لن تنس عائلة "بشارات" من بلدة طمون جنوب طوباس شمال الضفة الغربية، تاريخ الثامن من يناير/ كانون الثاني الجاري، حين خطف صاروخ طائرة مسيّرة إسرائيلية أرواح ثلاثة من أبنائها وهم يجلسون على عتبة منزلهم بالبلدة.
وعاشت البلدة وعائلة بشارات حزنًا عميقًا على رحيل الشهداء الثلاثة، لا سيما وأن الطفلين "رضا" و"حمزة" هما وحيدا عائلتيهما من الذكور، وقد رزقا بهما بعد سنوات طويلة.
واستشهد الطفلان رضا علي بشارات (8 سنوات) وحمزة عمار بشارات (10 سنوات)، والشاب آدم خير الدين بشارات (23 عامًا)، وهم أبناء عمومة، بقصف إسرائيلي استهدفهم قرب منزل عائلتهم في طمون.
وزعم جيش الاحتلال أنه استهدف خلية مسلحة كانت تزرع عبوات ناسفة، قبل أن يتراجع عن روايته ويزعم فتح تحقيق بالحادثة، وإقراره بقتل الطفلين والشاب وإعادة جثامينهم لعائلتهم عقب احتجازهم لعدة ساعات.
رحيل مروّع..
كانت الساعة تشير قرابة العاشرة صباحًا، عندما تجمّع أطفال العائلة كعادتهم أمام منزلهم، يلعبون ويلهون معًا، لكن صوت طائرة الاستطلاع وتواجد قوات الاحتلال على أطراف البلدة، لم يكن مُطَمئنًا، فطلبت أمهاتهم منهم الدخول للمنزل، تفرّق عدد من أطفال العائلة، لكن بقي رضا وحمزة آدم يجلسون على عتبة البيت.
تروي لنا والدة الطفل الشهيد حمزة (10 سنوات) تلك اللحظات وتقول: "قبل سقوط الصاروخ بدقيقة كنت معهم، نادى علي حمزة وسألني عن وجبة الفطور، وطلبت منه أن يتبعني للبيت، وما أن دخلت البيت حتى سمعت صوت انفجار كبير".
عادت الأم مسرعة، لتجد أبنها مضرجًا بدمائه بجوار أبناء عمه رضا وآدم، وتسرد لنا: "كنت أول الواصلين لمكان القصف، رأيتهم ملقون على الرض بجوار بعضهم، أمسكت برضا وآدم، كانوا لا يتحركون، بعدها أمسكت بابني حمزة".
تكمل حديثها لـ "وكالة سند للأنباء" والحزن يملأ قلبها: "شهق طفلي شهقته الأخيرة في حضني، قلت له "إحكي أشهد أن لا إله إلا الله يما" لكنه كان لا يقوى على الحديث شهق واستشهد".
و"حمزة" هو بِكر والديه، ورزقا به بعد 7 سنوات من الانتظار وعدة محاولات للإنجاب بأطفال الأنابيب، ليزرقهم الله بعده بشقيقاته الثلاثة التوأم (9 سنوات)، اللواتي يفتقدنه في كل لحظة بالمنزل.
وتقول شقيقته "جنى" لـ "وكالة سند للأنباء": "اشتقنا لحمزة كتير، دائما أفكر أنه مسافر وسيرجع، لكن أتذكر أنه أصبح بالجنة ولن يعود".
ووصلت أمهات الشهيدين رضا وآدم فور سماع الإنفجار، لتحتضن كل واحدة منهن فلذة كبدها وهم مضرجون بدمائهم، لكن الاحتلال وكعادته كما يحرم الفلسطيني من الفرح يمنعه أيضًا من الحزن والوداع.
ففور استشهاد أبناء "بشارات"، وصلت قوة من جيش الاحتلال للمكان، وانتزعت الشهداء من أحضان أمهاتهم، واقتحمت منازلهم بحثًا عن أي ذريعة لتبرير جريمة قتلهم، واختطفت جثامينهم واحتجزتهم حتى ساعات المساء.
