أبرزت صحيفة الغارديان البريطانية العثور على بعض جثث 15 مسعفاً وعامل إنقاذ فلسطينياً، قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي ودُفنوا في مقبرة جماعية قبل نحو عشرة أيام في رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وكانت أيديهم أو أرجلهم مقيدة وبها جروح ناجمة عن طلقات نارية في الرأس والصدر.
وأكدت الصحيفة أن روايات الشهود تضاف إلى مجموعة متراكمة من الأدلة التي تشير إلى جريمة حرب خطيرة محتملة وقعت في 23 مارس/آذار، عندما أُرسلت طواقم سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني وعمال الإنقاذ التابعين للدفاع المدني إلى موقع غارة جوية في الساعات الأولى من الصباح في منطقة الحشاشين في رفح.
ولم يُسمح للفرق الإنسانية الدولية بالوصول إلى الموقع إلا في نهاية هذا الأسبوع. وتم انتشال جثة واحدة يوم السبت. كما عُثر على أربعة عشر جثة أخرى في مقبرة رملية بالموقع يوم الأحد، ونُقلت جثثهم إلى مدينة خان يونس المجاورة للتشريح.
وشهد الدكتور أحمد الفرا، كبير الأطباء في مجمع ناصر الطبي في خانيونس، وصول بعض الرفات.
وقال الفرا لصحيفة الغارديان "رأيتُ ثلاث جثث عند نقلهم إلى مستشفى ناصر. كانت مصابة برصاصات في الصدر والرأس. أُعدموا. كانت أيديهم مقيدة، ربطوهم حتى عجزوا عن الحركة، ثم قتلوهم".
وقدّم الفرا صورًا قال إنه التقطها لأحد الشهداء لدى وصوله إلى المستشفى. تُظهر الصور يدًا في نهاية قميص أسود بأكمام طويلة، مع حبل أسود مربوط حول معصمه.
وقال شاهد عيان آخر شارك في انتشال رفات من رفح الأحد، إنه رأى أدلة تشير إلى إطلاق النار على أحد الشهداء بعد اعتقاله.
وذكر الشاهد، الذي طلب عدم ذكر اسمه حفاظًا على سلامته، لصحيفة الغارديان في مقابلة هاتفية: "رأيتُ الجثث بأم عيني عندما وجدناها في المقبرة الجماعية. كانت عليها آثار طلقات نارية متعددة في الصدر. كان أحدهم مقيد الساقين، وآخر مصابًا بطلق ناري في الرأس. لقد أُعدموا".
إعدام ميداني
تضاف هذه الروايات إلى تأكيدات أطلقها مسؤول كبير في الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني الفلسطيني ووزارة الصحة في غزة بأن بعض الضحايا تعرضوا لإطلاق النار بعد أن اعتقلتهم القوات الإسرائيلية وقيدتهم.
وقعت الحادثة بعد أن أنهت الحكومة الإسرائيلية وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين، واستأنفت هجماتها العسكرية في غزة في 17 مارس/آذار، بقصف جوي مكثف وعمليات برية. وأُمر أهالي رفح بمغادرة المدينة يوم الاثنين، قبل بدء العمليات البرية الإسرائيلية هناك.
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب في نوفمبر/تشرين الثاني ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت، وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إنه لا يزال يحقق مع القوات الإسرائيلية بشأن الفظائع المشتبه بها.
ويُعتقد أن الضحايا قُتلوا في 23 مارس/آذار، اثنان منهم سقطا في الساعات الأولى من الصباح عندما تعرضت سيارة الإسعاف التي كانوا يستقلونها لنيران إسرائيلية أثناء توجههم لنقل جرحى غارة جوية سابقة.
أما بقية الشهداء وعددهم 13، فقد كانوا ضمن قافلة من سيارات الإسعاف ومركبات الدفاع المدني أُرسلت لانتشال جثتي زميليهم. وكان أحد الضحايا موظفًا في الأمم المتحدة. ولا يزال مسعف في الهلال الأحمر مفقودًا.
محاولة التستر على الجريمة
قالت الأمم المتحدة إن سيارات الإسعاف ومركبات أخرى دُفنت في الرمال بواسطة الجرافات إلى جانب جثث الشهداء، فيما يبدو أنه محاولة للتستر على عمليات القتل.
وأظهرت لقطات فيديو للأمم المتحدة التقطها فريق الإنقاذ مركبة تابعة للأمم المتحدة محطمة وسيارات إسعاف وشاحنة إطفاء دُفنت في الرمال على يد الجيش الإسرائيلي.
قال ينس ليركه، المتحدث باسم مكتب تنسيق المساعدات التابع للأمم المتحدة: "هذه ضربة موجعة لنا... لقد أُطلق النار على هؤلاء الأشخاص". وأضاف: "عادةً ما نكون على قدر المسؤولية، فنحن المتحدثون الرسميون، ولكننا نواجه صعوبة أحيانًا في التواصل معهم. وهذه إحدى هذه الحالات".
فيما قال الدكتور بشار مراد مدير برامج الصحة في جمعية الهلال الأحمر بغزة إن أحد الجثث التي تم انتشالها للمسعفين على الأقل كان مقيد اليدين، وإن أحد المسعفين كان على اتصال بمشرف سيارات الإسعاف عندما وقع الهجوم.
وذكر مراد أنه خلال تلك المكالمة، كان من الممكن سماع طلقات نارية أطلقت من مسافة قريبة، فضلاً عن أصوات جنود إسرائيليين في مكان الحادث يتحدثون باللغة العبرية، وأمروا باعتقال بعض المسعفين على الأقل.
وتابع "أُطلقت طلقات نارية من مسافة قريبة. سُمعت خلال الاتصال بين ضابط الإشارة والطواقم الطبية التي نجت واتصلت بمركز الإسعاف طلبًا للمساعدة. كانت أصوات الجنود واضحة باللغة العبرية وقريبة جدًا، بالإضافة إلى صوت إطلاق النار".
"اجمعوهم عند الجدار وأحضروا قيودًا لربطهم"، كانت إحدى الجمل التي قال مراد إن المرسل سمعها.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني في غزة محمود بصل إنه تم العثور على الجثث وفي كل منها نحو 20 طلقة نارية على الأقل، وأكد أن "أحدهم على الأقل كانت ساقاه مقيدتين".
وفي بيان لها، قالت وزارة الصحة في غزة إن الضحايا "أُعدموا، بعضهم مكبل الأيدي، مصابون بجروح في الرأس والصدر. دُفنوا في حفرة عميقة لمنع الكشف عن هوياتهم".
وصرح رئيس الهلال الأحمر الفلسطيني، الدكتور يونس الخطيب، بأن جيش الاحتلال أعاق انتشال الجثث لعدة أيام. مشيرا إلى أن "عملية انتشال الجثث تمت بصعوبة بالغة لأنها كانت مدفونة في الرمال، ويبدو على بعضها علامات التحلل".