تمعن سلطات الاحتلال الإسرائيلي بفرض إجراءاتها وسياساتها التهويدية للسيطرة على المعالم والمقدسات الإسلامية، وحرمان الفلسطيني حتى من حقه في أداء العبادات وعمارة المساجد حتى في المناسبات الدينية.
وتتجلى تلك السياسات والانتهاكات الإسرائيلية، بما تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي من تضييقات على الصلاة في المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، والتي تصاعدت وتيرتها خلال شهر رمضان المبارك، وبلغت ذروتها حين رفضت سلطات الاحتلال تسليم الحرم بكامل أروقته للمصلين المسلمين خلال عيد الفطر.
ومن المتعارف عليه، فتح المسجد الإبراهيمي بشكل كامل أمام المسلمين 10 أيام فقط في العام؛ وهي أيام الجمعة من شهر رمضان، وليلة القدر، وعيدي الفطر والأضحى، وليلة الإسراء والمعراج، والمولد النبوي، ورأس السنة الهجرية.
وفي سبيل فرض وقائع جديدة تخالف حتى توصيات "لجنة شمغار" الاسرائيلية ـذاتها عبر فرض جديدة للتقسيم المكاني والزماني للمسجد الابراهيمي، رفضت سلطات الاحتلال تسليمه للمسلمين خلال العيد، وهي المرة السادسة خلال شهر مارس/ آذار الماضي.
ومنذ بداية شهر رمضان اشتكى المصلون من إجراءات جديدة تمس الوجود الفلسطيني في المسجد، والبلدة القديمة بالخليل، وكان أبرزها فرض أعمار جديدة للدخول للمسجد، وعدم السماح بفتح المسجد بكافة أروقته وساحاته أمام المصلين المسلمين، في أوقات متفق عليها سابقاً ومنذ سنوات طويلة.
اعتداء غير مسبوق..
من جهته، اعتبر وزير الأوقاف والشؤون الدينية محمد نجم، أن ما يجري بحق الحرم الإبراهيمي اعتداء صارخ وغير مسبوق، واستفزازاً لمشاعر المسلمين وعدم مراعاة حرمة الشعائر الدينية.
وأكد وزير الأوقاف، في بيان سابق تلقته "وكالة سند للأنباء"، أن هذا الرفض يؤكد على سياسة الاحتلال الإسرائيلي الهادفة للسيطرة على الحرم الإبراهيمي الشريف، وتحويله إلى كنيس تلمودي تمارس فيه انتهاكاتهم للحرم وملكيته الوقفية.
حجج أمنية..
بدوره، يوضح مدير المسجد الإبراهيمي معتز أبو سنينة، أن الاحتلال يغلق مداخل المسجد منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولم يبق إلا مدخلًا واحدًا وهو البلدة القديمة، ما أدى لتقليل أعداد المصلين الوافدين للمسجد.
ويصف أبو سنينه، هذه الخطوة خلال حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، بـ "الخطيرة والاستفزازية والكبيرة" بإغلاق كافة الحواجز العسكرية المؤدية إلى الحرم الإبراهيمي بحجة خطط أمنية.
وينوّه، أن شهر رمضان هذا العام شهد جملة اعتداءات ضد المسجد الإبراهيمي، كان أبرزها عدم تسليمه لإدارة الأوقاف، وقال: "هناك أربعة أيام جمعة في رمضان يكون فيه المسجد الإبراهيمي مفتوحًا بجميع أروقته وساحاته وأقسامه، إضافة لليلة القدر ويوم العيد، لكن الاحتلال لم يسلّم المسجد في أي من هذه الأيام".
ويشير أبو سنينة، لإغلاق الاحتلال منطقة الباب الشرقي للمسجد، الأمر الذي دعا وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لعدم استلام المسجد منقوصا من أحد أروقته وأقسامه، مردفًا: "الاحتلال رفض فتح هذا الباب طيلة شهر رمضان المبارك مع أن هذا الباب متنفس المسجد، وفيه خدمات كبيرة من المياه وشبكة الإطفاء".
وتطرق مدير المسجد الإبراهيمي، إلى تنكيل الاحتلال بالمصلين طوال شهر رمضان والوافديين إليه بالتدقيق بالهويات والتفتيش عبر البوابات، حيث منع الشباب دون الـ 25 عاماً من الوصول إلى المسجدـ، لافتًا إلى أنها إجراءات جديدة.
كما منع الاحتلال الإفطار الذي يقدّم للموظفين وسدنة الحرم في أكثر من مرة، وذلك بمنع إدخال الإفطار للمسجد، خاصة في ليلة القدر.
ويحذر "أبو سنينة"، من محاولات الاحتلال للتقليل من عدد المصلين، مشيرًا لإغلاق البوابة يوميا أكثر من خمس مرات بحجج أمنية وبذرائع عسكرية، والاعتداءات على مدير وسدنة المسجد، ومحاولة منعهم من الوصول للحرم وأداء عملهم.
