باتت أكوام النفايات في قطاع غزة، والتي تتزايد يوماً بعد آخر، رعبًا ومصدر قلق للمواطنين في ظل الأمراض والأوبئة المنشرة، محولة الشوارع إلى مشهد مأساوي؛ في الوقت الذي يعاني فيه القطاع الصحي من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية.
وما أن تتجول في شوارع قطاع غزة، وخاصة مداخل المخيمات، تجد جبالاً من النفايات في ظل عدم قدرة بلديات القطاع على إرسال النفايات للمناطق الشرقية بسبب خطورة الوصول للمنطقة في ظل الحرب المستمرة.
وإلى جانب المخاطر، تُعاني البلديات من نقص الوقود، وتدمير الشوارع الذي أوقف حركة النقل، بالإضافة إلى تعرُّض سيارات جمع النفايات وحاوياتها للتلف والضرر، وهو ما جعل التعامل مع هذه الكميات الهائلة صعباً، فضلاً عن غياب إمكانات التخلص منها.
وأكدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن أكثر من 330 ألف طن من النفايات تراكمت في جميع مناطق قطاع غزة.
وسجلت منظمة الصحة العالمية في مطلع مايو/ أيار الماضي، 712 ألف حالة مصابة بالالتهاب في الجهاز التنفسي العلوي، و380 ألف إصابة بالإسهال، و78,800 بالجرب، وسجل 47,800 حالة باليرقان منذ بدء الحرب.
معاناة يومية..
وتسببت أكوام النفايات، وخاصة التي يتم تجميعها أحياناً بالقرب من مخيمات الإيواء، إلى حدوث مشاكل ومكاره صحية جمة على صحة المواطنين؛ بسبب عمليات الحرق التي تتم للتخلص من هذه النفايات، وكذلك اشتداد الحرارة في فصل الصيف وما ينتج عنه من انبعاث للروائح الكريهة.
وتقول السيدة فايزة جبر، والتي نزحت من مدينة غزة لمخيمان الإيواء بمدينة دير البلح، إنها باتت تواجه معاناة يومية بسبب أكوام القمامة المنتشرة حول الخيام، خاصة أن لديها أزمة في الجهاز التنفسي مسبقاً.
وتضيف "جبر" في حديثها لـ "وكالة سند للأنباء"، أنها باتت مجبرة يومياً على إبقاء أطفالها الخمسة داخل الخيمة مع اشتداد الحر، لضمان عدم اللعب بجانب القمامة وتعرضهم للأمراض خاصة مع انتشار الذباب والحشرات.
وتتكرر هذه المعاناة مع السيد محمد درويش (45 عاماً)، والذي أصيب بعض أطفاله بـ "القمل"، وأصبح يبحث عن دواء خاص لهذا المرض دون جدوى في ظل شح مواد التنظيف.
ونوه "درويش" إلى أن طفله البالغ من العمر (15 عاماً) أصيب بمشاكل في الرئة ونزلات معوية وسخونة؛ "خاصة أنه يعاني منذ الصغر من نقص المناعة".
ويطالب درويش، الجهات المسؤولة بالتدخل ووضع حاويات لإنقاذ النازحين من المكاره الصحية التي أصابتهم، وبدأت تتعمق فيهم من كثرة التلوث.
أمراض متعددة..
من جانبه، يقول الدكتور يزن الشريف؛ أخصائي أمراض الجهاز التنفسي، إن خطورة تراكم النفايات تزداد مع دخول فصل الصيف على وجه الخصوص، حيث تنتشر غازات ضارة، كالميثان وثاني أكسيد الكربون، وهو ما يلوث الهواء ويسبب روائح كريهة وانتشار الأمراض المعدية لآلاف المواطنين، سيما الكبد الوبائي والأمراض الجلدية، بسبب تحلل هذه النفايات.
وينوه الشريف في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، إلى خطورة حرق هذه النفايات في عمليات التخلص منها حيث أن البلاستيك والمواد الكيميائية البترولية والصناعية المعقدة، تُنتج كميات ضخمة من السموم المسرطنة والغازات السامة، وأول أكسيد الكاربون وأكاسيد النيتروجين والكربون وعدة سموم أخرى.
ويشير، إلى انتشار السعال وضيق التنفس بشكل واضح بسبب انتشار الروائح الكريهة، التي تصاحب حرق النفايات في مناطق مختلفة، والأمراض الجلدية الناتجة عن اللدغات من الحشرات والبعوض بشكل يومي والتي باتت تظهر على شكل حبوب وبثور كبيرة.
أضرار كبيرة..
من جانبه، يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في بلدية غزة عاصم النبيه، إن هناك ما يقارب 150 ألف طن من النفايات تتراكم حالياً في جميع أنحاء مدينة غزة.
ويضيف النبيه في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، أن الاحتلال دمر 126 آلية لبلدية غزة، والتي كانت تقوم بمهام جمع النفايات، ومهام أخرى مثل صيانة خطوط المياه ومعالجة خطوط الصرف الصحي.
ويشير، إلى أن طواقم البلدية غير قادرة على الوصول إلى المكب الرئيسي للنفايات في منطقة جحر الديك شرق المدينة، بالإضافة إلى شح الوقود اللازم لتشغيل ما تبقى من الآليات الثقيلة وبالتالي يلجأ المواطنين إلى تجميع النفايات في الشوارع.
ويناشد النبيه، المنظمات الدولية للتدخل لتزويد البلدية بالاحتياجات اللازمة من أجل تخفيف معاناة المواطنين وإزالة هذه المكاره الصحية المنتشرة في مدينة غزة بشكل خاص، وفي جميع أنحاء قطاع غزة بشكل عام.
ويلفت، إلى خطورة الحرق والتي تحدث أحياناً بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وأحياناً بسبب القذائف والقنابل الفسفورية التي يسقطها الاحتلال على هذه المكبات.
خروج البلديات عن الخدمة..
من جانبها، ذكرت بلدية دير البلح في المحافظة الوسطى في بيان لها، أن حوالي 90% من آليات البلدية قد خرجت عن الخدمة، من بينها شاحنتي جمع قمامة، ما تسبب في تكدس ما يزيد عن 350 طنا من النفايات بشكل يومي رغم عمل البلدية بطاقتها القصوى المتاحة لإزالة ما يمكن إزالته، وقد تسبب هذا التكدس في انتشار واسع للحشرات والأمراض بين السكان.
كما تعاني بلديات محافظة خانيونس من ضعف في الخدمات المقدمة بعدما دمرت قوات الاحتلال 70 كيلو مترًا من شبكات الصرف الصحي الرئيسية.
وأضافت في بيان لها، أن ترتب على تدمير مولدات الطاقة عدم القدرة على تشغيل منظومة المياه والصرف الصحي، وتدمير أيضاً المخازن المركزية التابعة لمصلحة المياه ومخازن الطوارئ في البلديات، مما خلق عجزا في توفر مواد الصيانة لتلك الشبكات والمرافق على حد سواء.
وأشارت، إلى أنه لحقت بمحطات الصرف الصحي في مدنية خانيونس أضراراً جسيمة نتيجة الهجمات الإسرائيلية على المدينة، أدت إلى غرق الشوارع بمياه الصرف الصحي وانتشار الأمراض وتفشي الأوبئة، وانهيار خدمات الصرف الصحي بشكل كامل، وتضرر الخزان الجوفي للمياه بفعل تسرب مياه الصرف الصحي لباطن الأرض.