بالرغم من نفي مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو صحّة الأنباء التي تحدثت عن مفاوضات مع جدعون ساعر للانضمام إلى الحكومة بدلاً من وزير الجيش الحالي يوآف غالانت، إلا أنّ وقعها لا يزال يتردد في الأروقة السياسة والعسكرية الإسرائيلية.
وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قد ذكرت أمس الاثنين أن "نتنياهو" يدرس إقالة "غالانت" بسبب موقفه المعارض لتنفيذ هجوم على لبنان، مشيرةً إلى أن "ساعر" يعتبر المرشح الأبرز لشغل منصب وزير الجيش.
ووفقًا لتقارير إسرائيلية فإنّ "نتنياهو" و"ساعر" يناقشان إمكانية إضافة حزب الأخير "يمين الدولة" إلى الائتلاف الحكومي، ويشترط "ساعر" الحصول على وزارة الجيش، ولا تزال الاتصالات بين الطرفين جارية دون نتائج نهائية.
ويعتقد مراقبون في الشأن الإسرائيلي، أنّ إقالة "غالانت" خطوة متوقعة على الرغم من النفي الرسمي لها حتى الآن، ويهدف "نتنياهو" من خلالها لإزالة العقبات التي تحول دون سيطرته على مفاصل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، خاصة مع اقتراب نهاية عمل رئيس الأركان هيرتسي هاليفي نهاية العام الجاري، ورغبته بإعادة تعيين قيادات جهازي "الموساد" و"الشاباك".
وأشاروا إلى أنّ إقالة "غالانت" قد تساعد في حل مشكلة التجنيد مع اليهود الحريديم، حيث يقف وزير الجيش حائلًا أمام تمرير قانون يقضي بإلغاء تجنديهم، ويصرّ على إشراكهم في الخدمة العسكرية، في ظل نقص الكوادر البشرية بالجيش، وقد أعلن سابقا عن حاجته لـ 10 آلاف مقاتل.
وأفاد مراقبون بأن إقالة "غالانت" التي باتت وشيكة، وفق تصريح مسؤول بمكتب نتنياهو، يرغب من خلالها رئيس الوزراء تجاوز عقبة تمرير موازنة الحكومة للعامين القادمين وهي محطة مفصلية تعني في حال فشلها سقوط الحكومة فورًا والتوجه لانتخابات جديدة في "إسرائيل".
وفي هذا الإطار قال الباحث في الشأن الإسرائيلي فايز عباس، إنّ انضمام "ساعر" للحكومة، سيوفر 5 مقاعد إضافية لـ "نتنياهو"، ليرفع حصته في الكنيست لـ 68 مقعدا، وهذا يعني قطع الطريق أمام منع إقرار قانون الموازنة.
وأوضح عباس لـ "وكالة سند للأنباء" أنّ المعارضة دفعت تحديدا مع حزب "شاس"، العمل على منع التصويت، والبحث عن تشكيل حكومة بديلة، فيما أراد "نتنياهو" أن يحصن ائتلافه، بهذه المقاعد الإضافية التي تحول دون سقوط حكومته؛ في إقرار الموازنة المقرر اعتمادها في شهر ديسمبر/ كانون أول القادم.
وأشار إلى أنّ إتمام هذا الإجراء سيحول دون سقوط الحكومة، واستمرار عملها حتى العام 2026، أي وفق مدتها القانونية الكاملة.
من جانبه ذكر في الشأن الإسرائيلي أمير مخول، أن أحد الشروط التي تحول دون إنجاز الميزانية، مطالبة الأحزاب الحريدية، إلغاء التجنيد الالزامي لطلبة المدارس الدينية، وهذا ما يرفضه وزير الجيش يوآف غالانت.
ولفت مخول في حديثٍ مع "وكالة سند للأنباء" أنّ الإطاحة بـ "غالانت" أسهل الطرق لـ "نتنياهو" من أجل تأمين مستقبل الحكومة وقطع الطريق على المعارضة لإسقاطها، وتحصين إجراءاتها لاعتماد الموازنة العامة.
ولا يخفي مخول وجود تباين كبير بين "غالانت" وزعيم المعارضة بيني غانتس، واللذان ينتميان لحزب الليكود، في ظل محاولته لإقالته قبل الحرب على خلفية موقفه من التعديلات القانونية؛ لكنّه عدل عن ذلك وأبقاه نتيجة الضغوط الشعبية وفي "الليكود" أيضا.
أحشاء الأمن..
