أكد خبراء أن الصور التي حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تُظهر أنماط انفجار وشظايا قذائف تتطابق مع قذيفتين أطلقتهما دبابة إسرائيلية ما يثبت مسئولية جيش الاحتلال عن الهجوم الذي أدى إلى قتل عامل إغاثة أوروبي رغم نفيه ذلك.
وتشير تحليلات خبراء للصور التي حصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” بشكل حصري إلى أن الانفجارات التي وقعت في دار ضيافة تابعة للأمم المتحدة في غزة الشهر الماضي، وأسفرت عن مقتل عامل إغاثة أوروبي وإصابة خمسة آخرين بجروح خطيرة، نجمت على الأرجح عن قذيفتين أطلقتهما دبابة إسرائيلية.
وأوضحت الصحيفة أن الهجوم الذي وقع في 19 آذار/مارس الماضي، بعد يوم من خرق الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين، دفع الأمم المتحدة إلى تقليص كبير في عدد موظفيها الدوليين في قطاع غزة. وقد ألقت الأمم المتحدة باللوم على "إسرائيل" في الهجوم، وهو اتهام أيده الخبراء.
في ذلك الصباح، وصل موظفو مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (UNOPS) إلى المبنى لفحص الأضرار التي لحقت بالسقف، والتي “تأثرت” بحادثة وقعت في الليلة السابقة عندما كان المبنى خاليًا، وفقًا لمذكرة داخلية للأمم المتحدة.
حوالي الساعة 11:30 صباحًا، وبينما كان فريق UNOPS يجلس في الخارج بعد الانتهاء من عمله، انفجرت قذيفة في الجو، ما أدى إلى مقتل عامل الإغاثة البلغاري مارين مارينوف (51 عامًا)، وإصابة خمسة موظفين دوليين بجروح خطيرة، من بينهم مواطن بريطاني، وفقًا لموظفي الأمم المتحدة.
وبعد دقيقتين، اخترقت قذيفة أخرى جدار الطابق الثاني الخارجي وانفجرت داخله، بحسب الروايات نفسها.
في مقطع فيديو مؤلم نشرته وكالة “أسوشيتد برس”، يظهر شخص ممدد على أرضية الباحة غارقًا في بركة دماء، بينما تسقط أعمدة الكهرباء وتتحطم الأشجار المحيطة بالمبنى. وتُسمع صرخات في الخلفية.
ثبوت الجريمة الإسرائيلية
بناءً على طلب صحيفة “واشنطن بوست”، قام ثلاثة خبراء ذخائر بمراجعة الفيديو بالإضافة إلى 10 صور تُظهر أضرارًا لحقت بالمجمع وأكثر من نصف دزينة من شظايا الذخائر الفردية. وقد تم تقديم الصور للصحيفة بشرط عدم نشرها.
قال كل من تريفور بول، فني التخلص من الذخائر المتفجرة سابقًا بالجيش الأميركي، وكريس كوب-سميث، مستشار أمني وضابط مدفعية سابق في الجيش البريطاني، ونيك جنزن-جونز، مدير خدمات بحوث الأسلحة، إن الصور تُظهر أضرارًا تتطابق مع قذيفتين أطلقتهما دبابة إسرائيلية.
وأشاروا إلى أن العلامات الدائرية على الجدران قرب الباحة تدل على انفجار قذيفة بالخارج، في المكان الذي كان يجلس فيه موظفو الأمم المتحدة عند وقوع الانفجار، حيث قُتل مارينوف.
وأظهرت الصور الملتقطة من داخل المبنى ما اعتبره الخبراء الثلاثة ثقب دخول قذيفة أخرى ونمط شظايا مماثل.
وأكد الخبراء أن الشظايا الظاهرة في الصور تعود على الأرجح إلى قذيفة إسرائيلية من طراز M339 عالية الانفجار ومتعددة الأغراض. وأحد الشظايا يحتوي على ثلاث حلقات متقاربة، وهو نمط مميز لقذائف الدبابات الإسرائيلية.
وأشاروا إلى أن وجود مكونات خضراء بين الشظايا يدل بشكل خاص على قذيفة M339، المستخدمة حصريًا من قبل القوات الإسرائيلية في غزة.
وكانت شبكة “سي إن إن” قد أفادت بأن الشظايا الموجودة في الموقع تتطابق مع قذيفة دبابة إسرائيلية M339، وقد نشر أحد مراسلي الشبكة صورة لشظايا خضراء قال إنها من موقع الحادث.
