أكد موقع The Intercept الأمريكي أن دولة الاحتلال الإسرائيلي انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة منذ البداية، وحتى قبل وقت طويل من استئناف هجماتها العسكرية القاتلة، فشلت في الالتزام بأي من شروط تثبت الهدنة وصولا لإنهاء حرب الإبادة الجماعية.
وأبرز الموقع أنه بينما كانت العائلات في غزة نائمة فجر يوم الثلاثاء الماضي، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدعم من البيت الأبيض، حملة قصف عنيفة على القطاع دون سابق إنذار، مما أسفر عن استشهاد 404 فلسطينيين على الأقل، بما في ذلك 174 طفلاً على الأقل.
وأشار إلى أنه بينما انتشرت الصور المروعة والقصص عن الأطفال المشوهين والأمهات الحزينات عبر الإنترنت، قضت وسائل الإعلام في الولايات المتحدة يومها في محاولة فهم أحد أكثر القصف وحشية في يوم واحد في حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة.
ولفت إلى أن البعض فسر الغارات الجوية الإسرائيلية القاتلة على أنها نتيجة طبيعية " لمفاوضات غير مثمرة " أو أنها تكتيك مساومة " لزيادة الضغط على حركة حماس ". في حين كررت وسائل إعلام أخرى، دون سؤال أو شك، مزاعم الحكومة الإسرائيلية والأميركية التي تلوم حماس على الغارات.
وشدد الموقع على أن ما يغيب بشكل حاسم عن هذه التغطية الإعلامية هو أن "إسرائيل" انتهكت مرارًا وتكرارًا شروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه في يناير/كانون الثاني، قبيل هجمات يوم الثلاثاء.
فبدعم من إدارة ترامب، رفضت الحكومة الإسرائيلية سحب جنودها من غزة، كما هو منصوص عليه في الاتفاق. وواصلت عملياتها العسكرية وقصفها، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية والكهرباء إلى القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني فلسطيني، وهو ما يُعدّ انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي.
القتل لم يتوقف أبدا
قال يوسف منير الباحث في المركز العربي في واشنطن: "لم يكن هناك وقف لإطلاق النار فيما يتصل بوقف القتل ضد الفلسطينيين منذ اللحظة التي تم فيها الإعلان عن وقف إطلاق النار حتى يوم الثلاثاء عندما تم انتهاكه بشكل واضح من قبل الإسرائيليين بشكل متصاعد".
كانت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، والتي دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير، شملت تبادلًا للأسرى بين فصائل المقاومة ودولة الاحتلال.
ولكن في تلك الفترة، واصل الاحتلال الإسرائيلي العمليات العسكرية في غزة، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 150 فلسطينيًا، بما في ذلك قصف أودى بحياة صحفيين وعمال إغاثة.
ومع حلول استحقاق بداية المرحلة الثانية في 2 مارس، واصلت دولة الاحتلال انتهاك الاتفاق، رافضة سحب جنودها من ممر فيلادلفيا. وبدلاً من ذلك، تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الاتفاق وقدم لحماس خطة بديلة: استمرار الاحتلال العسكري للقطاع، ومواصلة إطلاق سراح الأسرى، ووضع المحادثات جانبًا من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
كان طبيعي رفض حماس لخطة نتنياهو وردًا على ذلك، ألقت دولة الاحتلال باللوم على الحركة في انهيار المحادثات وردت بمنع تدفق المساعدات الإنسانية - الغذاء والوقود - من دخول غزة.
وبعد أيام، قطعت دولة الاحتلال الكهرباء بالكامل عن القطاع. وقد أدى تشديد الحصار الذي يرقى إلى جرائم حرب، إلى إرهاق قدرة المستشفيات على رعاية المرضى والجرحى، وأثار المخاوف بشأن نقص الغذاء، وقطع إمدادات المياه عن آلاف الأشخاص.
إصرار على الإبادة الجماعية
أدانت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وكذلك حصارها المستمر للقطاع. وقالت منظمة العفو الدولية إن الحصار ينتهك القانون الإنساني، و"يُمثل دليلاً إضافياً على الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل".
