مسامعهم، تاركين خلفهم منازلهم التي دمرها الاحتلال وأحياء سكنية كاملة أُبيدت وسُويت بالأرض.
أمام هذا الواقع المرير، أُجبر البعض على النزوح والهجرة القسرية والتوجه جنوبًا في ساعات الليل المخيفة والمحفوفة بالمخاطر، وسلكوا طريق الموت، يمضون ساعات طويلة سيرا على الأقدام دون طعام أو شراب أو من يمد لهم يد العون. لكل نازح منهم قصة، فصولها الدمار والجوع والخوف، ومشاهد ورائحة الموت في كل مكان.
ونزح مئات الفلسطينيين من مناطق شرق مدينة غزة إلى غربها، بعد ساعات من مطالبة الجيش الإسرائيلي بإخلاء المنطقة بدعوى أنها "منطقة قتال خطيرة". جاء هذا الإنذار في بيان للجيش الإسرائيلي واتصالات مسجلة وصلت إلى سكان ونازحين في المناطق الشرقية لمدينة غزة.
وتفاجأ النازحون بمباغتة جيش الاحتلال لهم في منطقة غرب غزة بالدبابات، مما زاد من معاناتهم وفقدانهم للأمان، في الوقت الذي طالب فيه الجيش الإسرائيلي العائلات بالتوجه جنوبًا، رغم أن القصف مستمر في كل مكان ولا يوجد مكان آمن.
والليلة الماضية، أُجبرت العائلات الفلسطينية بعد صمودها في شمال غزة 9 شهور، إلى النزوح عبر شارع الرشيد الساحلي؛ للتوجه جنوب قطاع غزة؛ باحثين عن ملاذ آمن بعيدًا عن نيران القصف والتدمير، لكن هيهات فالموت متربص بالغزيين في كل مكان.
تتكرر مشاهد النزوح مرارًا وتكرارًا، وتستمر الأسئلة بدون إجابة: "إلى أين نذهب؟!"، فأين يمكن للناس أن يجدوا ملجأً، وكيف يمكن لهم أن يخمدوا رعبهم الذي يدب في أعماقهم؟.
وفجر أمس الاثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي عن بدء عملية برية في مدينة غزة، شملت مقر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". ووجه الجيش السكان والنازحين في مناطق الصبرة، الرمال، تل الهوا، والدرج بمدينة غزة بمغادرتها فورًا، موجهينهم نحو مدينة دير البلح وسط القطاع.
"خرائط مضللة"..
حذر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، من دعوات إسرائيلية لسكان مدينة غزة للنزوح إلى جنوب القطاع، مشيرًا إلى أن هذه الدعوات تهدف لاستدراجهم إلى مناطق خطرة تعرضهم للموت والقتل والإعدامات الميدانية.
وأوضح "الإعلامي الحكومي" في بيان أطلعت عليه "وكالة سند للأنباء"، أن جيش الاحتلال نشر خرائط مضللة تدعو الفلسطينيين إلى النزوح إلى الجنوب بزعم أنها مناطق آمنة، مؤكدًا أن هذه الدعوات كاذبة وتشكل خطرًا كبيرًا على حياة المواطنين.
وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي يستدرج الناس إلى أفخاخ الموت والقتل والإعدامات الميدانية على غرار ما جرى بشكل متكرر من عشرات عمليات الإعدام الميداني للمواطنين الذين حاولوا سابقًا النزوح على شارعي الرشيد غرب مدينة غزة وعلى شارع صلاح الدين شرقي المدينة".
إلى ذلك، قال مدير منظمة الصحة العالمية، إنه ليس هناك مكانًا آمنًا في غزة، مُشددًا أن أوامر الإخلاء بمدينة غزة تعرقل تقديم الرعاية المنقذة للحياة.
بدوره، أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن قوات الاحتلال أصدرت أوامر إخلاء جديدة في أجزاء من مدينة غزة، مما أدى إلى نزوح السكان من تلك المناطق خلال الأيام الأخيرة.
وأفاد مركز إعلام الأمم المتحدة، أن الأحياء المتضررة تحتوي الآن على أكثر من 60 ملجأ، كانت في الأصل مدارس، بالإضافة إلى مستشفيين يعملان جزئيًا، و6 نقاط طبية ومركزين للرعاية الصحية الأولية.
وأشارت التقارير إلى أن الموظفين والمرضى غادروا المستشفيين في المنطقة التي تم إخلاؤها وما حولها.