الساعة 00:00 م
الثلاثاء 29 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.86 جنيه إسترليني
5.1 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.13 يورو
3.62 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

عدد شهداء الحركة الرياضية في ارتفاع متواصل

كيف انتزعت الحرب روح الأماكن في غزة وحولتها إلى مأوى للنازحين؟

نزع سلاح المقاومة لن ينهي حرب الإبادة

ترجمة خاصة.. Middle East Eye: غزة لا تختار بين الحرب والسلام بل بين المقاومة والمحو

حجم الخط
المقاومة.jpg
غزة- وكالة سند للأنباء (ترجمة خاصة)

قال موقع Middle East Eye البريطاني، إن إجبار فصائل المقاومة الفلسطينية على نزح سلاحها لن يؤدي إلى إنهاء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، مؤكدا أن الوهم بأن نزع السلاح يمكن أن يؤدي إلى استقرار دائم يحجب حقيقة قاسية: فبالنسبة للعديد من سكان غزة، فإن الاختيار ليس بين الحرب والسلام، بل بين المقاومة والمحو.

وأبرز الموقع أنه في أعقاب هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على غزة، وكانت أهدافه المعلنة تدمير حماس عسكريًا وسياسيًا، واستعادة الأسرى الإسرائيليين، والقضاء على غزة كتهديد مستقبلي.

وما تلا ذلك كان أكبر تعبئة عسكرية لإسرائيل في تاريخ البلاد، حيث شارك فيها ما يقرب من نصف مليون جندي وأسقطت أكثر من 100 ألف طن من المتفجرات.

لكن بعد مرور أكثر من عام ونصف، لا تزال الأهداف الإسرائيلية الجوهرية دون تحقيق. إذ لا تزال حركة حماس والمقاومة ناشطة، ولا يزال العديد من الأسرى الإسرائيليين في غزة، وتتفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع.

ومع عجزها عن ادعاء النصر العسكري، تغيرت السياسة الإسرائيلية. وأصبح مطلبها الجديد نزع سلاح حماس بالكامل، وهو ما تُقدمه كشرط أساسي للسلام والاستقرار الإقليمي. إلا أن هذه الرواية مضللة بشكل خطير، ومنفصلة عن الحقائق المعقدة على الأرض.

إذ لا تمتلك غزة أسلحة ثقيلة كالطائرات والدبابات والصواريخ الباليستية، بل مخزونًا محدودًا من الأسلحة المصنّعة محليًا. وبجعل القضاء على أبسط أشكال الدفاع عن النفس شرطًا أساسيًا للسلام، يبدو أن دولة الاحتلال لا تسعى إلى المصالحة، بل إلى محو الوجود الفلسطيني في غزة تمامًا.

غياب النصر الإسرائيلي

عادةً ما تُطرح مطالب نزع السلاح في المراحل الأخيرة من الصراع، عقب تحقيق نصر عسكري حاسم يُجبر الخصم على الاستسلام والامتثال. إلا أن هذا السيناريو لم يتحقق في الحرب الدائرة على غزة.

وإن المطلب الإسرائيلي، بعيدًا عن كونه موقف قوة، هو اعتراف ضمني بالفشل. فبعد فشلها في تفكيك هيكل قيادة حماس وألويتها المسلحة بالوسائل العسكرية، تسعى الآن إلى تحقيق ذلك من خلال الضغط السياسي.

لكن فكرة أن حماس يمكن نزع سلاحها في ظل مثل هذه الظروف غير معقولة وخطيرة لعدد من الأسباب.

أولاً، المقاومة المسلحة ليست حكراً على حماس، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي الأوسع للحياة الفلسطينية. بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، المقاومة ليست ترفاً أيديولوجياً، بل ضرورة وجودية، متجذرة في تاريخ من التهجير والاحتلال والوعود التي لم تُوفَ.

لا ينحاز المقاتلون دائمًا رسميًا إلى الفصائل. غالبًا ما يكون دافعهم هدف مشترك، وصدمة جماعية، وشعور متفشٍّ بالظلم.

في مثل هذا السياق، لن يضمن نزع سلاح حماس - حتى لو كان ذلك ممكنًا - نهاية الصراع المسلح، إذ من المرجح أن تتدخل جماعات أخرى لملء الفراغ في غياب حل سياسي أشمل يعالج جذور الصراع.

ثانيًا، حماس ليست منظمة التحرير الفلسطينية، وغزة ليست بيروت. إن استحضار مقارنات تاريخية مع نزع سلاح منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان خلال ثمانينيات القرن الماضي أمرٌ مضلل. فحماس ليست قوة أجنبية تعمل من المنفى؛ بل هي طرف محلي، متجذر في الأرض التي تحكمها.

