الساعة 00:00 م
الجمعة 18 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.89 جنيه إسترليني
5.2 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.19 يورو
3.69 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

هل تبقى قرارات "يونسكو" بشأن فلسطين حبراً على ورق؟

"نتنياهو" والمفاوضات بشأن حرب غزة.. "لعبة تضييع الوقت"

ضحكة في وجه الحرب.. صانعو المحتوى في غزة يروّضون أوجاعهم بالفكاهة

ستة نعوش.. وقلب أبٍ لا يتّسع للفقد.. رصد تفاعل مؤثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي

بتر بالمشِرط وكسر عظام باليد..

خاص تقشّعر لها الأبدان.. شهادة ممرض شارك في إجلاء ضحايا مجزرة الشجاعية

حجم الخط
الدفاع المدني
غزة – وكالة سند للأنباء

روى الممرض الفلسطيني مصطفى أبو الكاس، ابن حي الشجاعية، تفاصيل المشهد الذي لا يغيب عن الذاكرة، لحظة ارتكاب المجزرة في حي الهواشي شرق مدينة غزة، حين اضطرّ إلى اتخاذ القرار الأشد قسوة في حياته، بتر ساق جاره مؤمن أبو عمشة تحت الأنقاض، لإنقاذه من موتٍ كان يزحف إليه بثقل الخراب.

وارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الأربعاء، مجزرة مروّعة شرقي مدينة غزة، عقب استهداف مربع سكني مكتظ في حي الشجاعية، ما أسفر عن ارتقاء عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين، معظمهم من النساء والأطفال.

وقالت مصادر طبية إن الإصابات التي وصلت إلى المستشفيات تراوحت بين حالات بترٍ كاملة، وحروقٍ شديدة، وتشوهاتٍ جسدية صادمة، في وقتٍ عجزت فيه الطواقم الطبية عن التعامل مع حجم الكارثة.

ووسط انهيار النظام الصحي وقلّة الإمكانيات، لم تمضِ ساعات طويلة حتى فارق عدد من الجرحى الحياة، متأثرين بإصاباتهم التي كان يمكن إنقاذهم منها لو توفرت مقومات الرعاية، وفي ممرات المستشفيات، علت النداءات العاجلة للتبرع بالدم، كصرخة أخيرة للتشبث بما تبقى من حياة.

"كسر عظام باليد"..

يُكمل "أبو الكاس" في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، وصوته يتقطّع من فرط ما رأى: "كنت نازحًا عن الحي، لكن قلبي ظلّ معلقًا هناك، في ذلك اليوم عدت لأطمئن على الجيران، كنت أُحادثهم حين دوى الانفجار، هرعت نحو حي الهواشي كمن يركض في حلمٍ كابوسي، فوجدت الحي كومة رماد، أجساد ممدة، أنين في كل زاوية، وصراخ الأمهات يشقّ الحجر."

لم يكن الدمار وحده ما أصابه بالذهول، بل المشهد الذي بدا كأن القيامة قد قامت، يقول: "الشارع انفجر، النوافذ تفحّمت وطارت، الأطفال تحوّلوا إلى أجساد هشة تحت الركام، والدم يخطّ الأرصفة كأنه يروي حكاية الذبح، وجدت ابنة عمي تحت الردم، وعمي بجوارها، بلا نبض، كل بيت من بيوت الشارع فقد روحًا أو أكثر."

ويزيد، "وسط الغبار الكثيف وصدى النداءات، تردّد اسم "مؤمن" كان حيًّا... لكن ساقه عالقة تحت حزام إسمنتي لا يرحم، وقف الجميع عاجزين، الزمن تجمّد، مؤمن ينظر إلينا وهو يموت، وكل ثانية تمضي تسحبه نحو الفناء، شعرت أن ظهري انكسر، أن تموت أمام عينيك وأنت عاجز... تلك خيانة لا تُغتفر."

استجمع مصطفى شتات شجاعته، ويضيف: "طلبت من رجل الدفاع المدني أن يبتر ساقه، فانهار باكيًا، نظرت إلى عيون أقاربه، وقلت لهم: سيموت إن لم نفعل، وكان أهله ما بين شهيد وغائب تحت الردم، أمسكت المشرط ويدي ترتجف، لم يكن خيارًا... كان نجاة بطعم الوجع."

ويتابع: "بأدوات لا تليق حتى بذبح دجاجة، بدأ مصطفى عملية البتر، كل ضربة مشرط كانت كأنها تنحر قلبه، لا لحم مؤمن، كان يمسك عنقي كمن يبحث عن نجاة، لم يصرخ، لم يشتم. فقط نظر إليّ بعينين ترجواني: خلّصني."

حين وصلوا إلى العظم، لم تكن هناك منشار جراحي، ولا غرفة عمليات، ولا أي أداة طبية، مصطفى، الممرض، ورجل الدفاع المدني، كانا يملكان فقط أيديهما المرتجفة وقلبيهما المثقلين، أمسكا بالساق المكسورة، وتحت ضغط الوقت وصرخات مؤمن الموجوعة، كسرا العظم بأيديهما، دم كثير تدفق، وألم لا يُحتمل انفجر في وجه كل لحظة".

"كسرنا العظم بأيدينا"، قال مصطفى، "وكأننا كسرنا شيئًا في أرواحنا، بعدها لم أعد قادرًا على الكلام، جسدي كله كان يرتعش، قلبي كان ينهار، والمشهد ما زال يلاحقني في نومي ويقظتي."

ويلفت "أبو الكاس"، "نُقل مؤمن إلى العناية المركزة، وكان رأسه مصابًا، ما زال يُصارع من أجل الحياة، لكنني كنت أعلم أنني حملت معه شيئًا من الألم، شيئًا لن أتمكن من نسيانه أبدًا."

ويختم "أبو الكاس": "كنت أبحث عن أي حياة بين تلك الركام، لكن الحقيقة أنني ذهبت إلى هناك وأنا أعرف أنه لن ينجو الجميع، كنت أحاول انتشال كل من يمكن أن يبقى حيًا، ولكن مع كل جسد أخرجته، كنت أجد جزءًا من روحي قد سقط معه في الحفرة.