وتُطلق قذيفة M339 من دبابات ميركافا الإسرائيلية طراز III وIV، وهي قادرة على إصابة هدف على بعد أكثر من ثلاثة أميال، واختراق ما يقرب من ثماني بوصات من الخرسانة المسلحة المزدوجة “بدقة ملحوظة”، وفقًا لوصف الشركة المصنعة.
استهداف ممنهج لعمال الإغاثة
أظهرت صور أقمار صناعية التقطت في 18 مارس، أي قبل يوم من القصف، وجود دبابة ميركافا وثلاث مركبات مدرعة إسرائيلية أخرى على بُعد أقل من ميلين من دار الضيافة قرب الحدود الإسرائيلية، وفقًا لتحليل ويليام غودهيند، المحلل الجغرافي المكاني بشركة Contested Ground.
وتُظهر صور أخرى التقطت بعد ساعات من الضربة بقاء مركبات عسكرية — بما في ذلك على الأقل دبابة واحدة — في نفس الموقع.
وأخبر موظفو الأمم المتحدة الصحيفة أنهم أبلغوا الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر بموقع المبنى، وأكدوا وضعه كموقع محمي قبل الضربة القاتلة بليلة واحدة فقط.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، للصحفيين في جنيف الشهر الماضي إن دولة الاحتلال "كانت تعرف بالضبط مكان هذا المرفق التابع للأمم المتحدة” لكنها ضربت دار الضيافة على أي حال.
وأضاف: “نحتاج إلى محاسبة المسؤولين عن القرار، سواء كان استهدافًا متعمدًا أو سوء تواصل، لكن يجب أن تكون هناك محاسبة”.
وقال أفيهاي ستولار، الباحث في الأسلحة والتكتيكات العسكرية بمنظمة “نكسر الصمت”، التي تجمع شهادات الجنود الإسرائيليين الذين خدموا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن استخدام قذيفة M339 يشير إلى أن القوات الإسرائيلية كانت تستهدف أشخاصًا أو مجموعة داخل مبنى، لأن القذيفة مصممة لاختراق الجدران والانفجار في أماكن مغلقة.
واعتبر الموظفون أن دار الضيافة في دير البلح كانت واحدة من أكثر الأماكن أمانًا لهم، وقد أصبحت مركزًا فعليًا لجهود الإغاثة لخدمة أجزاء غزة الأكثر خطورة. وقالوا إن الجيش الإسرائيلي كان على علم جيد بها، حيث كان يتم فيها استضافة كبار مسؤولي الأمم المتحدة بانتظام.
وأشار ستولار إلى أنه إذا كان قد تم تصنيف الموقع بشكل صحيح كمرفق إنساني على النظام الإلكتروني الذي يستخدمه الجنود الإسرائيليون للتخطيط وتنفيذ المهام، لكان ينبغي أن يتمكن أطقم الدبابات وقادتهم من رؤيته في الوقت الفعلي.
كان مارين مارينوف ثاني موظف من UNOPS يُقتل خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة. وتقول الوكالة إن ما لا يقل عن 280 من موظفي الأمم المتحدة قتلوا منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في تشرين أول/أكتوبر 2023.
ويصف عمال الإغاثة في غزة بيئة يسودها انعدام الثقة بين الجنود الإسرائيليين والمنظمات الإنسانية، حيث يتمتع الجنود بسلطة كبيرة — عند نقاط التفتيش أو أثناء العمليات البرية — ونادرًا ما يواجهون عواقب لأفعالهم، بما في ذلك إطلاق النار على قوافل الإغاثة والمدنيين الذين يحاولون مساعدة الجرحى.
ويعتمد معظم الفلسطينيين في غزة بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية. فقد دُمر النظام الصحي تقريبًا، ونفد الغذاء بعد حصار استمر شهرًا على الغذاء والوقود والإمدادات. وحتى قبل الحصار، كانت المساعدات المحدودة التي تدخل معرضة للعنف والنهب.
ويقتضي القانون الدولي حماية المنشآت الإنسانية. وتقوم الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى بمشاركة إحداثيات مكاتبها ودور الضيافة ومسارات بعثاتها المقترحة مع الجيش الإسرائيلي لتجنب التعرض للنيران.
وقالت الأمم المتحدة بعد الضربة إنها قامت بإجلاء نحو 30 موظفًا، أي ثلث قوتها العاملة الدولية في غزة، مؤقتًا من القطاع، مشيرة إلى عدم قدرتها على ضمان سلامة موظفيها.