ترسيخ واقع جديد..
من جهته، يرى منسق تجمّع شباب ضد الاستيطان عيسى عمرو، أن الاحتلال يرسخ واقعاً جديداً في المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة بالخليل منذ السابع من أكتوبر، عبر فرض حصار على المسجد وتقليل أعداد المصلين، وإغلاق معظم الحواجز والحارات المحيطة.
ويبين عمرو في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، أن المنطقة الجنوبية الشرقية للمسجد الإبراهيمي مغلقة بالكامل مثل حارة السلايمة وحارة غيث وشارع البركة، وشارع الشهداء، وحاجز أبو الريش، ما يعني حرمان معظم المصلين الوافدين من المنطقة الصناعية والجنوبية عبر حاجز أبو الريش المغلق، مما أدى لتقليل اعداد المصليين.
ويلفت ضيفنا، لفرض شرط جديد بتحديد أعمار من يسمح لهم بدخول المسجد الإبراهيمي، عدا عن تصعيد الاعتداءات ضد المصلين وتعريضهم للتفتيش والإهانة.
ورفض الاحتلال تسليم مناطق الحرم الإبراهيمي منذ بداية شهر رمضان للأوقاف، كما صادر مفتاح باب الجهة الشرقية منه، وسمح للمستوطنين الصلاة داخل أروقه البوابة وتوجيه الشتائم للرسول وللمسلمين.
ويشير عمرو إلى وجود 6 حواجز في محيط المسجد، مبينًا أن الطريق المفتوح فقط حاجز واحد من البلدة القديمة، والخمسة الأخرى لا يسمح باستخدامها للمصلين.
حماية للمستوطنين..
من جانبه، يرى الباحث بمركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان هشام الشرباتي، أن وجود الاحتلال في المسجد الابراهيمي يهدف لحماية المستوطنين تحت ذريعة أنهم مصليين يهود، إضافة إلى انه مصدر توتر لسكان البلدة القديمة، خصوصا المنطقة التي تعيش داخل الحواجز، وهو ما يخالف الحقوق الدولية وحقوق الانسان.
ويضيف الشرباتي في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء" أن الاحتلال، ومنذ أول يوم لاحتلاله لمدينة الخليل غيّر قواعد العمل للمسجد الإبراهيمي، وسمح للمصلين اليهود بالدخول والصلاة في المسجد الابراهيمي، مشيرًا أنه ذلك يعد مخالفة للقانون الدولي، ويغير الوقائع والقوانين التي كانت تحكم قبل الاحتلال.
ويتابع: "على مدار سنوات الاحتلال، تم إحكام السيطرة على المسجد الإبراهيمي، وكان هناك نقلة نوعية عام 1994 في أعقاب مجزرة المسجد الإبراهيمي، وعندما أوصت لجنة شمغار بتجزئة المسجد الابراهيمي زمانياً ومكانياً".
ويلفت الشرباتي إلى أنه ومنذ عام 2018 تحاول قوات الاحتلال السيطرة على المسجد أكثر من الأيام العشرة التي حددتها "لجنة شمغار"، وعندما تبدأ المدة كما هو مقرر الساعة 10 مساءً كانوا يدخلوا الساعة 12 ظهرا، ويطردوا السدنة والمصليين بدعوة تخصيص المكان لليهود.
ويلفت الى أن ما يجري من انتهاكات مخالف للجنة الإسرائيلية، وفرض قراءة جديدة لها تخالف ما جرى الاعتياد عليه منذ عام 1994، بعد إغلاق قوات الاحتلال الحرم لمدة 6 أشهر في أعقاب المجزرة.
ويستطرد: "الاحتلال يمنع المواطنين من حق ممارسة العبادة كون أن الوصول للمسجد الابراهيمي يتطلب العبور عبر الحواجز العسكرية المزودة بكاميرات ذكية لها قابلية معرفة الوجوه وكشف المعادن، وأحياناً يتطلب الوقوف بطابور، مما يؤدي إلى التأخر على الصلاة، والصلاة خارج البوابة التي تؤدي للدخول إلى الحرم.
وشكّلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي "لجنة شمغار"، عقب مذبحة الحرم الإبراهيمي عام 1994، التي أدت لاستشهاد 29 مصليًّا وإصابة 150 آخرين على يد المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين، وكانت إحدى أهم نتائجها وضع ما يقارب 66% من مساحة الحرم وساحاته تحت سيطرة الاحتلال ومستوطنيه.
وتغلق سلطات الاحتلال المسجد الإبراهيمي أمام الفلسطينيين لمدة 10 أيام في العام خلال فترة الأعياد اليهودية، بموجب قرار اللجنة.