كل شيء اختلط ببعضه، حقيبة ظهر صغيرة ملونة، وحذاء رياضي، ووعاء طبخ معدني مثقوب بشظايا صاروخ، وأجزاء من أثاث وأدوات طهي وأغطية، وزجاج نوافذ ومرايا وأكواب مكسورة، وبقايا ملابس، مغطاة كلها بالغبار، لشهداء حال عليهم الحول ومازالوا تحت الأنقاض.
ربما سكت صوت السلاح في غزة، لكن معاناة عبد الفتاح أحمد (50 عاما)، لم تنته بعد مع قيامه بالبحث عن جثث زوجته وأولاده وأحفاده الموجودة تحت أنقاض منزله منذ فجر اليوم الأول لشهر رمضان السابق.
ويُعرب "أحمد" خلال حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، عن حزنه من استمرار وجود جثامين أفراد أسرته تحت الأنقاض منذ أكثر من عام، قائلًا:" "من المؤكد أنهم تحللوا وأصبحوا هياكل عظمية، لكن استمرار وجودهم تحت هذه الأنقاض يثير حزن الجميع من أفراد العائلة".
ويتابع بنبرة حزينة: "لسه أنا ولادي تحت الردم، حاولت أطلعهم، وإجا الدفاع المدني حاول، بس للأسف بسبب الدمار الكبير وقلة الإمكانيات ما قدرنا ننشلهم، حكولنا بدهم معدات تقنية وحديثة".
ودمرت قوات الاحتلال بناية مكونة من ثلاثة طوابق فوق رؤوس ساكنيها، في شهر مارس/ آذار 2024، ما تسبب بصعوبة واستحالة انتشال الشهداء والمصابين.
ليس وحدهم أفراد عائلة "أحمد" الذين ينتظرون انتشال جثامين شهدائهم من تحت أنقاض المباني المقصوفة، فالمواطن عبد الله الحداد (30 عاماً) لا يستطيع مفارقة ركام بنايتهم المقصوف بمدينة غزة.
ويقول: "منذ إعلان الهدنة لا أستطيع أن أترك تلك الأحجار، يراودني إحساس بأنهم يعلمون بوجودي بجانبهم وأنهم يطلبون مني أن أنقلهم إلى قبورهم".
ويردف والعبرات تخنق صوته:" لا أتوقف عن متابعة المؤسسات ذات الاختصاص من أجل انتشال ما تبقى من جثامين أفراد أسرتي".
ورغم مرور أكثر من عام يتشبث "عبد الله" بحبل الأمل، لا لإنقاذ أي من المفقودين طبعا، وإنما للعثور عليهم وتجهيز مراسم دفن لائقة لهم.
واستطاع عبد الله العثور على جثامين والدته وأختيه وأخوه، لكن لا أثر لوالده وعمه وأخته الكبرى حتى الآن.
"هل اختنقوا وماتوا تحت الركام؟ هل تمزقت أجسادهم بفعل شظايا الصواريخ؟ أم تراهم احترقوا في الانفجار؟"، يمزق هذا السؤال عبد الله منذ أكثر من عام، ولا يملك له جوابا.
ويقدر وجود 14 ألف جثة لشهداء فلسطينيين قضوا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تحت ركام المنازل وآلاف الأطنان من باطون لأبنية دمرها الاحتلال فوق رؤوس ساكنيها.
ويمنع جيش الاحتلال إدخال المعدات الثقيلة اللازمة لإزالة 55 مليون طن من الركام، ما أعاق انتشال جثامين الشهداء، وفتح الشوارع وإزالة الأنقاض.
وارتكبت إسرائيل، بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير/ كانون الثاني 2025، إبادة جماعية بغزة خلّفت نحو 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ودمارًا هائلًا وأزمة إنسانية غير مسبوقة.