"آدم".. ختم حياته بـ "عمرة"..
بألم فقدان الابن والسند والمعين، يرثي خير الدين بشارات نجله آدم ويقول لـ "وكالة سند للأنباء": "كان آدم سندي ويدي اليمنى بكل شيء، كان يعمل معي في منطقة الأغوار، وقد ختم حياته برحلة عمرة كان قد عاد منها قبل يومين من استشهاده فقط".
ويتابع: "كان آدم شابًا خلوقًا مؤدبًا وخجولًا وملتزمًا، ذهب لأداء العمرة رفقة أصدقائه وعاد قبل يومين من استشهاد، رأيته مرة واحدة خلالهما، قبل أن أعود لعملي في الإوار، وكان ذلك آخر لقاء ليه معه".
وكأي شاب في عمره، كانت عائلة آدم قد خططت لخطبته، وعن ذلك تحدثنا والدته: "قبل استشهاده بأيام ذهبنا لطلب عروس له، لكن الله اختار له الشهادة لتزفه الحور العين".
وعن لحظة استشهادهم تروي لنا: "خرجت من البيت مسرعة ورأيت ادم ورضا وحمزة ملقون على الأرض، حضنت ابني وخرجت روحه وهو في حضني".
وتقول: "الثلاثة رحلوا معًا على باب البيت، ابني آدم وحمزة أيضا ابني بالرضاعة، ورضا وحيد أهله أيضا".
"كأنه حلم سأعود منه"..
ورغم مرور أسابيع على استشهاد أبناء العائلة، إلا أن قلوب الأمهات لا تريد التصديق برحيلهم، فتقول والدة الطفل رضا (8 سنوات)، "أشعر كأني بحلم سأصحو منه وأرى طفلي ".
وتضيف في حديثها لـ "وكالة سند للأنباء": "رضا أصغر أبنائي، رزقنا الله به بعد 4 بنات، وهو مدلل العائلة، ومدللي، أفتقده بكل شيء، إلا أن وقت نومي أصبح موعدًا لتجديد الحزن، فقد كان ينام يجواري دائما".
وتسرد: "كان يأتي إلى جانبي ليلا، ويقبلني ويحضنني، لكنه رحل الآن ولن يعود".
وتسلمت عائلة بشارات أبناءها الثلاثة بعد ساعات من احتجازهم عقب استشهادهم، حيث حاولت سلطات الاحتلال الادعاء بأنها قتلت خلية كانت تحاول زرع عبوة ناسفة.
الاحتلال تراجع عن إدعاءاته..
ولاقى اغتيال أبناء "بشارات" استنكارًا حقوقيا وشعبيًا وفلسطينيًا واسعًا، لا سيما بعد أن تكشفت ادعاءات الاحتلال باستهداف مقاومين بعد أن أعلن عن أن الشهداء هم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات.
وعقب الحادثة، ندد محافظ طوباس والأغوار الشمالية أحمد الاسعد، وفند الرواية الاسرائيلية الكاذبة والتي ادعت قصف خلية مسلحة، والتي راح ضحيتها أولاد عمومة طفلين اثنين، لم يتجاوز أعمارهم العشر سنوات إضافة لشاب (23 عاما) كان بمحيط منزلهم.
في حين، قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، بعد الحادثة، إن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي لطفلين في طمون جنوب طوباس شمال الضفة الغربية، يأتي في كجزء من دعوات اليمين الاستيطاني لإضفاء النهج الذي يطلق في غزة على أراضي الضفة الغربية.
وشهدت بلدة طمون خلال الشهور الماضية عمليات اغتيال لمقاومين واقتحامات واسعة، تخللها اشتباكات عنيفة مع مقاومين، أسفرت قبل أيام عن مقتل جندي إسرائيلي.