يُجابه الموت ويصارع من أجل البقاء؛ لتوفير "لقمة العيش" بين أمواج البحر والحرب، الصياد الفلسطيني يطرق أبواب الموت كل ليلة، بحثاً عن جزء من حياة كالحياة.
الحنين إلى الصيد..
السيد عادل محمد أبو ريالة واحدٌ من 5 آلاف صياد في قطاع غزة يعيلوا 50 ألف نسمة من المجتمع الفلسطيني، في المهنة الثانية بعد الزراعة في القطاع، ويشاركوا في الأمن الاقتصادي، بتوفير عملة صعبة "الأسماك"، بدلاً من استيرادها من الداخل المحتل أو جمهورية مصر.
الصياد الخمسيني "عادل" طالته موجة النزوح القاسي من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، حتى رفح جنوباً، إلى أن انتهى به المطاف وسط القطاع.
يقول "أبو ريالة" لـ "وكالة سند للأنباء"، إنه امتهن وأبناؤه الخبيز على الأفران الطينية بعد نزوحهم إلى وسط القطاع، لكن الحنين إلى المهنة التي وصفها بـ"احنا صيادين أباً عن جَد، منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 حتى اللحظة"، أخذه ليعود إلى البحر من جديد.
ويتابع أنه بعد نزوحه إلى منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة وقربه من شاطئ البحر، قرر وأبناؤه صناعة قوارب خشبية صغيرة بأبسط الإمكانيات رغم غلو الأسعار، لإنعاش مهنة الصيد.
"هيك هيك رح نموت يا إما من الجوع في الخيمة يا إما من الطرّاد الإسرائيلي في البحر"، بهذه العبارات يواسي ضيفنا نفسه للعودة إلى البحر الذي يعد مصدر الرزق الأول له.
ويوضح "أبو ريالة" أنه كان يمتلك "لَنشين" كبيرين، و12 "حسكة" متنوعة بحجم 6 و8 أمتار وعشرات المعدات في ميناء غزة، لكن آليات الاحتلال دمرت كل شيء.
"موسم منتظر"..
يلفت ضيفنا النظر إلى أن ما قبل الحرب بأيام معدودة، كان الصيادون يتجهزون لموسم صيد ثمين، ما يُجبرهم على الدَّيْن؛ طمعاً في تحسن الحال بعد الموسم الوفير، لكن الحرب حالت دون الموسم المميز، وأودت بمراكبهم ومعداتهم.
ويقارن ضيفنا أسعار القوارب ما قبل السابع من أكتوبر وبعده، موضحاً أن حسكة المجداف التي كان يصل سعرها إلى 4 آلاف شيكل، يصل سعرها الآن إلى 30 ألف شيكل.
أما عن "تنكة الفيبر" التي كانت سابقاً بـ 500 شيكل، الآن 4500 شيكل، ناهيك عن بَكرة الخيطان التي لم يتجاوز سعرها 5 شواكل، وقد وصلت الآن إلى 120 شيكلاً.
ويضيف أن ساعات الليل هي الأنسب لصيد الأسماك، مشيراً إلى أن إضاءة "اللنش" الواحد تستهلك 120 كشافاً 200 واط، بمولدات بقدرة 70 إلى 110 كيلو، لكنه استعاض عن ذلك الآن ببطارية وثلاثة "ليدات".
"الطرَّاد الإسرائيلي الآن، انتقل من مرحلة الطخ على المركب، وأصبح يقتنص الصياد قتل موت ويفرمه بقذيفة"، بنبرة القلق والحسرة يُبدي ضيفنا قلقه إزاء الاستهداف المتعمد والمباشر من جيش الاحتلال.
قتل وقنص متعمد..
واستكمالاً من قول ضيفنا "أبو ريالة"، يقول نقيب الصيادين في قطاع غزة نزار عياش، إن جيش الاحتلال تعرض لحياة 70 صياداً ويزيد، 50 منهم شهداء، و20 مصاباً، وذلك بتعمد إسرائيلي لقتلهم وليس إرجاعهم.
ويؤكد "عياش" لـ "وكالة سند للأنباء" أن إن المضايقات الإسرائيلية تلتهم الصيادين من قبل الحرب الدامية على القطاع، مستشهداً بذلك على الكم الكبير من الانتهاكات بحقهم.
