تتزايد المخاوف في أوساط سكان مخيم الجلزون شمالي مدينة رام الله، من أن يطال مخيمهم مصيرًا مشابهًا لما شهدته مخيمات شمال الضفة الغربية من عمليات اقتحام وهدم وتضييق، وذلك في أعقاب توزيع الاحتلال الإسرائيلي إخطارات بالهدم ووقف البناء داخل المخيم فجر الثلاثاء، العاشر من يونيو/ حزيران الجاري.
وتشهد مخيمات شمال الضفة الغربية، عدوانًا إسرائيليًا واسعًا منذ نحو 5 شهور، تركزت في مخيمات جنين وطولكرم، هدم خلالها جيش الاحتلال مئات المنازل والمنشآت التجارية وغيرها، وتسبب بتهجير ونزوح الاف المواطنين من منازلهم، ضمن عملية عسكرية أطلقت عليها قوات الاحتلال "الأسوار الحديدية"، بهدف القضاء على المقاومة والحاضنة الشعبية لها في تلك المخيمات.
ويُعد مخيم الجلزون من أبرز المخيمات في وسط الضفة الغربية، حيث يشكل نقطة استراتيجية على المدخل الشمالي لمدينتي رام الله والبيرة، ويقع بمحاذاة مستوطنة "بيت إيل"، التي كانت لعقود مقراً للإدارة المدنية الإسرائيلية ومركزاً للمحاكم العسكرية، وهو ما يضفي عليه أهمية استراتيجية وعائقاً في وجه الامتداد الاستيطاني والأمني .
مخاوف تتعاظم
ويعبّر مواطنون ومسؤولون في المخيم في تصريحات منفصلة لـ "وكالة سند للأنباء"، عن خشيتهم من أن تكون هذه الإخطارات مقدمة لحملة أوسع تستهدف المخيمات في وسط الضفة، في إطار ما وصفوه بـ"محاولة إسرائيلية لطمس هوية اللجوء وحق العودة، أحد أبرز الثوابت الوطنية الفلسطينية".
رئيس لجنة الخدمات في مخيم الجلزون محمود عبد العزيز مبارك، يقول إن "الاحتلال قام مؤخرًا بنشاطات مريبة بمرافقة فرق هندسية وخرائط تفصيلية، ما شكّل مؤشراً خطيراً على ما حدث لاحقاً من توزيع إخطارات بالهدم ووقف البناء"، مؤكدًا أن منزله من بين المباني المستهدفة.
ويوضح مبارك في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، أن الإخطارات شملت منازل وعمارات سكنية ومسجدين وصيدلية، مشيرًا إلى أن منزل عائلته بُني عام 1963 في منطقة تُعد ضمن صلاحيات المخيم، الذي يشهد منذ سنوات إعداد مخطط هيكلي لتوسيع مساحته التنظيمية نظراً للكثافة السكانية المرتفعة.
ويُقام مخيم الجلزون على مساحة تبلغ نحو 265 دونماً، ويقطنه قرابة 15 ألف لاجئ فلسطيني، معظمهم من مدن وقرى فلسطينية مهجّرة في منطقة الوسط، كالرملة واللد ويافا وبيت نبالا والعباسية. وتخليداً للذاكرة، أطلق سكان المخيم على إحدى قاعاته العامة اسم "جُنداس"، نسبةً إلى إحدى قرى لواء الرملة المدمّرة.
استهداف في توقيت حساس
وبعتبر مبارك أن هذه الإجراءات تأتي في سياق "انتقامي وثأري"، ضمن خطة أوسع لإنهاء ملف اللاجئين، مستفيدة من الوضع الداخلي الفلسطيني الصعب، والصمت الإقليمي والدولي تجاه الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة.
أما جمال صافي، وهو لاجئ يقطن المخيم ومالك لبناية مكونة من سبعة طوابق، فيشير إلى أنه تسلم إخطارات بوقف البناء، ولم يستبعد أن يتعرض المخيم لمصير مشابه لمخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، داعياً إلى تحرك عاجل لحماية المخيمات من مخططات "الاقتلاع والتهجير".
مؤشرات مقلقة
ويتحدّث صافي لـ "وكالة سند للأنباء"، عن "معلومات متداولة" تشير إلى نية الاحتلال تنفيذ عمليات هدم واسعة في الجلزون وشق طرق جديدة داخل المخيم، مؤكداً أن هذه ليست مجرد شائعات، ويقول: "هناك خشية حقيقية بأن يكون القادم أسوأ".
ويوضح أن هذا الاستهداف يأتي في سياق متصل بقرار سلطات الاحتلال إغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في الضفة، ووقف الدعم الدولي لها، وهو ما اعتبره "استهدافًا مزدوجًا للبنية الرمزية والمادية للوجود الفلسطيني في المخيمات".
تفكيك المخيمات..
من جهته، يرى المحلل السياسي عطية جوابرة أن ما يحدث في الجلزون يأتي استكمالاً لسياسات إسرائيلية بدأت شمال الضفة، وتهدف إلى تفكيك المخيمات وتحويلها إلى أحياء ملحقة بالمدن.
ويقول جوابرة لـ "وكالة سند للأنباء": "إن أحد أهم أسباب استهداف الجلزون تكمن في محاذاته لمستونة بيت إييل، التي تعتبر قلب الاحتلال في الضفة الغربية، إضافة لموقعه الحيوي والاستراتيجي كبوابة من بوابات محافظة رام الله والبيرة".
ويعتبر ضيفنا، أن سياسات الاحتلال تجاه مناطق "ج" وتضييق الخناق على مناطق "ب"، وما يصاحبها من قرارات وزارية إسرائيلية – أبرزها تلك الصادرة عن وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش – تشكل مؤشراً على وجود مخطط أوسع يستهدف الأرض والإنسان والهوية الفلسطينية.
وبحسب الموقع الرسمي لوكالة "أونروا"، تأسس مخيم الجلزون عام 1949 على تلة صخرية بمساحة 0.253 كيلومتر مربع، على بُعد نحو 7 كيلومترات شمال رام الله. وينحدر سكانه من 36 قرية فلسطينية في منطقتي اللد والرملة، وقد أقيم على أرض مستأجرة من الحكومة الأردنية.
ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو، بات المخيم تحت إدارة مشتركة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال.
ويعد المخيم أحد 19 مخيمًا تقدم "أونروا" خدماتها لها في الضفة الغربية، وسط تحديات سياسية ومعيشية متزايدة تهدد استمرار هذه الخدمات وبقاء المخيمات كرمز لقضية اللاجئين وحق العودة.