تعيش بلدة طمون شمال الضفة الغربية تحت التنكيل الإسرائيلي منذ فجر يوم الأحد الماضي، بعد أنّ أعلن جيش الاحتلال شنّ عملية عسكرية يستخدم فيها آليات عسكرية ثقيلة بينها ناقلات جند مصفّحة وجرافات وطائرات مسيّرة لا تغيب عن الأجواء.
وأمام التصعيد الميداني المتكرر فيها، يتساءل أهالي البلدة: لماذا كل هذا الحشد العسكري في طمون؟ وما الخطر الذي تُشكّله على "إسرائيل" ليتم وضعها في عين العاصفة وفرض حصار مشدد عليها، ترك آثارًا إنسانية صعبة على سكانها.
تقع طمون ضمن محافظة طوباس والأغوار الشمالية، وتمتد أراضيها حتى الحدود الأردنية شرق الضفة الغربية، وهذا ما يراه رئيس بلدية طمون ناجح بني عودة سببًا رئيسيًا للاستهداف وتحويلها لمسرح عمليات لجيش الاحتلال وتحديدًا بعد السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023.
ويقول بني عودة في تصريحٍ خاص بـ "وكالة سند للأنباء" إنّ البلدة بوابة الأغوار وعند عبور قوات الاحتلال لطوباس والبلدات المجاورة، لابد من المرور عبر طمون، وهذا يُشعل الاحتكاك والمواجهة مع الفلسطينيين كل مرة، وبالتالي استمرارية حالة المقاومة فيها وبروز فكرة المطلوبين والأبطال.
ويسهم التنكيل الاحتلالي بأهالي طمون وممتلكاتهم، بتولد الشعور بالرفض وهو ما زاد من المقاومة والاشتباكات يضاف إليها الاقتحامات والتدمير والاعتقالات وأبرزها اغتيال 10 من الأهالي دفعة واحدة عبر مسيرة إسرائيلية مؤخرًا، وفق بني عودة.
ويؤكد أنّه "كلما التحق شهيد بقوافل الشهداء تتصاعد الأمور الميدانية ببدائل جديدة ويزداد معه الشعور بالثأر، بعكس الرؤية الإسرائيلية التي تعتقد أن سياسية القتل والحصار والتدمير تُخمد جذوة المقاومة وتعزل أصحاب الأرض".
ويبلغ عدد سكان طمون نحو 17 ألف فلسطيني، ويشير بني عودة إلى أنّ 30 مواطنًا من أهالي البلدة ارتقوا بعد 7 أكتوبر، عدا عن إصابة واعتقال العشرات منهم، وتدمير أجزاءً من البنية التحتية وشبكات مياه وكهرباء ومنازل ومتاجر.
واستنادًا لتقارير صحفية، فإنّ طمون تمتلك مساحات سهلية، وأخرى جبلية تقع في الأغوار شمال شرق الضفة، غير أنّ الاحتلال حوّل جزءًا كبيرًا منها لمناطق عسكرية مغلقة، وطاول الاستيطان الزراعي والرعوي مساحات أخرى فيها وحرم سكانها الأصليين من أراضيهم.
ويعيش المواطنون منذ سنوات حالة من الحصار والحرمان من المياه والأراضي الزراعية، لكن الأمر تصاعد تدريجيًا إلى أنّ وصل ذروته في الآونة الأخيرة؛ ويقول الناشط عبد الله المحمود، إنّ الاحتلال يتبع سياسة انتقامية من أهالي البلدة؛ بالحصار والقتل والتدمير.
ويتهم الاحتلال مقاومين في طمون بمقتل قائد سرية اسرائيلية قبل نحو شهر والمشاركة في عديد من عمليات إطلاق النار ضد قواته وآلياته، ويتحجج الاحتلال بهذه الذريعة من أجل فرض السيطرة على البلدة وأراضيها.
ويضيف المحمود لـ "وكالة سند للأنباء" أنّ الاحتلال يحاول إضعاف حاضنة المقاومة الشعبية وتدفيعها الثمن، عبر السيطرة على منازلهم وتحويلها لثكنات عسكرية، وتجريف المباني التحتية وقطع المياه عنهم وحظر التجوال، والدفع بتعزيزات عسكرية للبلدة على مدار الساعة.
ولم يسلم القطاع الزراعي في البلدة من الاستهداف الإسرائيلي طوال الفترة الماضية، وفي هذا الإطار يشير ضيفنا إلى أنّ تدمير البنية التحتية وقطع المياه والحصار، أدى لخراب بالمحاصيل الزراعية وعجز المزارعين عن إخراجها من البلدة لتسويقها بالخارج.
من جانبه، يرى الناشط في مقاومة الاحتلال بالبلدة، أيمن غريب أن الاستهداف الإسرائيلي لطمون نابع من سياسة استعمارية تعمل على خلق بيئة طاردة للسكان، مضيفًا أنّ الاحتلال يُعربد ويستعرض قوته عبر الدبابات والطائرات والآليات الثقيلة وأعمال التجريف والتخريب والقتل؛ ليوهم الفلسطيني أنّ لا حياة له في بلاده.
ويؤكد غريب في حديثٍ مع "وكالة سند للأنباء" أنّ المواطن العادي بات لا يأمن على نفسه مغادرة بيته حتى لا تطاله الصواريخ والنيران، فيما تواصل المقاومة صبرها وصمودها ومواجهة قتل الروح الوطنية في ظل فراغ وطني وسياسي واضح المعالم.
ويشير لهدم قوات الاحتلال النصب التذكاري لأحمد أبو الجلدة الطموني الذي ارتبط اسمه بمقاومة المحتل البريطاني بينما يواجه جيل من الشباب وبأدوات مقاومة بسيطة، جيشًا كاملًا بعتاد عسكري ضخم.
ويتفق غريب والمحمود أنّ أحد أهم أسباب الاستهداف الإسرائيلي، للبلدة هو اتساع أراضيها التي ابتلعتها المعسكرات والمستوطنات التي زرعت في خاصرتها على مدار سنوات الاحتلال؛ لخنق الحياة وتبديد الشعور بالأمان.
لكنهما شددا أنّ كل الطرق التي جربتها "إسرائيل" على مدار سنوات احتلالها، لتركيع الفلسطينيين وترحيلهم عن أراضيهم فشلت، وهذه المحاولة أيضًا لن تُجدي نفعًا، فهو يُقاتل أصحاب أرض وليس أغراب عنها.