حتى 29 يناير/ كانون الثاني 2024، كان للشاب مصعب ناصر منزل وحديقة بها أشجار تظله بجانبه ملعب كرة القدم، بحي الرمال بمدينة غزة إلى أن أجبرته قوات الاحتلال الإسرائيلي أسوة بالعديد من سكان المدينة على ترك منزله والنزوح للاستقرار في مخيم مؤقت بدير البلح جنوب قطاع غزة.
وعند وقف إطلاق النار اضطر الشاب مصعب ناصر للقيام برحلة ذهابا وإيابا لمدة 24 ساعة لمعرفة ما يمكن إنقاذه من حياته القديمة، غير أن العودة للحياة البدائية، كانت بانتظاره كواحدة من مآسي غزة الجديدة التي لا تنتهي بانتهاء الحرب.
وعاد أكثر من 500 ألف نازح إلى شمال قطاع غزة على مدار أيام، فور انسحاب جيش الاحتلال من محور "نتساريم"، ويحمل كلٌ منهم قصته المختلفة من العذاب والمعاناة التي خلَّفتها حرب الإبادة الجماعية.
يقول الشاب "ناصر"، في مقابلة صحفية نشرتها صحيفة لاكروا الفرنسية: "في السابق كان الذهاب والإياب لمدينة دير البلح يستغرق نصف ساعة بالسيارة، والآن أتقدم رويدا رويدا على طريق مليء بالحفر والأنقاض".
ويتابع:" وكأن المنطقة تعرضت لإعصار لم أتعرف على مؤسسة مياه البلديات الساحلية التي كنت أعمل بها، وجلست لأستريح بجانب مئذنة مائلة فذهلت من أنها مئذنة مسجد الشيخ عجلين الذي كنت أصلي فيه".
الشاب الذي بدا عليه الصبر وتحمّل مسؤولية عائلته تفقد منازل إخوته وأخواته المدمرة، قائلا:" تمكنت من جمع بعض البقايا، صور نجت من الحريق ومصحف ومفتاح المنزل الذي لم يعد له باب، لا يوجد ما يمكن إنقاذه وسط الأنقاض التي تفوح منها رائحة المتفجرات".
يرى "ناصر" أن مأساته، على صعوبتها، أصغر مما يعيشه غيره فالشارع الذي كانت تتردد فيه أصوات الأطفال وضحكاتهم البريئة تحول إلى مقبرة صامتة، أحدهم يبحث عن أخيه الصغير الذي لم يعثروا له على أثر، وآخرين يحاولون انتشال من تبقى من أفراد عوائلهم التي بقت تحت الأنقاض".
ويتساءل الشاب بلوعة ": لقد اختفت كل المعالم كيف تحول كل هذا الجمال إلى خراب؟ فالجامعة الإسلامية التي درس فيها سويت بالأرض، أين المقهى الذي سيلتقي فيه بأصدقائه؟ وأين المكتبة؟ أين محل الحلويات الذي كان يشتري منه؟".
"هذا المستشفى الذي ولدت فيه ابنتي الأولى لم يبق منه سوى هيكل أسود، والمدرسة التي درست فيها أصبحت كومة من الطوب، والسوق الذي كان صاخبا يضج بالحياة أصبح صحراء خرسانية". يقول "ناصر".
ويتابع مصعب مسترسلا " لن أبقى هناك، سأعود مع عائلتي إلى حيّنا، قد يقول البعض إنني مجنون ولكن هذا هو منزلنا، فسوف نقوم بتنظيف البيت المحروق، وسوف نعيش فيه حتى يعاد بناؤه".
حياةٌ مجهولة تنتظر عائلة الشاب "ناصر"، خاصة أن الاحتلال حرق بيتهم، لكنهم لم يترددوا في العودة، يحذوهم الأمل بأن يجدوا شيئًا من أغراض أهلهم ليحتفظوا به.