الساعة 00:00 م
الجمعة 10 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.67 جنيه إسترليني
5.26 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.02 يورو
3.73 دولار أمريكي

بالصور الطفل آدم عيّاد.. وحيد أمه يُغادر الحياة بعدما تحققت أمنيته في الشهادة

حجم الخط
الشهيد الطفل آدم عياد
بيت لحم/غزة – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

ليس سهلًا أن تزور مشاعر الخوف قلب الأم، فهي تؤمن بأن الله يبعث لها "الإشارات" في دقائق الأمور، إذ كانت أم الطفل آدم عياد (15 عامًا) تعلم أن سرعته في الحديثِ معها ليلة استشهاده "غير عادية" وأنَّ شيئًا ما ينتظرهم!

الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، طلَّ الفتى آدم عياد على والدته بعد رجوعه المتأخر من عمله في أحد "مخابز" الحيّ يتحدث إليها عن نشاطه وحركته في الفرن ويضحك بصوتٍ عالٍ، ويُخبرها أن مالك المخبز زوّد راتبه، وأن حبيبها الصغير كبر وصار "معلّمًا" في الفرن، واصفةً والدة الطفل كلام نجلها بِـ "حديثٍ مُودّع".

وفي ساعاتِ الفجرِ الأولى قبل ذهاب الطفل "عياد" إلى عمله في الفرن، طبطب على كتفِ والدته، وقال لها: "ادّخرت من نقود عملي حتى لا تحتاجين شيئًا في غيابي" وأشار لها إلى المكان الذي يُخبئ بها مصروفه.

324482340_476879751270574_5035658378316957829_n.jpg


"بدك شيء مني؟".. سؤالٌ على هيئة مفردات مُودّعة فكانت الإجابة حاضرة على لسان والدته "لا تتأخر عليا"، لكن الأقدار أخرته ثم غيّبته عن بيت عائلته إلى الأبد، حيث تزامن ذهاب "آدم" إلى عمله مع اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم الدهيشة بمدينة بيت لحم، اندلع على إثره مواجهات أُصيب فيها برصاصة اخترقت صدره.

وعاد وحيد "عائلته" إلى حضن والدته ظهر الثلاثاء الماضي (3 يناير/ كانون ثاني) لكن هذه المرة بكفنٍ أبيض ووجع وقهرٍ لا يقوى على احتماله أحد.

"خبر مثل الصاعقة"..

"كُنتَ أنت أول مَن علمتَ باستشهاد آدم، كيف كان وقع الخبر عليك؟"، يُجيب محمود عياد خال الشهيد بعد تنهيدةٍ قاسية: "أصابتني الصدمة، كأن صاعقة نزلت على قلبي، وأصبحت أتساءل كيف يُمكنني إخبار والدته، لم يكن الأمر سهلًا".

ويُكمل محمود لـ "وكالة سند للأنباء"، خبر الاستشهاد صعب جدًّا، ذهبت مُسرعًا إلى المستشفى التي كان يتلقي بها العلاج بعد إصابته بجراحٍ خطيرة، لكن محاولات الأطباء في إنعاش قلبه باءت بالفشل".

ويُعبر بكلماتٍ ثقيلة "استشهاد آدم ثقيل علينا خاصة على والدته التي كان يُعينها، ويُحاول تقديم كل شيء في سبيل إسعادها وإرضائها".

ويضيف خال الشهيد، "آدم كان يتميز بصدقه في المشاعر، وتصرفاته التي تكبر عمره، خلوق، يُحب مساعدة الغير"، وأكثر ما يجعله جميلًا أن سنّه ضحوك وشقي.

324074267_5794345980652724_5058731936052900380_n.jpg

 

"صوت آدم في كل الأماكن"..

أما وفاء عياد والدة الطفل آدم تسرد صفات ابنها الوحيد بصوتٍ مملوء بالقهر: "حنون يُحب الحياة والضحك واللعب والمزح، قلبه نظيف خالٍ من الحقد والغل، يُحب سماع جملة الله يرضى عنك، وفوق ذلك كله، كان يتمنى الشهادة لكنه يُخفيها عني خوفًا عليّ".

لا يُمكن أن نلمس الصوت، لكن ذبذباته تتردد في كُلِّ الأماكن، بصوتٍ نحيب تقول والدة آدم لـ "وكالة سند للأنباء"، "صوت ابني آدم بسمعه كل يوم، وكأنه يُحدثني في غيابه، كان يتكلم معي برسائله الأخيرة قبل استشهاده "ادخرت مصروفي إلك يما، كأنها رسالة مودع".

319171254_703781554667373_7974354395140705767_n.jpg

 

خانتها الدموع قبل أن تُجيب على سؤالنا مَن الذي تجرأ على إخبارك بنبأ استشهاده؟ "الساعة الرابعة فجرًا دق باب بيتي من طرف زوجة أخي، علمتُ حينها أن آدم أصابه شيء؛ لأن الخوف في قلبي عليه ليلتها لم يكن عاديًا، قالت لي: "آدم مصاب لا تقلقي".

وتسرد صعوبة اللحظة "مسكت يد زوجة أخي، وبترددٍ كبير سألتها آدم استشهد صح؟، ثم ذهبتُ مسرعة إلى المستشفى حتى سمعت صراخ أخي من داخل غرفة العمليات، قبل أن يتقدم نحوي "ترحمي عليه يختي" (قالها هو) وفقدتُ "وفاء" وعيها إلى أن جاءت لحظات الوداع المرّة.

"وصية آدم"..

"أنا كان نفسي أشياء كتيرة أحققها بس إحنا ببلد مستحيل تحقق حلمك فيها".. ما سبق جزء من وصية الشهيد آدم، تقول والدته: "ابني حقق أمنيته في الشهادة، تمناها بصدق وعمِل لأجلها ثم نالها".

ووصف الشهادة بـ "الفخر" قائلًا: "الشهادة مش بس موت، هي فخر لنفسك، وفخر للعالم، الشهادة انتصار"، عن ذلك تضيف والدته، "قبل استشهاده قرأت وصيته التي خبأها في ملابسه، حاولت أن أمنعه عن الحديث بها، لكنه شدد في حديثه معي وقال "افخري بابنك رح يكون شهيد (..) الشهادة فخر يما".

323926890_722338029160245_4890091346108138250_n.jpg
 

"نفسي الناس كلها تصحصح"، تستطرد والدة آدم، أن نجلها كان متأثرًا جدًّا بالشهيد إبراهيم النابلسي، متأثرًا بنضاله وكلماته كما أبرزها في وصيته، لافتةً أن آدم كان متأثرًا -أيضًا- برفيقه الشهيد عمر مناع إذ كان يزوره في المقبرة ويجلس بجوار قبره لساعاتٍ طويلة.

وتختم وفاء عياد بكلماتٍ موجِعة: "أنا تعبت كتير في تربيته، وحلمت أشوفه كبير وعريس، وكانت له أحلام كثيرة لم يتحقق منها إلا الشهادة (..) هذا قدرنا، قدر الفلسطيني طالما أن الاحتلال لازال جاثمًا على أرضنا".

324389684_2449974291834732_4760025560317749009_n.jpg
323531364_1348872435866579_8164381350099204491_n.jpg