على مشارف مدينة القدس وإلى الغرب من محافظة بيت لحم، تحاول بلدة بتير الأثرية المدرجة في قائمة التراث العالمي لـ "يونسكو" الحفاظ على هويتها الأصيلة في وجه مخططات الاحتلال التي تريد النيّل من وجودها لصالح الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.
فهذه القرية التي تحمل اسمًا كنعانيًا يعني "بيت الطير"، نسبة إلى طائر النسر الذي كان يعشعش بكهوفها وجبالها العالية، فيها الكثير من الآثار الكنعانية والرومانية وبصمات العثمانيين أيضًا، وتعد إحدى قرى جنوب غرب القدس، وظلت حتى عام النكبة 1948 تابعة لها إلى أنّ طال أرضها سرطان الاحتلال وقسمّها.
وتواجه أراضي البلدة الفلسطينية منذ ذلك الحين واقعًا صعبًا يُنذر بمستقبل خطير؛ بسبب الاستيطان، فهذا عمر القيسي واحد من أصحاب الأراضي المتضررة بمساحة 200 دونم في منطقة "مرج الخمار والقصير" شرق بتير.
يقول القيسي في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" إنّه يواجه منذ سنوات طويلة محاولات لابتلاع أرضه من قبل سلطات الاحتلال رغم امتلاكه أرواق الطابو التركي تُثبت ملكيته لها، ووجوده الضارب في أعماق الأرض والتاريخ.
ويضيف أنّ استصلاح الأرض وتعميرها بات هدفا للجيش والمستوطنين حيث يتم تسليم الأهالي إخطارات بهدم الجدران الحجرية في الأرض المعمرة ويمهلون 45 يوما لذلك على وقع مطاردة المزارعين ومنعهم من الحراثة والزراعة.
ويُردف أنّ أصحاب الأرض بعدما يقضون عمرًا طويلًا في الاهتمام بها وزراعتها، يأتي المستوطنون ليلتهموا المساحات الزراعية على طبق من ذهب دونما تعب.
ويشير القيسي إلى أنّ الذرائع التي يقدمها الاحتلال لشرعنة مصادرة الأراضي في البلدة، أنها هذه المناطق مصنفة بـ "أراضي دولة"، بينما الحقيقة أنها تمهيد لتنفيذ قرار سياسي أُعلن عنه في العام 2004 لمخطط "القدس الكبرى" الذي يتضمن أراضي بلدة بتير.
وقد رفع العلم الإسرائيلي على سارية في إحدى البؤر الاستيطانية المقامة على أراضي بلدة بتير، كما تم بناء عدة بيوت نقالة وحظيرة للأغنام في منطقة تغطيها أشجار زيتون يملكها فلسطينيون، وفق تقارير إعلامية.
ويشهد بناء البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية تصاعدًا ملحوظًا منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023؛ وتتلقى دعمًا حكوميًا بالرغم من أنّ القانون الدولي يُصنّفها بأنها غير قانونية.
من جانبه يقول مسؤول محلي في البلدة وأحد من المتضررين من الاستيطان غسان عليان، إنها من قرى القدس المصنفة ضمن تجمع "بني حسن" منذ العهد التركي وحيث موقعها الاستراتيجي لعبور سكة الحديد نحو القدس وقتها.
وعقب الاحتلال بقي من مساحتها الإجمالية البالغة نحو 13000 دونم ما بين 8-9 آلاف دونم وتحولت تبعيتها الإدارية ضمن الريف الغربي لبيت لحم قبل أن تدهمها أنياب المخططات والجرافات الاستيطانية وفق عليان.
مستوطنة "حيليتس"
ويتحدث غسان عليان لـ "وكالة سند للأنباء" عن المخطط الاستيطاني المعروف بـ "ناحال حيليتس" الذي ينطلق من وادي حلس ووادي المخرور وأبو نعمة يقابلها تلة تقدر مساحتها 160دونمًا، مشيرًا إلى أنها تقع داخل منطقة بتير المحمية من "يونسكو"، وهي واحدة من أربعة مواقع في الضفة الغربية مدرجة بقائمة التراث العالمي للبشرية.
وبحسب منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية فإن "حيليتس" واحدة من 5 مستوطنات ستكون "في عمق الأراضي الفلسطينية" وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية في 27 يونيو/ حزيران الماضي، مؤكدةً أنّ هذه "المستوطنة ستعرقل الحياة والعمل في بتير، وستؤدي بطرق عدة إلى حدوث توتر بين الجيران".
ويؤكد أهالي البلدة ومراقبون أنّ الهدف من إقامة مستوطنة "حيليتس" هو ربط القدس بمجمع مستوطنات غوش عتصيون في عمق الضفة الغربية، وإذا تحقق ذلك، فسيتم عزل بتير والقرى المجاورة عن مدينة بيت لحم وبقية الضفة.
وتظهر بؤرة استيطانية أخرى في منطقة "بردموا" استولت على مياه عين عليان وحولوها لبركة تنشط في السياحة الدينية وتطهير الأجساد بينما كان نصيب منطقة المخرور بؤرة ابتلعت في أول خطوة خمسة دونمات لتكون البؤر الاستيطانية الحالية نهبت 603 دونمات يملك أصحابها أوراق الطابو التركي يُثبت حقهم وملكيتهم في أرضهم المحمية من "يونسكو" لكن دون جدوى. وفق عليان.
ويصف مشهد العام الذي يعيشه أهالي البلدة بأنه "مدمر" من جميع النواحي تحديدًا الزراعي الذي يعد شريان الحياة الرئيس للأهالي والمتمركز في الشق الشرقي والغربي للبلدة، في الوقت الذي يطارد المستوطنون بحراسة جيش الاحتلال، الأهالي أثناء توجههم لحراثة أراضيهم المزروعة بالزيتون والعنب خلف منطقة سكة الحديد غربا.
ويؤكد أنّ بتير كانت تعتبر سلة الغذاء التابعة للقدس حيث زراعتها المنوعة موسميا وتنتج 15 طن من الخضار يوميا تراجعت بفعل الاستيطان لنحو نصف طن، وأخيرا إلى 100 كيلو فقط ومنها الباذنجان والذرة والزيتون والبندورة يضاف إليها الزراعة السياحية في مشهد يختصر الضرر البليغ الذي لحق بالبلدة وقطاع الزراعة.
كما تُدمر المشاريع الاستيطانية _بحسب غسان عليان_ قطاع السياحة في بتير كموقع تراثي عالمي وقد تضرر بنسبة تصل 99% حيث أنّ المسارات السياحية تنطلق من بيت جالا نحو عين بتير مرورا بالمطاعم والمحال المخصصة للزوار.
وهذا كله من شأنه، أنّ يؤدي ذلك إلى تفتيت أي حلم لإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا، من وجهة نظر غسان عليان.
وقد لجأ سكان بتير إلى المحاكم الإسرائيلية 3 مرات ضد البؤرة الاستيطانية العشوائية المقامة على أراضيهم، لكن سلطات الاحتلال تُماطل في ذلك بادعاء أنها "ليست أولوية خلال فترة الحرب الجارية".