وتتمثل هذه المضايقات بمنع الاحتلال إدخال المعدات الثقيلة الخاصة بالصيادين، كذلك المكن، قطع الغيار، الكوابل، والمراكب الكبيرة، وفقاً لما ذكره "عياش".
ويؤكد ضيفنا أن معدات الصيادين باتت مهترئة لا تفي بقيام الصياد برحلته بشكل طبيعي، مستدركاً "لكنهم مضطرين حتى يعيشوا ويُعيشوا أبناءهم لأنه مصدر رزقهم".
ويشير "عياش" إلى أن تعرض الاحتلال لمهنة الصيد يصيب العديد من المهن الملاصقة لها.
ويزيد، أن هناك العديد المرتبطة بالصيد، إذ يتواجد ما يقارب ألف تاجر يبيع السمك للضفة الغربية أو أسواق القطاع، كذلك تجار الشِباك ومصلحي المكن، منبهاً أن "كل ذلك توقف مع اندلاع الحرب".
وخلال الحرب الإسرائيلية التي شارفت إتمام عام في قطاع غزة، فقد تم توقيف كل مراكب الصيد، وتدميرها بشكل كامل من الزوارق الحربية والطائرات الإسرائيلية.
خسائر بالأرقام..
ويستعرض ضيفنا بالأرقام خسائر الصيادين في قطاع غزة، والتي تقارب الـ 60 مليون دولار كأضرار مباشرة، وفقاً لتقديرات المؤسسات الدولية والصليب الأحمر.
ففي ميناء غزة، أنهت قوات الاحتلال العمل به بالكامل، علماً أن الميناء يعتبر "نصف القطاع"، وذلك بوجود 500 قارب من أصل 1000 فيه، بالإضافة إلى أن نصف عدد الصيادين يتواجدون في مدينة غزة، وفقاً لـ "عياش".
وفي التفاصيل، يقول "عياش"، إن آليات الاحتلال أزالت 144 غرفة بمعداتها بالكامل في الميناء، كذلك حرق جميع معدات الصيادين وقواربهم كاملةً.
وفي منطقة شمال القطاع، تم مسح ما يزيد عن 40 قاربًا بالكامل، أما مدينة دير البلح، فقد حرق الاحتلال 50 قاربًا بالكامل بجميع المعدات، والتسبب بأضرار بالغة في غرف الصيادين ومقدراتهم.
ويضيف أنه تم تدمير الإنارة الليلية ومصانع الثلج ومحطات التحلية وسرقة ما بقي منها، ناهيك عن تدمير مطبخ لنساء الصيادين في المدينة.
ويبيِّن "عياش" أن الحال في خانيونس مماثل لدير البلح، أما رفح، فقد دُمِّرت أعداد ليست بسيطة من المراكب الصغيرة والكبيرة ومعداتها.
ويرى أن إرجاع الصيادين يحتاج عاماً كاملاً لإرجاعهم للقيام بعملهم وليس كما كان في السابق.
مساحات الصيد..
وبالحديث عن المساحات المتاحة، يسترجع "عياش" لـ "وكالة سند للأنباء"، المساحات السابقة لما قبل الحرب والتي كانت من ميناء غزة للشمال حوالي 6 أميال فقط.
أما من ميناء غزة لجنوب القطاع باتجاه مائل نحو الغرب فتُقدر المساحة بـ 12 ميلاً بحرياً للمراكب العادية، و15 ميلاً بحرياً للمراكب الأكبر.
ويلفت ضيفنا النظر لوجود منطقتين يمنع الاحتلال الصيد فيهما وهما الجهة الحدودية بين رفح وجمهورية مصر حيث تصنف منطقة "صفراء"، وفي شمال القطاع يمنع الاحتلال الاقتراب من ميلين ملاصقين لـ "الخط الأخضر".
أما بعد السابع من أكتوبر ونشوب الحرب الدامية، فقد زادت عنجهية الاحتلال بملاحقة الصيادين، وبأمرٍ إسرائيلي منع الجيش نزول مراكب "المكن" إلى البحر، أو الصيد عامةً.
ويطالب "عياش" المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية الداعمة للصيادين أن تنظر بعين الاعتبار لإعادة الصياد لعمله، وتوفير ما نقص عليه من مستلزمات، وتزويده بما يلزم لإعادته إلى مهنته التي كان عليها.