علاوة على ذلك، صمدت حماس لما يقرب من عقدين من الحصار والاغتيالات وغزوات غزة. ولا تكمن صمودها في بنيتها التحتية العسكرية فحسب، بما في ذلك شبكة أنفاقها، بل في دورها الرمزي كقوة صامدة في وجه القوة العسكرية الإسرائيلية الساحقة.

وإن محاولات استنساخ تجربة منظمة التحرير الفلسطينية في نزع السلاح القسري ونفيها تُسيء فهم طبيعة ترسيخ حماس في غزة. كما أنها تُخاطر بترسيخ نمطٍ تُغذّي فيه الاستراتيجيات العسكرية الفاشلة المزيد من التطرف وعدم الاستقرار على المدى الطويل.

ثالثًا، نزع السلاح دون عدالة طريق مسدود. بالنسبة لمعظم الفلسطينيين في غزة، المقاومة ليست خيارًا بين الحرب والسلام، بل بين البقاء والزوال. مع تدمير أحياء بأكملها، وقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني، وصدمة أجيال، تبدو فكرة أن مجرد إلقاء السلاح سيوفر الأمان غير منطقية ومهينة.

ومن المفارقات أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تُغذّي المقاومة ذاتها التي تسعى إلى إخمادها. ويشير تآكل الدعم الشعبي للحرب داخل "إسرائيل" نفسها إلى أن هذه الاستراتيجية لا تُخفق فحسب، بل قد تُؤتي بنتائج عكسية.

دروس التاريخ

رابعًا، لا يُوفر التاريخ أساسًا قويًا للثقة. فكثيرًا ما تُصاحب دعوات نزع السلاح وعودٌ بإعادة الإعمار والسلام. لكن الفلسطينيين شهدوا انهيار هذه الوعود من قبل، وغالبًا ما كانت العواقب وخيمة.

خلال حرب البوسنة، جاءت مذبحة سربرينيتشا عقب نزع سلاح فرضته الأمم المتحدة. وفي لبنان، وقعت مذبحة صبرا وشاتيلا تحت إشراف دولي.

وفي الضفة الغربية المحتلة، تزامنت سنوات من نزع السلاح الفلسطيني مع توسع المستوطنات الإسرائيلية، والمداهمات اليومية، والعنف الجامح.

ويدرك الفلسطينيون تمامًا هذه السوابق التاريخية. فهم يدركون أن نزع السلاح سيؤدي على الأرجح إلى المزيد من المجازر والطرد الجماعي لسكانهم - وهي نوايا لم يُخفِها المسؤولون الإسرائيليون، بمن فيهم نتنياهو.

هذا وحده كافٍ لدفع الفلسطينيين في غزة إلى طرح سؤال جوهري: لماذا نقبل بنزع السلاح إذا لم يُنهِ الحرب أو الأمن أو إعادة الإعمار؟ لماذا نتخلى عن السلاح إذا كانت النتيجة المحتملة نكبة ثانية ومحو الوجود الفلسطيني بالكامل؟

أخيرًا، إن الاعتقاد بإمكانية نزع سلاح حماس بالكامل بالقوة العسكرية أو بالقرار الدبلوماسي دون معالجة الظلم الكامن وراء الاحتلال هو وهمٌ خطير.

إذ نادرًا ما تختفي حركات المقاومة المحاصرة؛ بل تتكيف. وكما يُظهر التاريخ - من صعود حزب الله بعد رحيل منظمة التحرير الفلسطينية، إلى تمرد العراق بعد الغزو - فإن الحملات العسكرية التي تتجاهل الحقائق السياسية تميل إلى زرع المزيد من الفوضى.

لا يُمكن فرض نزع السلاح قبل العدالة. ولا يُمكن المطالبة به دون معالجة القضايا الجوهرية المتمثلة في الاحتلال والتهجير والحقوق الوطنية الفلسطينية. لا يُمكن تحقيق سلام دائم بالقوة، بل من خلال عملية سياسية قائمة على الكرامة والسيادة والاعتراف المتبادل.

وحتى ذلك الحين، فإن الإصرار على نزع سلاح حماس كشرط مسبق للسلام ليس استراتيجية، بل هو في الواقع عملية تشتيت للانتباه ــ وهي عملية من شأنها أن تؤدي إلى إطالة أمد دائرة العنف دون نهاية واضحة في الأفق.

إن الوهم بأن نزع السلاح يمكن أن يؤدي إلى استقرار دائم يحجب حقيقة قاسية: فبالنسبة للعديد من سكان غزة، فإن الاختيار ليس بين الحرب والسلام، بل بين المقاومة والمحو.