في السياق، يرى المختصون أن الخطوة الأهم يتمثل في إطباق سيطرة "نتنياهو" على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، والتدخل في سياسة التعيينات الجارية، خاصة وأن القانون لا يمنحه سلطة قانونية لتعيين رئيس الأركان وقادتها، وأنّها فقط صلاحية وزير الجيش الذي يلزمه القانون بتمرير التعيينات فقط، ولا يخضع لتعديلات القيادة السياسية.
وقال المختص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلي، إنّ تعيين شخص مثل "ساعر" لا يجيد التفريق بين الدبابة والمجنزرة على رأس المؤسسة الأمنية؛ يشير لرغبة "نتنياهو" الكبيرة في التحكم بالتعيين القادم لرئيس الأركان وقادة المؤسسات الأمنية، وأنه سيلزمه للخضوع لتعليماته، ويضمن تنفيذه لها.
وأوضح لـ "وكالة سند للأنباء" أن خطوة التعيين جاءت على مشارف تغيير كبير سيشمل الوضع الأمني بداية من رئيس الأركان ورؤساء الموساد والمخابرات، والسيطرة على هذه التعيينات من خلال اقتراح الأسماء وتعيينها، وضمان ولاء القيادة العسكرية له.
وأضاف أنّ هذه الحالة أيضا تعبر عن رغبة "نتنياهو" بالانتقام من الشخصيات التقليدية في وزارة الجيش، التي اتهمها في وقت سابق بإخفاقات طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، وحملها المسؤولية الكاملة عن نتائجها، وحملها أيضا المسؤولية في إخفاق التوصل لنتائج حاسمة في بعض المراحل البرية في قطاع غزة.
وبالعودة لوجهة نظر المختص أمير مخول، فقد لفت أنّ الاتفاق بين "نتنياهو" و"ساعر" يتضمن حق الفيتو للأول في تعيين أي اسم لهوية قائد الأركان، وهذا يعني السيطرة على قيادة الأركان.
كما يتضمن الاتفاق ضمان إقرار الحكومة بكامل هيئتها لهوية القائد، وهذا أيضا يدفع الحكومة للتلاعب بأحشاء المؤسسة العسكرية التي كانت لوقت بعيد خارج سيطرة القيادة السياسية، وهي فقط تتلقى التعليمات منها، وفق مخوّل".
وأوضح أنّ نتنياهو يتجاوز في إقالته لـ "غالانت" تباينات واضحة في الموقف بين الرجلين في إدارة الحرب، فالأول رفض مقترحات "غالانت" بداية الحرب بفتح عملية عسكرية في الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني، فيما بات يعارض الأخير هذه العملية مؤخرا، بسبب ما وصفها بأنها مغامرة، كما أنهّ يفتح الباب لـ "نتنياهو" توسعة الحرب شمالا.
ويجمع "ضيوف سند" أنّ الاتفاق بين "نتنياهو" وساعر" هدفه تحقيق مصالح شخصية للطرفين، رغم حالة التباين التي جمعت مسيرة الرجلين في محطات قيادة حزب الليكود.
وفي هذا السياق تطرق مخول لموقف "غالانت" الذي يُنادي بضرورة إتمام صفقة سياسية مع "حماس" كفرصة استراتيجية، فيما يعارض "ساعر" الصفقة ويؤيد موقف "نتنياهو" منها.
وبالإشارة إلى أنّ "ساعر كان منافسا لـ "نتنياهو" في قيادة حزب الليكود، وانشق عنه لاحقا وأسس حزب "اليمين الوطني" المتطرف، يتحدث المختص فايز عباس عن رغبة "ساعر" في ضمان الفوز مجددًا في الانتخابات القادمة، على ضوء ما تمنحه إياه استطلاعات الرأي من تراجع حاد لا يتجاوز 1.2% من المقاعد.
فيما رأى نظير مجلي أنّ "نتنياهو" يريد حسم صراعاته وبسط سيطرته داخل الائتلاف الحكومي والحزبي، ليتفرغ لاحقا للأوساط السياسية في الداخل؛ ليحول دون أي سقوط لحكومته، متسلحا بـ "ساعر" المنشق عن حكومة الطوارئ التي شكلت إبان اندلاع حرب الإبادة على غزة.
وكان موقع "والا" الإسرائيلي قد تحدث عن مخاوف من أن إقالة "غالانت" المحتملة قد تؤثر تأثيرا مباشرا على رئيس الأركان هيرتسي هاليفي وقادة آخرين، قائلًا: "إن على قادة الجيش التكيف في حال تعيين ساعر وزيرا للجيش، وإلا ستحدث استقالات بين كبار القادة".