وألقت أماندا كلاسينج، المديرة الوطنية للعلاقات الحكومية والمناصرة في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية، باللوم على الولايات المتحدة لسياستها المتواصلة في تسليح "إسرائيل" وتطبيع استخدام الفظائع كأوراق مساومة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وافقت إدارة ترامب على صفقة أسلحة جديدة مع "إسرائيل" بقيمة حوالي 3 مليارات دولار من الأسلحة، بما في ذلك أكثر من 35500 قنبلة MK-84 وBLU-117، والمعروفة أيضًا باسم القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل.
وقالت كلاسينج إنه "بغض النظر عما إذا كان هناك وقف لإطلاق النار أم لا، أو تم إطلاق سراح الأسرى أم لا، يجب على "إسرائيل" ألا تمنع المساعدات الإنسانية أو تنفذ أي شيء يمثل عقابًا جماعيًا، نقطة على السطر".
من جانبها، شنّت الولايات المتحدة أيضًا حملة قصف جوي في اليمن خلال الأيام الأخيرة، ردًا على جماعة انصار الله "الحوثيين" الذين تعهدوا بمهاجمة السفن الإسرائيلية على طول ساحلها ردًا على الحصار الإسرائيلي لغزة. وقد أسفرت الغارات الأمريكية في اليمن عن قتل 53 شخصًا، بينهم خمسة أطفال.
وبينما تستمر وسائل الإعلام الأميركية في نشر خط نتنياهو وترامب بأن مثل هذه التفجيرات هي نتيجة حتمية لجهات ترفض إطلاق سراح الأسرى، أشاد منير بمعظم التغطية الإعلامية الإسرائيلية لكونها أكثر انتقادا لعدوان نتنياهو الأخير.
ويُلقي هذا التأطير بمسؤولية أكبر على رفض نتنياهو تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي كانت ستُعيد الأسرى المتبقين إلى ديارهم. وقال منيّر إن التغطية تُصوّر نتنياهو كشخصٍ مُصابٍ بجنون الارتياب من التمسك بالسلطة.
كما واجه نتنياهو رد فعل عنيف بعد إقالة كبار المسؤولين الإسرائيليين، في وقت يتعرض ائتلافه اليميني لضغوط لإقرار الميزانية بحلول 31 مارس. وإذا فشل في الوفاء بالموعد النهائي، فسوف يُحل الكنيست، وستتم الدعوة إلى انتخابات جديدة، مما يعرض قبضة نتنياهو على السلطة للخطر.
وعن ذلك قال منير: "لم يكن مفاجئًا بالنسبة لي أنه في هذه اللحظة المتصاعدة من الأزمة السياسية الداخلية، اختار نتنياهو أن يفعل الشيء الوحيد الذي يعود إليه دائمًا، وهو القتل الجماعي للفلسطينيين".
واعتبر منير أنه إذا استقر المناخ السياسي، فقد تكون الحكومة الإسرائيلية على استعداد لمواصلة المفاوضات، لكنه يخشى حتى ذلك الحين أن تستمر في تصعيد الهجمات على غزة كوسيلة لكسب المزيد من الدعم من الولايات المتحدة.
وأعرب عن أمله في استمرار الضغط داخل "إسرائيل"، قائلا "تُدرك شرائح واسعة من الجمهور الإسرائيلي، ممن يعتبرون عودة الأسرى أولوية، أن العدوان العسكري على غزة لم يجلب سوى الموت والدمار، بينما نجحت الدبلوماسية في ضمان عودتهم سالمين.
وقال "كان التناقض بين هذين الأمرين جليًا للجمهور الإسرائيلي. لم يعد الأسرى الإسرائيليون من غزة إلا بعد توقف القصف، وتوقيع اتفاق، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. وبالتالي، يتضح جليًا أيهما أنجع، إذا كان الهدف هو إطلاق سراح الأسرى، وأيهما لا ينجح".